شبٍّه بذبيح كربلاء .. ليتجرع الخليل مرارة الرسول بحق ولده الحسين

" كل يوم لا يعصى الله فيه فهو يوم عيد " .... كلمات رددها امير المؤمنين علي بن ابي طالب " عليه السلام " وهو يَعِضُ الناس في صبيحة  بعض الاعياد ، ليزف البشرى بالفوز لمن حفظ حدود الله سبحانه ، والخسران لمن تعداها ، فهو محطة دينية روحية تربوية تعمل على صهرالناس بعقيدتهم الاسلامية الغراء وتجعل من مجتمعاتهم كياناً اسلاميا متكاملا ، مرتكزا في ديمومته على تطبيق فلسفة الدين الاسلامي بالايمان بالله جل وعلا والابتعاد عن معاصيه بالسير على نهج وخطى رسولنا الاعظم وال بيته الاطهار " سلام الله عليهم اجمعين " ، ليكون العيد عيدا لمن خاف الوعيد .

من المتعارف عليه وعلى مر الازمان بأن بواعث العيد قد اختلفت بين الامم ودياناتها المختلفة ، فهو كحدث متوارث مهم يحل كل عام وفي وقت محدد ليشكل بأهميته الخاصة مصدرا للسعادة والمسرات لابناء تلك الامة ، كونه اصبح نقطة تحول في حياتهم الاجتماعية ، فقد يكون مصدر هذا العيد حدث سياسي شكل متغيرا ايجابيا لحياة تلك الامة ، او قد يكون طبيعيا لظاهرة اصبحت مدعاة سعادة تلك المجتمعات او قد تكون اعيادا ذات بعد ديني عقائدي كأعياد المسلمين ، والتي كان لها دورا مهما في ترسيخ دعائم الدين بين افراد المجتمع الاسلامي  واعلاء كلمة الله وجعلها العليا .

فالاعياد في الاسلام اربعة " عيد الفطر و الاضحى ويوم الجمعة من كل اسبوع فضلا عن اعظمها و اشرفها رابعها عيد الغدير الاغر كما توارد في الروايات الشريفة " والتي سخرها الله لعباده لتكون منطلقا جديدا للتوبة وطلب المغفرة منه جل وعلا ، تتجدد مازال الانسان حيا كل عام فقد اتت بمناسبات واحداث مهمة شكلت دروسا وعبر يقتدى بها ، فأتى يوم الجمعة من كل اسبوع عيدا يحتفى به بالعبادة واقامة الصلاة ، لتسير الايام متسارعة نحو الاول من شوال ليحل عيد الفطر ليكافأ به العباد بعد صبر جميل ، وفي العاشر من ذي الحجة يحل الأضحى ضيفا خفيفا بعد حج بيت الله ولباس ثوب المغفرة والرضوان باذنه تعالى ، لتتسارع الايام حتى حلول يوم الثامن عشر من ذي الحجة ليكون عيد الله الاكبر يوم نُصٍّب امير المؤمنين " عليه السلام " للناس علما .

ويتهيأ المسلمون في العاشر من ذي الحجة لاستقبال عيد الاضحى المبارك وبشكل استثنائي عن غيره من الاعياد بصدور تملأها الغبطة والسرور، ففيه استذكار لنا نحن امة الاسلام لأختبار نبي اتسع قلبه لحب الله وحب من خلق ، وقد بشره الله بابن حليم على كبر ليستسلم للنوم فيرى في المنام أنه يذبحه بإيحاء من الله سبحانه، فلما بلغ إسماعيل " عليه السلام " الثالثة عشرة من عمره أراد الله امتحان صدق أبيه إبراهيم " عليه السلام " وإيمانه فأرى إبراهيم في عالم الرؤيا أنه أمر بذبح ولده البكر وأن عليه ان يمتثل لأمر ربه إن كان صادق العهد والإيمان به سبحانه ، فلم يكن من الخليل إلا ان صدق الرؤيا وسعى لتنفيذ امر الجليل ، فجاء  لإسماعيل واخبره بالرؤيا ، فلم يكن إسماعيل" عليه السلام " ليكذب رؤيا نبي الله ، ويعترض على امر ربه  { قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }، وسعى الاثنان الى تنفيذ امر الله ولم يترددا ، فلم ينتابهما خوف او تراودهما الهواجس والشكوك ، فقاد إبراهيم ولده " عليهما السلام "  ليذبحه بأمر الله ، و أقبل ابراهيم وتلّ ولده البكر، وأضجعه ارضا وأخذ السكين ورأسه مرتفع إلى السماء ليفديه طاعة لله تعالى، وبلا شك لم يكن رب العزة ليترك إبراهيم يذبح ولده إسماعيل وهو يعلم صدق الأثنين وتسليمهما لأمره ، واتى امر الله بان نجى إسماعيل من الذبح {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ }، أضجعه موضعه ليكون من ذرية اسماعيل من بعده استكمالا لذلك التسليم لأمر الله، بتسلّيم رسول الله محمد " صلى الله عليه وآله " لأمر الله بالتضحية بقرة عينه ابي عبد الله الحسين " عليه السلام " بكربلاء ،  ليسلم الاخير لأمر الله ويقدم على الموت بروح ثابتة مطمئنة لا تعرف الخوف ، بل تطمح إلى تحقيق رضا الله ، ليكافئ بأبي وامي  بأن جعل الله الإمامة من نسله وجعل بهم وبولايتهم  تمام دينه القويم ونيل شفاعتهم يوم الورود وهو الفوز العظيم والعيد المنتظر .

واللوحة اعلاه احد المنجزات الفنية المميزة التي حاول فيها الفنان التطرق للإعجاز الالهي ومعجزة فداء الذبيح اسماعيل "عليه السلام"، في محاولة من الفنان لتوثيق وتصوير ذلك الحدث العظيم الذي مجده الله وجعله احد اهم اركان الحج عند المسلمين ، واللوحة من منجزات الفنان المبدع الدكتور محمود فرشجيان  ، الذي اخذ على عاتقه توثيق الاحداث الاسلامية المهمة ليتيح للمتلقين فرص التعرف عليها واستشعار احداثها المؤثرة والتفاعل معها بهيئتها الفنية المميزة بفن المنمنمات ، فضلا عن الاطلاع على عادات و تقاليد المجتمع الاسلامي العربي و غير العربي في حقب مختلفة  من الزمن .

انجزت اللوحة بتقنية الاكريلك على الورق المقوى عام 1997 م واتت بابعاد 102*81.5 سم ، ويبدو انها اخذت مأخذا طويلا من الزمن لانجازها ، ونستطيع ان نميز ذلك من خلال دقة المشهد والحرفية العالية في تصوير معالم وملامح الاشخاص في اللوحة ، ليترك المشاهد يهيم سابحا في تلك الاجواء الملائكية السماوية بالوانها المميزة والمنسجمة مع حركة الاشكال وهيبتها، فقد عمد فرشجيان كعادته الى ترك الاشكال تهيم في فضاء اللوحة الدائري الهيئة وبتماسك وتداخل غريب مع بعضها البعض ، لينفرد هذا الفنان عن غيره باسلوب تطوري لفن المنمنمات تميز به عمن سبقه لينتج لوحات تخاطب روح المتلقين بعمق أبعادها كما تخاطب العين بجمال ألوانها وتناسق اشكالها .  

نسأل الله العلي القدير ان يبارك لنا ولكم والامة الاسلامية جمعاء هذه الايام المباركات ويرزقنا واياكم زيارة وشفاعة سيدي ابي عبد الله الحسين عليه السلام .

سامر قحطان القيسي  

المرفقات