الدكتور :صباح عباس عنوز
المنهج هو الطريق الذي يسلكها الباحث وصولاً إلى غايته، وقد تنوعت مناهج دراسة الصورة الشعرية تبعاً لمصادر المعرفة، فهناك تناول تقليدي يعمل على تتبع الأوجه البلاغية في النصوص عن طريق تركيبها وتصنيفها.
وهناك الدراسة الاسلوبية التي تلح على حضور المكونات البلاغية في السياق التركيبي([1])، ومن ثم مراقبة مستوى الكثافة الشعرية الناتجة عن التحام الشكل بالمضمون.
وهناك من يرى ضرورة التفاعل مع سلسلة الصور التي تنظم العمل الشعري وهو ما تبناه (جاستون باشلار)، ومنهجه ان تتسع الصورة الواحدة في العمل الشعري، أو مجموعة أعمال كما هي الحال عنده في كتابه (جماليات المكان).
وهناك نظرية الأنماط، اي تغليب مبدأ النوع بحسب انتمائه إلى الابعاد الصورية الثلاثة:
الصورة الحسية، والصورة الذهنية، والصورة الرمزية([2]).
أما الذي تبناه البحث هو تتبع الصورة الحسية في المنجز الشعري الحسيني بعد استقراء الدواوين والقصائد التي كتبت عن واقعة الطف في ازمان واماكن مختلفة، وصولا لاثبات مشكل البحث المتمثل بهيمنة الصورة الحسية في هذا المنجز الشعري، الذي اضاف الى الشعر العربي والشعر الانساني لمسة ابداعية واضحة لا يمكن للناقد المنصف ان يتخطاها.
وقبل أن ندخل بناء الصورة الحسية، لابد لي من أن أقف عند مفاهيم لصورٍ تسهم في رفد الإدراك بالتصور ومن هذه الصور الرمزية والذهنية، لكي يكون القاريء على دراية علمية فيما يخص الصورة الحسية، ولنبدأ بالصورة الرمزية.
تحفل الصورة الرمزية بحظ أوفر هي الأخرى في الشعر بسبب كثرة الرموز التي يهرع إليها الشعراء، ولها القدرة على اضاءة ذهن المتلقي عبر فتح فضاءات التأويل والربط بين الأشياء، فربما كانت الصورة الرمزية ذات صلة بالاحساس باعتمادها على الاسطورة أو بالرموز المعجمية، فالصورة الرمزية تمر بمرحلتين: تتمثل الأولى في الادراك المباشر اعتماداً على الوجه البلاغي الموظف ثم الانتقال إلى الادراك الايحائي الذي يفجر الرمز([3])، فربما أصبحت الصورة رمزاً([4])، وبذلك تضع الملزوم بلا تعريض؛ لأن الصورة الشعرية "جوهر فن الشعور وهي التي تحرر الطاقة الشعرية الكامنة([5])".
وبذلك فأن هذه الصور الرمزية أقرب إلى الصورة الحسية، وربما كانت الصورة الحسية في كثير من الاحيان رمزية حسية؛ لأنها تعنى بالحسيّ المشاهَد وتمنح المتلقي تصوراً كبيراً للفكرة، فضلاً عن دورها الصريح بما تؤسسه من حسية في ازاء المشاهد الملونة أو استعمال الاداء البياني المعيّن من دون سواه، فهناك سبب مثلاً في اختيار الاداء التشبيهي لدلالة معينة، أو الاستعارة لدلالة أخرى، وكل ذلك ينضوي تحت الرمز الذي يزود ذهن المتلقي بطاقة حسية لها مضامينها ومدلولاتها، يستنتجها المتلقي ويقف عند أسبابها.
وتتخذ الصورة الرمزية منحى دلالياً؛ لأن الصورة الفنية أداة تعرض المعاني مقترنة بالألفاظ([6])، ويُظهر الاسلوب البياني علاقة مهمة في تغيير الحقل الدلالي، ونلمح ذلك واضحاً عند السيد حيدر الحلي الذي يعتمد الصورة الحسية بكل أنواعها ليرتفع بالمتلقي إلى مستوى المشاهدة إذ يقول([7]):
عثرَ الدهرُ ويرجو أنْ يُقالا *** تربَت كفُّكَ من راجٍ محالا
أيّ عُذرٍ لك في عاصفةٍ *** نسفتَ مَنْ لك قد كانوا الجبالا
بطرادٍ تلْطُم الطف به *** للأُولى منكمْ قضوا فيه قتالا
وطعان يُمطر السُمْر دماً *** فوقها حيثُ دمُ الأشرافِ سالا
سَلْ بِحِجر الحرب ماذا وضعت *** فَثِدِيُّ الحرب قد كُنّ نصالا
هنا أظهرت الصورة المرئية وحدة الصراع المتمثلة في موقف الشاعر من الواقع، فتراجعت ذاكرته لتخترق الأزمان وتقف في يوم الطف عبر الزمن النفسي، فكان الدهر رمزا مثلما كانت الرموز الأخرى (الدم، الحرب، النصال، الاشراف، السمر)، متواجدةً ومن خلال ربط الأسباب بالمسببات أعلن الشاعر عثرة الدهر، فحقق بالمجاز العقلي صورة حسية مركبة؛ لأن الدهر لا يعثر وإنما بسبب ما احتواه من متناقضات، فأبانت القصيدة احتجاج الزمن، واحتجاج الحقيقة، واحتجاج المنطق على فعل المارقين، فأسّهم التجسيم والتشخيص في إظهار الدلالات التي تنصهر تحت هيمنة وحدة الشعور، التي يسيطر عليها وجدان الشاعر، فيطوع كل ما يقفز إلى الذهن ضمن وحدة التداعي اللوني، والمهم هنا ليس الإحساس نفسه، ولا استيعابه السلبي بل ردة الفعل الداخلية عند المنشىء، فتأتي الوثبات النفسية في الصورة الحسية الحسينية متحررة على هيأة صو ر رمزية ناتجة عن علاقة بين الواقع واستيعاب الشاعر، وتكون الصورة هنا طرفاً مهماً للربط بين القوى الادراكية وبين مجرى التداعي، وهذا الأمر ما ميّز الصور الحسية الحسينية. لنتأمل الشاعر المرحوم محمد حسن الطلقاني فهو يقول([8]):
سائل التاريخ عن ملحمة *** علّمت من ينشدون الكبرياءا
وليوثٌ للوغى قد وثبوا *** وببذل الروح كانوا كرماءا
رَخصتْ أنفسهم إذ أنهم *** لم يطيقوا للطواغيت انحناءا
ثأروا لكنهم لم يملكوا *** غير ايمان يدكُّ الحقراءا
فئة مؤمنةٌ قد سجّلت *** للهدى نصراً وللحق علاءا
وثقت من خطوها لما مشت *** تحسب الموت حياة وبقاءا
فالشاعر افتتح قصيدته بالفعل (سائِل) معتمداً التجسيم والتشخيص رغبةً منه في الوصول إلى الجمع بين المعطيات الذهنية والتوظيف الايحائي، فكانت الرموز(التاريخ، ملحمة، ليوث الوغى، الطواغيت، فئة مؤمنة، الهدى، الحق) سدى قامت على اسسه الصورة الحسية هنا، فأصبحت هذه الرموز فوانيس أنارت دلالاتها فحوى النص، ومن ثم قدمت خدمة للدلالة تمثلت بالصورة البصرية، فكانت الصورة الحسية نابعة من اعتقاد الشاعر الخالص بقضية الحسين (عليه السلام)، لذلك جعل صورته متنقلة بين مساءلة التاريخ وبين القوة الايمانية لاصحاب الحسين (عليهم السلام) وثباتهم على الحق، مستعيناً بالتجسيم حيناً لاظهار فكرته وبالصورة المرئية التي تعكس موقفه الوجداني حينا اخر. ويقول الشاعر المرحوم عبد الرزاق الاميري([9]):
تبرعَمتْ لغةٌ حبلى على شفتي **** وصحوةُ الظمأ الرملي أقفارُ
وَقَفْتُ في عتبات الموت أنطقه **** ماذا وألف صدى في الصوت ينهارُ
تضوّعت غاية يمشي بها ألق **** وبينها وارتماء الطرف أغوارُ
أتنتهي في دمي الدنيا مسافرةً **** وخلفها الارق المنحوت أسوارُ
ونتلمس هنا شكل الصورة وجمالها المتدفق عبر انثيالات شاعر رقيق قوّى بتشخيصاته وتجسيماته التي توضح دلالة نصه، بحسب وحدة التمركز اللوني لديه، فأومأ واختزل ببيانه محنةً انسانية كبرى، عبر شد وحدة الشعور اللوني وتطويع التشخيص والتجسيم لخدمة الدلالة. فالصور الحسية كانت خليطا من الحركية والسمعية والشمية والبصرية، وهنا بانت قدرة الشاعر على الافادة من الرموز الحسية لتكوين صوره، فعبر عن حاله وما يعتريه من حزن والم تجاه الواقع.
وتجد الأمر نفسه عند الشاعر الشيخ علي الصغير وهو يشخص ويجسم في آن واحد فيحفل الاسلوب بالانفعالات النفسية، ونجد علاقة بين اسلوب المبدع وبين غايته التعبيرية، وهي اظهار فاجعة كربلاء من خلال رموزها الحسية التي ارتضاها الشاعر لايصال غاية نصه، فما القصيدة الا نتاج خليط من الدلالات، اذ تسهم الكلمة الشعرية في تكاثف العلاقات السياقية مع الاداء البياني من أجل وضوح الدلالة، يقول الشاعر الشيخ علي الصغير:([10])
قدّستُ ذكراك أن يسمو بها الادبُ **** عفواً فما لي إلى نيل السما سببُ
فرحتُ استوهبُ الذكرى، أشعَّتها **** فأشرقت في سمائي هذه الشهبُ
كأنَّ افق خيالي وهي مشرقةٌ **** بحرٌ على لجة الانوار تضطربُ
ترسو عليه سفين الحب ماثلةً **** أمام ميناء قدسٍ افقهُ طَرِبُ
ميناؤها المصطفى الهادي وعترتُه **** سفينةٌ للهدى طوبى لمن ركبوا
فالشاعر اعتمد على الحواس لانها وسائل مهمة في استيعاب المتلقي للفكرة، ولها القدرة على تمييز الافكار والاخذ بذهن المتلقي الى القناعة او عدمها، فكان الشاعر قادرا على تسجيل شعوره بطريقة ابداعية وابلاغية، وقد تنوعت الصور الحسية في نصه، فمن صورة حسية بصرية(فاشرقت...الشهب)، الى اخرى حركية(بحر على لجة الانوار تضطرب)، ومن ثم بصرية(ترسو عليه سفين) و(سفينة)، ثم اخرى حركية (ركبوا)، كل هذه الصور الحسية أسهمت في اعطاء صورة رمزية حسية اشارت الى تعلق الشاعر باهل البيت (عليهم الاسلام)، منطلقا من الرواية الشهيرة التي تؤكد أن ال البيت (عليهم السلام) هم سفينة النجاة، ولنتوقف عند الصور الملونة باللون الابيض والمتحركة، عبر تراسل الحواس، اذ تنازلت المفردات عن معناها اللغوي إلى معنى آخر حتى تساعد أكثر في إعطاء الدلالة والحركة، فيختلط التشخيص والتجسيم اللذان يتوطنان هذه الصورة المتحركة الملونة عند الشاعر عبد الأمير جمال الدين بقوله([11]):
الدهر عبدك والخلود حواري *** فاهنأ بنصرك يا ابا الأحرار
واذا الحسين وصحبه من حوله *** عزم يصم مصارع الاعصار
سبعون بدرا ما رأيت نضيرهم *** إلاّ ببدر من أسود الغار
خرّوا على وجه الثرى فكأنما *** شاهدت فيهم مصرع الاقمار
فالشاعر انتقل من التجسيم والتشخيص إلى صورة حسية ملونة، عبر فيها عن عزم الحسين واله(عليه السلام) وصحبه في مقارعة الظلم، فكانت للصور الحسية (سبعون بدرا) و(اسود الغار) و(خروا على وجه الثرى) دلالات تضمنت معاني العزم والشجاعة والإباء، التي وسمت بها ثورة الحسين (عليه السلام).
و وتظهر دائماً الصورة الحسية بخصوصية صياغة الشاعر واستنباطه للمعنى، وما يعانيه من وجد فيميل مرةً إلى الصورة الحسية اللونية ليقنع المشاهد، تأمل قول الشاعر عبد الحسن زلزلة الذي يمزج بين الحركة واللون في صورته الحسينية([12]):
هذي دماك على فمي تتكلمُ *** ماذا يقول الشعرُ إن نطق الدمُ
هتفتْ وللاصفاد في اليد رنّة *** والسوطُ في ظهر الضعيف يُحَكّمُ
فالشاعر اعطى دلالة نصه حين اعتمد التشخيص(دماك تتكلم)، ومن ثم الصورة الحسية الصوتية دلت عليها (رنة)، ومن ثم الصورة اللمسية (والسوط في ظهر الضعيف يُحَكّمُ)، وبذلك حقق وحدة دلالية لنصه، اذ لا صمت أمام الظلم، وتجلت بذلك وحدة الصراع أي الموقف من الوجود، فقد اثبت الشاعر حقيقة ثورة الحسين(عليه السلام) وهي تقارع واقعاً فاسدا عبر الكثافة الشعرية في نصه.
ونجد الشاعر عبد نور داوود يعتمد الصور الحسية بأعلى طاقاتها وهو يقرب المشهد الصوري من المتلقي([13]):
أو انت؟!! حاشا يا حسينك تخذل **** هم يا عراق، دعوهُ ثم تكربلوا
أقبلْ إلينا يا بن بنت نبينا **** واذا السيوف هي التي تستقبلُ
أقبلْ إلينا حان وقت حصادنا **** وإذا همو بيد الدراهم منـجلُ
لقد كان الشاعر ميالا الى جعل الصورة الحسية قائمة بوظيفة اجتماعية، فقد عرّت صوره اولائك الذين خذلوا الحسين (عليه السلام)، وباعوا دينهم بدنياهم، فالشاعر عبر عن ذلك بقوله(اقبل الينا...واذا السيوف هي التي تستقبل)، فالصور حسية حركية أفضت الى ان هؤلاء اصبحوا عبيدا للدرهم، ثم يعود الشاعر ليؤكد ان الحسين لم يقتل وإنما هو الذي قتلهم فيقول:
قتلو الحسين...فحزهم بدمائه *** وبقيت في دمه ودمعه تُقْتَلُ
ورموا القميص مبللا بدمائه *** واذا به بدم العـراق مبلل
فقد توحد الشاعر مع القضية ومع العراق، وانتهى الى ان الدماء التي ضرج بها الامام الحسين (عليه السلام)، انما ضرج بها العراق باكمله، فكانت الصور الحسية خير معبر بدلالاتها عن نقل واقع حوّله الشاعر خياليا فجعله شيئا من وحدة الوجود، اذ بان موقف الشاعر الرافض لذلك الواقع الذي اتصف بالرياء، فلذلك لون الشاعر بصوره الحسية العراق باللون الاحمر، لانه كان المكان الذي جمع بين وقفة الخير والصلاح المتمثّلة بالحسين واله وصحبه (عليهم السلام)، وبين لمة الكفر اعوان الطاغية، وبذلك حقق الشاعر نموا فكريا لصور اضاءت مضمون نصه.
وتمثل وحدة الصراع عند الشعراء الحسينين موضوعا مهما لانهم ينفذون من خلالها الى محاكمة الواقع في زمانه ومكانه فرفضوه لانهم وجدوا فيه استفحال الباطل، وقلة اهل الحق، يقول الشاعر صادق القاموسي([14]):
ابا الضحايا يا رسولا حوى *** شتى الرسالات فوفى الاداء
ما هالني انك خضت الوغى *** للدين تفديه بأسمى فداء
وانما عانيته من بلاء *** ضاق به الصبر وضج القضاء
يامالكا بالدم عرش الاباء *** وظامنا بالموت طول البقـاء
ان المفارقة التي يجمع عليها الشعراء في استشهاد الحسين (عليه السلام) تتمثل في ثنائية الموت والحياة، فقد استمر ذكر الحسين عليه السلام ودبت اليه الحياة ليبقى شامخا بعد الموت، فكأنما الموت هنا يعلن بدء الحياة، فقد بانت وحدة الصراع هنامن خلال رؤية الشاعر التي رأى فيها الحسين (عليه السلام) جامعا لكل الرسالات، لانه داعية الى الله سبحانه، وبصورة حسية يبين الشاعر حال الزمان والمكان انذاك، فكان الواقع قاتما لضياع الحق فيه، لذلك تأوه الشاعرمن جراء ماعاناه الامام الحسين (عليه السلام) واله وصحبه (رضوان الله عليهم)، فكانت الصور الحسية هي المعبرة بدلالاتها التي ختمها بالحسية اللونية، فكان اللون الاحمر مهيمنا، شأن الشاعر في ذلك شأن الشعراء الحسينيين، اذ يعولون كثيرا على هذا اللون. اما الصورة الذهنية فهي أكثر ما تكون تجريبية تعتمد على ايحاءاتها المعنوية والتصويرية أكثر مما تعتمد على وخز الاحساس مباشرة، ونقل السامع إلى صور محسوسة، فالصورة الذهنية تعول في موقف الحقيقة على " تصور ذهني معين لدلالته وقيمته الشعورية([15])" وربما تضعف الصورة إذا كانت " برهانية عقلية؛ لأن الاحتجاج أقرب إلى التجريد من التصوير الحسي الذي هو من طبيعة البشر([16]) ".
ولما كانت الصور الشعرية بشكل عام وبحسب الادوات التوصيلية هي صور ذهنية إذ تترتب دلالتها بالبلاغة والانزياح([17])، الذي له الأثر في تكوين الصور حسية كانت أم عقلية، فالصورة الذهنية تتواشج مع الصورة الحسية في نقاط مختلفة، إذ إن الصورة الذهنية هي التي تنشأ بسبب تغير دلالاتها والانزياحات التي تحدث داخل الصور المركزية التي هي "المقاطع المستقلة الدالة على وحدة معنوية بغض النظر عن عدد الصور البلاغية والرمزية الموجودة فيها([18]) ".
فالصورة الذهنية وسيلة فنية تختص بتصوير الاشياء خيالاً، انطلاقاً من قصدية المعنى القائم على الباعث لتكوين هذا النوع من الصور ومما يلفت النظر ان الصورة الذهنية الحسية تميّزت بمخالطة للصورة الحسية فاتشحت بجلبابها، وتمثلت بما هيتها وهنا المفارقة وكأن الصورة الحسية الحسينية ذهنية والأخيرة حسية تأمل قور الشاعر حيدر الحلي([19]):
إنْ لم أقفْ حيث جيش الموت يزدحم **** فلا مَشَتْ بي في طرقِ العُلا قدمُ
لأحلبنَ ثديّ الحربِ وهي قنا **** لبانُها من صدور الشوس وهو دم
جفّت عزائم فهر أم تُرى تردت **** منها الحميّة أم قدماتت الشيم
إذن لكلِّ نوع من هذه الصور غاياته وضروفه التي تحتم على المنشئ اختيارها، فثمة علاقة بين نوع الصورة والانفعال النفسي، وتظهر تلك العلاقة في بناء الصورة؛ لأن "الصورة إعادة انتاج عقلية لذكرى تجربة عاطفية أو ادراكية([20])".
فعملية ترابط النص بحسب اداء يعنيه الشاعر يظهر "شكل العمل وجماله متدفقاً عن عاطفة كشفتها الحركات واستندت على عنصري التشخيص والتجسيم، إذ يدفع ذلك العقل إلى التحكم بالتداعي أو التمركز اللوني([21])"، ومن هنا تأتي الصورة الحسية نتاجا للتعبير "عن العوالم الشعورية المجردة بطريقة تجعله يستثمر مدركات العالم واشياءه الحسية للقيام بمهمة الاداء([22])".
فضلاً عن ذلك فأن العلاقة وطيدة بين الصورة الحسية والانفعال وتكون لها القوة والتأثير في المتلقي، فهي تؤكد وتدل على الغاية، لأنها تعتمد الحواس ولهذا كان امرا "محمودا ً أن يمثل الصورة ـ حسياً ـ فكرة أو عاطفة([23])"، فكانت الصورة الذهنية متعانقة مع الصورة الحسية وسيأتي المبحث الثاني لنتناول التطبيق الاجرائي الذي يبين ذلك.
([1]) ظ: البنيات الدالة في شعر امل دنقل /61.
([2]) ظ: المصدر نفسه.
([3]) ظ: البنيات الدالة في شعر امل دنقل /123.
([4]) ظ: نظرية الادب، ربينه ديلك، اوستن وارين، ترجمة محي الدين صبحي (م.س) /197.
([5]) نظرية البنائية في النقد الادبي، د.صلاح فضل /356.
([6]) ظ نظرية النقد العربي رؤية قرانية معاصرة د. محمد حسين علي الصغير/ 10.
([7]) من لا يحضره الخطيب / 154-157.
([8]) ظ ترجمة السيد محمد حسن الطالقاني، بقلمه مستلة من كتابه شعراء رثوا امهاتهم ومستدرك شعراء الغري 2001م، 1422هـ / 10-11.
([9]) الصورة الفنية معيارا نقديا/406.
([10]) الرابطة الادبية، العدد3:59.
([11]) مهرجان الطف الشعري الثاني: 38.
([12]) القصائد الخالدات في حب أهل البيت.:116
([13]) مستدرك شعراء الغري:165
([14]) ديوان صادق القاموسي:100
([15]) الشعر العربي المعاصر، عز الدين اسماعيل /132.
([16]) النقد الادبي الحديث /442.
([17]) ظ:البنيات الدالة في شعر امل دنقل /107.
([18]) المصدر نفسه /136.
([19]) من لايحضره الخطيب، 158.
([20]) الأسس النفسية للابداع الفني (في الشعر خاصة)، د.مصطفى سويف /294.
([21]) النص الادبي من التكوين الشعري إلى انماط الصورة البيانية، د.صباح عباس عنوز /77.
([22]) البنيات الدالة في شعر امل دنقل /92.
([23]) ظ: النقد الادبي الحديث، محمد غنيمي هلال /451.
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق