إنّ عصر الغيبة الكبرى ليس زمنًا للجمود والانتظار السلبي او المخرب ، بل هو ميدان امتحان للامة المنتظرة وميزان صدقها في الولاء للإمام الحجة عجل الله فرجه .
فالاسلام لم يامر الامة بالجمود والقعود، والكسل، والانزواء عن الواقع ، وانما حث المسلمين على اعداد القوة بمختلف اشكالها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والعقائدية، وباعلى مستوياتها بل يجب ان يصل الاعداد الى مستوى ترهيب وردع العدو قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ (الأنفال: 60) .
فهذه الاية عامة وشاملة لكل زمان وهي تكليف للمؤمنين بان يساهموا بكل ما لديهم من استطاعة في اعداد القوة التي يمكن من خلالها مواجهة العدو واعوان الشيطان .
اشكال الإعداد للقوة في عصر الغيبة الكبرى
يتصور البعض ان الاعداد للقوة مقتصر على الاعداد العسكري فقط وهذا اشتباه في الواقع فان الحرب ليست فقط عسكرية بل اقتصادية وتكنلوجية، وعقائدية، وفكرية ، وعلمية، وغيرها واليك اهم اشكال الاعداد للقوة الرادعة للعدو:
اولاً: الإعداد العقائدي والفكري
ينبغي تحصين الشباب من الغزو الفكري والإعلامي فهناك المئات من الشبهات التي تبث في وسائل الاعلام والتواصل من قبل العدو هدفها تشكيك المؤمنين بعقائدهم ومبادئهم وحرفهم عن مسار ومنهج الاسلام الاصيل ، فالتحصن بالعقائد والقيام بجبهات عقائدية علمية وقوية ورصينة تساهم في عملية البناء والدفاع وردع العدو من هجماته العقائدية .
وهذا يتحقق بقيام المؤسسات المختصة بالعقيدة باعداد الامة المنتظرة عقائديا وتخريج كوادر قادرة على مواجهة الشبهات التي يبثها اعوان الشيطان .
وقد قام بهذا الدور جمهور علماء مدرسة اهل البيت عليهم السلام على طوال الخط والمسيرة منذ الغيبة الكبرى والى يومنا المعاصر فهم مرابطون على ثغور العقيدة لانقاذ الموالين من فخاخ النواصب وقد ورد هذا المعنى في الروايات الشريفة؛ قال الامام الهادي عليه السلام :
( لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا عليه السلام من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة ، كما يمسك صاحب السفينة سكانها أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل ) بحار الأنوار ج٢ ص ٣٤.
ثانياُ: الإعداد الأخلاقي والروحي
من اهم اشكال الاعداد للقوة هو تربية الاجيال و الأمة المنتظر على حمل قيم الاسلام المحمدي الاصيل ، وتربية الامة المنتظرة على تلك القيم كالصبر، التضحية، والولاء ، والشجاعة وغيرها .
وهذا يتحقق بدراسة منهج اهل البيت عليهم السلام والتزود من علومهم والتفقه في الدين وبث هذه القيم عمليا في الواقع الاجتماعي ورد القيم المنحرفة .
ثالثاُ: الاعداد الفقهي
اي ان يكون المؤمن محصن فقهيا لكي يتيسر له القيام بمهامه ضمن الضوابط الشرعية .
ويتحقق ذلك بالرجوع للعلماء العدول والمراجع العظام قال الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف : ( واما الحوادث الواقعة فارجعوا بها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليهم وانا حجة الله ). كمال الدين ج1 ص 483.
رابعاُ: الإعداد العسكري والأمني
وهو مهم جدا لضمان سلامة الامة المنتظرة وردع اعوان الشيطان وهذا يتحقق من خلال توفير أدوات الدفاع والردع ضد كل عدو .
فالقوة العسكرية والجيش المنظم والسلام المكافئ يردع العدو ويحصن الامة من الاستئصال ويصنع جبهة انصار دولة العدل الالهية فعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لَيُعِدَّنَّ أَحَدُكُمْ لِخُرُوجِ اَلْقَائِمِ وَ لَوْ سَهْماً فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَی إِذَا عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ نِيَّتِهِ رَجَوْتُ لِأَنْ يُنْسِئَ فِي عُمُرِهِ حَتَّی يُدْرِكَهُ فَيَكُونَ مِنْ أَعْوَانِهِ وَ أَنْصَارِهِ) .الغيبة للنعماني 325 .
خامساُ: الإعداد العلمي والتكنولوجي
فان القوة اليوم لم تعد محصورة في السلاح، بل في الاقتصاد، والإعلام، والذكاء الاصطناعي، والبحث العلمي.
وكل ما نراه من تطور في الاعلام هو بسبب خروج مبدعين وعلماء اوصلوا العالم الى ما عليه من التطور ، ويتحقق ذلك من خلال التفات جامعاتنا ومدارسنا الى الاجيال القادمة واعداد مناهج حقيقية قادرة على خروج كوادر قوية مناهضة للتطور الحاصل .
سادساُ: الإعداد السياسي
من المهم جدا بناء مجتمع مقاوم متماسك عادل قادر على اعداد اجيال مبدعة في عالم السياسة والاجتماع سواء على مستوى القيم السياسية او السياسات الخارجية او الادارية للبلدان او على مستوى النظريات الاجتماعية ، ففي كل زمان تحتاج الامة الى الحاكم العادل الذي يضع الامور في مواضعها .
فكما ان الامة تحتاج الى العالم العادل والطبيب العادل تحتاج ايضا الى الحاكم الذي يحكم بالقسط والعدل لكي تسير الامة وفق نظام العدالة الالهية وتتقدم في جانب الانتظار الايجابي لدولة العدل .
قال الامام الصادق عليه السلام :( لا يستغني أهل كلّ بلد عن ثلاثة، يفزع إليهم في أمر دنياهم و آخرتهم، فإن عدموا ذلك كانوا همجاً: فقيه عالم ورع، و أمير خيّر مطاع، و طبيب بصير ثقة) تحف العقول315 .

اترك تعليق