كأنها طـقوس سـحـرية صيغت طلاسمها بأطار لوحة فنية جمعت بين موروث نقي من الالوان والاشكال وبين ابداع فنان يترك الدهشة في النفس إزاء فكرة اتسمت بالفرادة والنضج الفني ، هذا هو اسلوب التشكيلي العراقي ( حيدر علي ) الذي اقترب للجمال في اغلب منجزاته الفنية من خلال الدلالات التي تغطي السطح التصويري والمحاطة بهالة من النوازع الانسانية المميزة والتي سرعان ما تعلن عن مجسات الروح التي تحملها وهي بالتأكيد اختلاجات الفنان والتراكمات المتأتية من حبه للموروث وافتتانه بالعمارة والفنون الإسلامية والتي فرضت عليه طقسا ابتدائيا يعود بالذاكرة الى اقتراب الذات من الموجودات والموروثات .
يعد الفنان التشكيلي المعاصر ( علي هاشم ) واحد من الاسماء البارزة في المشهد التشكيلي العراقي ، وقد شارك في العديد من المحافل الفنية داخل و خارج العراق وبمعارض شخصية ومشتركة ، يتمتع الفنان بقراءاته الكثيرة وسعة اطلاعه على الفلسفات المتنوعة والافكار والنظريات الفنية فقد بدأ مشواره الفني بمحاكات البيئة المحلية العراقية وابدع في تصويرها مرورا بتنقلاته الاسلوبية بين محطات الفنان شاكر حسن ال سعيد والفنان كريم رسن والتي اصبحت فيما بعد كمحفزات دفعت به لبلوغ مقاصده الحسية والوجدانية لينتج اعمالا فنية ذات رؤية باطنية ونزوع تعبيرية اقرب الى الخيال .
يقترب اسلوب رسم هذه اللوحة الى التعبيرية حيث جمع فيها الفنان القباب والمآذن بألوانها الزرقاء والذهبية الساحرة فضلا عن زخارفها الهندسية والنباتية وأشكالها الجمالية المعقدة وهي تحلق في فضاء اللوحة مازجا اياها بحروف عربية بارزة من الالوان الكثيفة الغامعة كانها منحوتة جدارية بارزة .
حاول الفنان في هذا الاسلوب المبتكر من الرسم ان يوجه القارئ الى كوامن الفنان الخفية وانفعالاته من خلال قيمة الالوان والفضاءات الجمالية فاقترابه من الجمال لا يأتي من فراغ يصنعه اللون او تعلنه المخيلة بل هناك المقاربات الأكثر اهمية في روحية العمل لديه ألا وهي الدلالة التي تغطي السطح التصويري ، فالدلالات الرمزية في هذا التكوين الفني لم ترينا ما هو مضمرفيه بوضوح لكنها تترك أثرا أوليا يراد منه أن يكون بديلا عن تراكمات الغموض في اللوحة سعيا من الفنان لألقاء عبء ترجمة هذا النص الفني وما تخفيه اللوحة بداخلها على عاتق المتلقي بقدر انتمائه الى باطنية العمل ( مدى ثقافته الفنية ) حتى لو ترك في نفس المتلقي شيئا من التساؤل عن ماهية الاشكال التي ينقشها الفنان على السطح التصويري ، فضلا عن الالوان ودلالتها النفسية ، فلكل لون أثره الرمزي او الانطباعي داخل نفس المتلقي فاللوحة تتسم بقوة ضبط الالوان المتسقة والموضوعة بدقة بلا عبث وكأنها خاضعة الى قوانين محددة .
افلح الفنان في هذا السطح التصويري في سوق نظر المتلقي إلى الخفاء والى ما وراء اللوحة وأبعادها الجمالية لكن يبدو انه ابتغى من وراء تلك الممارسة الفنية الجديدة صياغة الرؤى التعبيرية المتكونة نتيجة التراقب الخفي المستمر لبنيته الصوفية ( الفنان ) داخل عمله ، وهذا ما اكسب العمل أهمية وقبول ، فبأستمرار ومعاودة النظر الى اللوحة نعود ونسال ماسبب صياغة الفنان للوحة بهذه الشاكلة ؟ ولنا الحرية بالتأويل في كل مرة نشاهدها على ضوء ماتثيره في انفسنا من خلجات ومشاعر انسانية ، فالفن وعلى مدى تاريخه مثل صور الانسانية بكل تحولاتها كونه نشاط انساني وهو لغة كونية حافلة بالاسرار ولكنه يمثل الصيغة الانسانية المسالمة في حياة البشر لانه وفي كل اشكاله مهذبا بذاته ، وراقيا في محتواه وحتى وان مثل خرقا او تجاوزا فانه النزوع المتجرد عن الاغراض العدائية.
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق