اليوم تكتسي السماوات بأفضل حليها وتتفجر الارض بينابيع الطهر والنقاء ، فقد عاد الينا الفاتح من ذي الحجة بفرحته الكبرى وامر الله الذي سُعد به سكان الارض والسماء بزواج النورين ، آية الله الكبرى امير المؤمنين علي بن ابي طالب " عليه السلام " ، والعروة الوثقى وقطب دائرة الوجود فاطمة الزهراء " صلوات الله عليها " ، فقد اوحى الله " جل وعلا " الى حبيبه المصطفى " صلى الله عليه واله " أن زوج النور من النور، فقد بنيت لهما بأمر الله تعالى جنة من اللؤلؤ والياقوت والذهب المصفى وفرشت ارضها بالزعفران وجعلت سقوفها من الزبرجد ، ونثر بامر الله ما على شجرة الطوبى المباركة من الدر الأبيض والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر واللؤلؤ الرطب احتفاءا بهذا اليوم المبارك ، وكيف لا وهي الفرحة الكبرى التي بها يكمل دين الله ويستقيم .
ذهب العديد من الفنانين وعبر مراحل التاريخ الاسلامي الطويلة إلى رصد وتوثيق ألاحداث الهامة في حياة رسول الله وآل بيته " صلوات الله عليهم " ، وذلك بتحويلها إلى مواضيع فنية ذات بعد جمالي خاص يتوائم مع الفكر الاسلامي ومعتقداته التي اكدت على اظهار الحقيقة الباطنية للاشكال " جوهر الشكل " بعيدا عن تشخيصها وتجسيمها كاشكال قريبة من الواقع ، فألتجأ الكثير منهم نحو دائرة مايسمى بالفن المقدس بمحاكاته روحية الاشكال وعكس ابداعات الخالق المصور بعيدا عن التشبيهات الوثنية التي كانت سائدة في عصور ما قبل الاسلام .
فقد عمد اغلب فنانينا المسلمين الى رسم الشخوص المقدسة وهي تحمل معها رموز ابتدعوها لتعكس جوهره " المقدس من الاشخاص " كما الحال في رسوم الفن الاوروبي القديمة ، فالفكرة واحدة ومتقاربة جدا فقد انتهل الاثنان صفات وخصال الشخصيات المهمة من ما ذكر عنها في الكتب السماوية المقدسة او الروايات الموثوقة التي نقلت اليهم عبرالاجيال المتعاقبة ، واللوحة اعلاه احدى تلك الابداعات الفنية التي تجسد احدى الاحداث المهمة في تأريخ الاسلام والمسلمين .
اللوحة تجسد لحظة تزويج سيدتي فاطمة الزهراء من اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب " عليهما السلام " بحضور نبينا الاكرم محمد " صلى الله عليه واله " باجواء واشكال مقدسة .
اللوحة من ابداعات فن المنمنات ، ويعتقد انها من رسم فنان المنمنمات الافغاني كمال الدين بهزاد ، ويعتقد ايضا بانها ابصرت النور خلال فترة النزاع بين الدولة التيمورية والعثمانيين اثناء حكم الشاه اسماعيل الصفوي احد حكام الدولة التيمورية انذاك .
رسمت اللوحة بطريقة مميزة لتروي للمشاهد قصة زواج النورين وقدسيتهما ومن معهما ، حيث تعانق الالوان مع النص والاشكال لينساب كل منهما حول الاخر ، فضلا عن تقديمه للوحة واجزاءها بمنظور رمزي لحدث واقعي مقدس بحساسية لونية عالية خلقت توازنا وتناغما مع فكرة العمل " زواج النورين " ، معتمدا بذلك على الروايات الموثوقة التي وصلت اليه عبر الاجيال إضافة لثقافته الدينية وتماسه الروحي مع هذا الحدث المهم ، ليخرج لوحة تحمل ارثا دينيا وثقافيا تعود بكيانها الى فن التزويق القديم " المنمنات " ، فضلا عن ان الفنان لم يكتفِ بتصور الرموز الدينية المهمّة فحسب ، وإنما عني أيضا بتصوير المكان وتتويج اعلى رؤوس المقدسات بشعلة من النار واخفاء الوجه بهالة بيضاء ايمانا منه بقدسية واهمية شخوص اللوحة عليهم السلام ، كما هو حال اغلب المخطوطات والمنمنمات القديمة بمختلف اصولها القديمة عربية كانت او فارسية او غيرها .
واخيرا وليس آخرا .. هنيئا لنا ولكم هذا اليوم المبارك داعين المولى القدير الثبات على ولاية امير المومنين وحب بضعة رسول الله فاطمة الزهراء وبنيها " عليهم السلام " .
سامر قحطان القيسي
اترك تعليق