ها قد فتحت ابواب الرحمة والجنان ، بحلول شهراشتاقت له النفوس منذعام ، دعينا فيه إلى ضيافة الرحمن وجعلنا فيه من أهل كرامة الله ، فاجيبوا ايها القوم نداء الله فقد هل هلال شهر بورك من ذات الجلال .
مرحبا بأفضل الشهورعند الله ، مرحبا بالصيام والقيام بأنفاس ملؤها التسبيح وثوابها أستجابة الدعاء ، مرحبا شهر القرآن والإيمان ، مرحبا شهر رمضان ...الف اهلا والف سهلا ايها الضيف البشير .
رمضان شهر الله جل وعلا وهو أشرف الشهورواجملها ، تفتح فيه أبواب السماء وأبواب الرحمة والجنان ، وتقبل صالح الاعمال وتغلق أبواب جهنّم ، ففيه نزل القران في ليلة مباركة تكون عبادة الله فيها خيراً من عبادته في ألف شهر، فانتبهوا لأنفسكم ايها الناس وتبصروا كيف تقضون فيه ليلكم ونهاركم في صون جوارحكم واجسادكم عن معاصي الله ولا تكونوا من النائمين ليلكم والغافلين في نهاركم فان الله سبحانه يعتق آخر كل يوم من أيّام شهر رمضان ألف ألف رقبة من النّار، فاذا كانت ليلة الجمعة ونهارها اعتق الله من النّار في كل ساعة ألف ألف رقبة ممن استوجب العذاب ويعتق في اللّيلة الاَخيرة من الشّهر ونهارها بعدد جميع من أعتق في الشّهر كلّه ، فهلموا وارفعوا أيديكم بالدعاء لنسأل الله من فضله مهتدين بأذنه الى الصراط قبل ميعاد المصير .
حاول الكثير من الفنانين التشكيليين وعلى مرالعصوران يعكسوا بريشهم مظاهرمجتمعاتهم وحضاراتها بقيم فنية ابداعية وباساليب متنوعة ، والتعبيرعن شهر رمضان والاحتفاء بحلوله كان من اهم المعالم الخاصة بمجتمعاتنا الاسلامية باعتباره مصدر إلهام لكثيرمن الفنانين، فمنهم من رسم موائد الرحمن واخر صوربعض مظاهر الزينة على عمائر بعض المدن وازقتها ناهيك عن تصوير بيوت الله بمآذنها وقبابها وفوانيسها والأهلة التي تعلوها .
هكذا عبر بعض رواد الفن التشكيلي العراقي عن مظاهر شهر رمضان المبارك وجمالياته ، وهذه اللوحة احدى تلك المنجزات الابداعية الرمضانية للفنانة التشكيلية العراقية الرائدة " وداد الاورفه لي " ، تظهر فيها مدى إفتتانها بالاهلة و الاجواء الرمضانية فضلا عن العمارة والفنون الإسلامية في العراق و ودول اخرى ، و التي ألهمتها للوصول لهكذا اسلوب من الرسم التعبيري، يجمع قباب ومآذن المدن الإسلامية بألوانها الزرقاء والذهبية الساحرة وكذلك بزخارفها وأشكالها الجمالية المعقدة وكأنها تصنع ثوبا حريريا ثمينا منقوشا بالمنمنمات ليدوم مدى الحياة.
الفنانة " وداد مكي الأورفه لي " ولدت في بغداد عام 1929، درست الفن والخدمة الاجتماعية في الجونير كوليج في بيروت، وأكملت دراستها في كلية الملكة عالية فضلا عن تتلمذها في مرسم الفنان الدكتور خالد الجادر، عضو نقابة وجمعية الفنانين العراقيين و شاركت في كل معارض الكلية والنقابة وجمعية الفنون التشكيلية وشاركت في أول معرض للفن العراقي للرواد والشباب سنة 1957.
تميزت اعمال الاورفه لي الفنية برؤيتها الشاملة حيث اصبحت مثال للمشهد التشكيلي في العراق بشكل خاص والوطن العربي بشكل عام ، فقد اختارت أسلوباً مميزاً لرسم لوحاتها بعد أن تنقلت بين دراسة الفن والتتلمذ على يد أساتذته امثال الفنان خالد الجادروغيره ، وكذلك دراساتها الميدانية الشاملة للحرف الشعبية مثل العمل على النحاس وفن الباتيك ، حتى أقامت لها أول معرض شخصي عام 1964 تلته العشرات من المعارض المحلية والعالمية .
للوحاتها طابع خاص يتعرف عليه كل من اطلع على تلك المدن الخيالية المطرزة بمنمات من أشكال القباب والأهلة من فوقها وأشجارالنخيل والأنهار والمياه والسماء الملونة و تعدد الافق في نفس اللوحة لتعكس بها رغبتها برسم مدينة احلامها الجميلة الباعثة على الطمأنية والأمل والجمال لتزرع في نفس المتلقي الأمل والقوة بما يمتلكه من حضارة عريقة بفنها الجميل .
عمدت الفنانة في هذه اللوحة الى رسم احدى مشاهدها الحالمة لبساتين بغداد وازقتها المكتضة بالبيوتات البغدادية القديمة وجوامعها وتلك الجزرالسحرية الغارقة في تهاويل الخيال وسط نهر دجلة وعذوبة ماءه ، وهي تستبشر هلال رمضان في افق دافئ يتوسط لوحتها ، تخترقه بساتين النخيل صعودا لتشترك مع الهلال لتخلق مناخا مرتبطا بتراث بغداد يضعنا في الزمن الحاضر امام تأمل لماضيها التراثي السحري والشعري على حد سواء ، فلم يغادر الحلم افكار الاورفه لي في لوحاتها و حتى الوقت الحاضر ، فهي في داب مستمر للمزاوجة بين ماضيها " الجيل الخمسيني " وحاضرها الذي يتدفق وعودا بالامان فما كان منها الا ان تنسج عالمها الخاص ، لتخترع خطابا فنيا فريدا يتسم بالحرية والدقة إلى جانب الرقة والحساسية المرهفتين ، لتعيد بناء الاشياء بعيدا عن عناصرعالمنا الصاخب المضطرب ، حيث الفن يغدو تعويضا ورحلة نجاة من غربتها نحو مدينتها الفاضلة المسكونة بذكريات الماضي البغدادي الجميل .
سامر قحطان القيسي
اترك تعليق