رموز تنعش الخيال

لباب الاثار تتناثرعند استحضارنا لما مر من الزمان ...

آل تقدم الحضارات الى ان يرتقي العمل الفني شيئأ فشيئا ليصبح صورة معبرة عن الاشياء ، لتصبح بهجة الاشكال المرسومة لا بنسخها وتمثيلها بل بتحويرواختزال اجزاءها لتتمثل بأسلوب رمزي يلهج بأفكار ومضامين لها علاقة بالفكر الديني ، هذا ما أقتضته الضرورة عند الفنان المسلم ليرسم ماتركه الانسان من اثروليوثق الماضي بطريقة فنية  ، ليترك اثرا اخرتستثمره الاجيال المتعاقبة فيما بعد ليكون منهلا ومعينا لفهم ودراسة حضاراتهم السابقة.   

اللوحة من ابداع الفنان التشكيلي العراقي" ضياء العزاوي "وهي جزء من سلسلة الأعمال المختلفة التي أنتجها ،

ولد في بغداد 24 نيسان 1939 تعرف إلى الفنون منذ الصغر بامتلاكه  موهبة و ميلا فطريا للرسم ، طورها بأستنساخه الصور والرسوم من المجلات والصحف اليومية فضلا عن تشجيع عائلته واحد اساتذته على تنمية تلك الملكة ، تخرج من الثانوية عام 1958 ليدرس علم الآثار في كلية الآداب التي تخرج منها عام 1962.

ارتاد المرسم الحر الذي اسس على يد الفنان العراقي الرائد "حافظ الدروبي "  وشكل ذلك عاملا مساعدا على  حثه بتطوير موهبته بمتابعة دراسة للفن في معهد الفنون الجميلة / بغداد ، التحق مطلع الخمسينيات بجماعة الانطباعيين في الفن  .

استمد الفنان مواضيعه من الأشكال البصرية التي كان يراها في الحياة اليومية فضلا عن تأثره بالحضارات القديمة وفنونها " عن طريق متابعته للقطع الفنية الاثرية الموجودة في المتاحف المحلية والعالمية  " ، اضافة الى الأضرحة الدينية " بصفتها مراكز للأنشطة الإنسانية " وتأثره بملحمة الطف الخالدة واستشهاد الإمام الحسين " عليه السلام " في كربلاء التي طبعت على أعماله اللاحقة طابعا قصصيا وجعلها كمواضيع معبرة عن قصة او حدث ما .

خاض العزاوي أساليب التجريب الفنية منذ ستينيات القرن الماضي، متنقلاً من المدرسة الانطباعية إلى الحروفية وصولا للتجريدية ، ولكنه لم يبق أسيراً لأية مدرسة من هذه المدارس الفنية ، بل تميزت اعماله بنهج متغيرعلى مدى مسيرته الفنية .

عالج الفنان اشكال اللوحة وفضاءاتها بتقنية الاكريلك على القماش ، بمسحة تصميمية تجريدية مستثمرا فيها اشكالا مبسطة للحرف العربي ، متداخلة مع كتل لونية هندسية مقسمة بخطوط افقية ، ضمن توجهات الفنان لكسر رتابة الأشكال الهندسية والتخلص من سطوتها وسكونها ، في محاولة لجعل السطح التصويري حقلاً تتناثر فيه الأشكال والألوان ، ضمن توريات واستحضارات غامضة على السطح التصويري الذي ينشئ عليه وحداته البنائية لتصل بالمتذوق إلى بهجة لونية  تجبره على التأمل في مكوناتها والمحاولة لفك شفرات تلك الرموز الفنية  والكشف عن بعض من انفعالات الفنان لحظة انجازه العمل الفني .

اهتم ضياء العزاوي بالحرف كقيمة فنية وشكل من الوحدات التشكيلية ، فهو احد مكونات اللوحة ليس إلاّ ، لكنه طرحه بشكل مغاير بغية تفجيرالطاقة الابداعية اللانهائية الكامنة فيه ، ليتحول به السطح التصويري الساكن والحافل بالمساحة اللونية من الشكل الثابت إلى الشكل المتحرك ، وفق آلية مميزة تربك عين المتذوق المتأمل وتزعزع مدركاته العقلية ، وفق انشائية تشكيلية لونية لا تبتعد كثيراً عن ما موجود في البسط الشعبية والزخارف الفنية العربية والعراقية ، لكن الأهم عند الفنان هو كشف مكامن هذه الأشياء وتحويلها إلى عناصر إنشائية معاصرة ، تكسر وتحيد عن الشكل التقليدي ،ليمتد بذهنية المشاهد من مساحة السطح المحدود إلى أماكن أخرى أكثر انفتاحاً دل عليها الفنان بالخطوط الافقية التي تسود المساحات اللونية المعبرة عن الاشكال .

ان البنية السائدة في هذا العمل هي بنية تركيبية تحاول المزج بين علامات مختلفة ، ضمن أسلوبية تقترب إلى حد ما من الرسوم الاسطورية القديمة ، فقد استثمرالفنان فاعلية التجريب تقنياً ليشظي بنية السطح التصويري ، ويجعله كمساحة تنتشر فيها العناصر بحرية دون الامتثال لأي من قواعد المنظور المتعارف عليها ، محاولا بذلك الانفلات من الجمود الشكلي الى الحركة اللونية ، مما جعل عين المشاهد تجول بين الألوان المكونة للوحة محاولة حل لغزها " الالوان " وارتباطاتها فيما بينها .

استخدم االعزاوي الوان الازرق والبنفسجي والابيض والاخضر ، فضلا عن اللون الاصفر والوان اخرى بتدرجات مختلفة وبشكل متجانس ، ومن الملاحظ عند متابعة سلسلة اعمال الفنان استخدامه المفرط لالوان الأسود ، الأحمر ، الأخضرعلى وجه الخصوص ، التي تتشظى منتشرة في أرجاء اللوحة بصورة اعتباطية مدهشة ذات جمالية عالية وحساسية مبدعة ، لتشكل ملامح واضحة للتغييب المقصود من قبل الفنان لنقطة الجذب الرئيسية في اللوحة ، لزج المشاهد وسط فضاء التأويل والتفسيرلشكل مفتوح ذي أسلوب جمالي دلالي اخاذ ، يمتد به " المتلقي " الى فضاءات أبعد من فضاء اللوحة المحددة بأطار ، ويبدو ذلك واضحاً في إصرار الفنان على كسر المتعارف عليه لشكل اغلب لوحاته والانطلاق نحو مديات أبعد من ذلك لمنح المتلقي فرصة أكبر في اقتفاء الأثر ، ومحاولة تفسير العمل الفني ، واستيعاب اللامرئي ضمن مديات غير محددة .

سامر قحطان القيسي

المرفقات