فنارات اسلامية ..اثارت بسحرها مخيلة الغرب

يرتبط الفن الإسلامي بالمساجد والمقامات الدينية بعلاقة وشيجة لا انفكاك لها ، كونها تحتضن هذا النمط من الفنون في حنو جميل ، من حيث العمارة واشكالها الهندسية المتقنة والخطوط وعالمها الملئ بالزخارف المنسابة عبر جدران تلك المساجد واعمدته وقبابه وحتى ابوابه ، فالفنون في الإسلام في واقع محسوس " تفضي إلى المسجد والمسجد يفضي إلى الصلاة ومن ثم التقرب الى الله تعالى ''  كونها  مصدر الهام وجذب للوصول الى الخالق ، يتوق المرء من خلالها إلى عبادته ويستلذ بمناجاته رغبة في التخلص من كل عبودية لسواه جل شأنه .

ففى زمن لم يعرف التقنيات الحديثة التى نراها كل يوم فى عالم التصويروالتوثيق ، كانت المطرقة والازميل ومن ثم  الريشة والألوان وبعض من الورق هو ما يستخدم لتسجيل أدق التفاصيل وتوثيقها ، حيث ولد عالم من السحر والجمال غير قابل للتلوث والاندثار ، بعشق العين للجمال وبحثها عنه فى كل معمار اسلامي .

هكذا هي العمارة الإسلامية بالنسبة لمنجزها وبانيها الذي زينها للناظرين ، وهذا حال الرسامين وبالخصوص الرحالة المستشرقين ، الذين بحثوا عن الجمال فى كل مكان لتوثيقه ورسمه ونقله إلى عالمهم ، فعند قدوم هؤلاء الفنانين إلى الشرق رصدوا قدر استطاعتهم مظاهر الحياة فى البيئة العربية الاسلامية ، بجمال مبانيها وطبيعتها الخلابة وخاصة المبانى الإسلامية من مساجد ودورالعبادة فضلا عن الاضرحة الدينية ومقامات الولاة الصالحين .

اللوحة من ابداع الفنان والرسام البريطاني المستشرق " والتر تيندال Walter Tyndale " ، الذى تأثربسحر جمال الشرق في القاهرة القديمة بمصر، فجسد حياة المصريين وعمارتهم بين عامي " 1900 و 1915" ببراعة تصويرية استثنائية .

ولد الفنان تيندال عام 1855، وتوفي في 1943 ، درس الفنون وتذوقها في أكاديمية بروج للفنون في بلجيكا ، حتى كان من عمره 16عاما عاد إلى إنجلترا ، ثم الى باريس بعد ذلك لدراسة الرسم ، وتخصص برسم اللوحات بتقنية الألوان المائية حتى لاقت اعماله اعجابا ورواجا شديدا في أوروبا ، فقرر أن يذهب في رحلة إلى البلاد العربية لينتهل من جمال فنونها ما يثري مسيرته الفنية ولينقل صور ذلك الجمال الى بلدان اوروبا .

نفذت اللوحة بتقنية الزيت على القماش ، وقد صور فيها الفنان مشهدا داخليا من قاعة الصلاة الخاصة بجامع " آق سنقر‏" او مايسمى بالجامع الازرق في القاهرة والمنتمي لطراز العمارة المملوكية ، حيث صورفيها محرابا مغطى بالرخام واحجار القرميد ، تجانبه اعمدة رخامية تحمل عقدا كبيرا مزخرفا يعلو راس المحراب الغائر وسط جدار مغلف بالقاشاني الازرق اللون ، والى جواره من جهة اليسار صور الفنان منبراً رائعاً من الرخام الملون ، وقد حفر بعض تفاصيله وعقوده بزخارف متنوعة ، وتوج بابه بكرانيش من الجبس المطعم بالحجر من ثلاث حطات من المقرنصات ، وله مصراعان من الخشب المطعم بالنقوش ، ويعتبر هذا المنبر أقدم المنابر الرخامية القليلة القائمة بالمساجد الأثرية بالقاهرة والمنطقة العربية على حد سواء .

تتكون هذه اللوحة من مجموعة أشخاص بهيئة مصلين ، ذوي توزيع فني لا مركزي يشغلون جزأ من قاعة الصلاة في الجامع  وبالوان مختلفة ، إذ يوجد مجموعة منهم جالسين في الوسط ، مع انفراد احدهم على يمين اللوحة جانب المنبر وهو في حالة الركوع  فضلا عن ، انفراد شخص اخر يقترب من المشاهد في مقدمة اللوحة في حالة الجلوس ايضا  رسمت اللوحة وهي تتجه نحو الإنشاء المغلق بسبب نظر أغلب الشخصيات وتوجههم الى المحراب داخل اللوحة .

أستطاع  الفنان في هذه اللوحة ، وعلى الرغم من تعدد مراكز البصر فيها ، الى  أن يؤسس نقطة ارتكاز رئيسة بدت مشعة بالنسبة لمراكز ثانوية ، الا وهي العمارة المكونة لقاعة الصلاة  فقد ركز الفنان جل اهتمامه بابراز جمالية الجدران والسقوف والمنبر الذي عد بشكل او بآخر مركزا جاذبا للمتلقي بارتباطه مع باقي اجزاء اللوحة  ، التي تكون باتحادها صورة منسجمة متوازنة الاجزاء ، عبر اختيار الفنان المعمار والرسام لمكان أزاح عنه الكتل المزدحمة ليعطي إيحاء روحيا للاستقرار والسكون ، ليثير الوجدان والإتحاد العاطفي تعبيرا عن وحدانية المقدس عند المسلمين وهو الله وعبادته دون غيره ،  عامداً بذلك لمحاولة ابراز الخط واللون  ونقل وقائع الاشكال كما هي بجمالها الطبيعي " ذي الروحية الاسلامية "  ، ليحيلنا لمشهد عام يحمل بطياته مدلولات دينية اسلامية عقائدية ، في التعبير عن المقدس بتكرار شكله وتنوع أدواره وإبراز قيمه الأخلاقية ووحدانية أهدافه وتمام وكمال صنعه.

فالبناء العام للأشكال في اللوحة " العمارة والنقوش الاسلامية " التي استلهمها الفنان من تراث إسلامي شاخص امامه ، أفصح عن الشكل الجمالي الخالد الذي حمل مضامين مقدسة نقية تشعر المشاهد المتأمل بلذة روحية خلال تأمله لها  ، بأشكالها الهندسية المعمارية ومصليها الخاشعين تحت يدي الله  ،  ليكشف لنا عن عالم من الحياة المثالية الروحانية ، لذا تمكن الفنان من صياغة رموزه الإسلامية كما يراها بشكل مقارب للواقع ليفصح عن المضمون بطريقة مرهفة ومعبرة عن العقيدة الإسلامية الفذة ويتجهبها  باتجاه الجماليات الخالدة فضلاً عن تأكيده على أصالة الهوية الإسلامية  ونتاجاتها الفنية .

سامرقحطان القيسي

المرفقات