ان هناك امور عظيمة غيبية لا يدركها الا العظيم المطلق خالق العظمة ، وامور العقل والفكر قاصر عن كنهها فلا يدرك كنهها وحقيقتها الا الاعظم من العقل والفكر وهو خالق العقل والفكر ومن هذه الامور العظيمة امر الامامة الالهية فحقيقة الامامة لا يعلمها الا الذي اوجدها وجعلها وأوجب التمسك بها ونص عليها في كتابه العزيز وامر نبيه صلى الله عليه واله - في غير مورد وغير حادثة - في تبليغها ودعوة المسلمين الى الالتزام بها -وقد دون تلك الموارد الدالة عليها وصححها اكثر علماء الاسلام على اختلاف مذاهبهم - وذلك لان الاسلام لا يستقيم الا بها فالإسلام ذلك الدين العظيم خاتم الاديان واكمل الشرائع الذي جاء به سيد الانبياء والمرسلين عليهم الصلاة وعلى نبينا واله الصلاة واتم التسليم والذي لا يقبل ممن ابتغى دين سواه وعداه وهذا الدين الذي بشر به انبياء الله السابقين والذي بلغ المصطفى صلى الله عليه واله فيه ما بلغ من رسالات ربه واحكام دينه وجهد فيه ما جهد لا يستقيم امره الا بها والاسلام وشريعة السماء تنثلم بعدمها فيقال له صلى الله عليه واله قولا خطيرا ..( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ..)!! ..فأي عظمة لهذه الامامة وهذه الولاية ؟!! حقيقة لا يصل الى كنهها الا الله تعالى لان بعدم تبليغها لم تبلغ رسالات السماء فبقاء الاسلام بالثقلين والهداية بالتمسك بهما .
وان الاعياد هي ايام يفرح بها المسلمون بان وفقهم الله تعالى لإداء فريضة معينة يشكرونه فيها ويوم الغدير اعظم الاعياد حرمة واكثرها ثواب وابتهاج وفرح وسرور؛ لان العبادة التي وفق لها من وفق اعظم، نعم انه اليوم الذي تثبت فيه شعاع نور الامامة وان كان بزوغه مع اول بزوغ للإسلام وهو اليوم الذي تمم الله فيه النعمة وكمل به الدين ورضي به الاسلام ولولاه لما بلغت رسالات الرب فلولا ان منّ الله علينا باهل البيت عليهم السلام لما بقي للفطر والاضحى المباركين اثر فبلا شك انه الاعظم عقلا ويغنينا عنه النقل فحديث الغدير لم يروى في الاسلام مثله وفي ذيله حديث التهنئة الذي يدل على انه يوم فرح وعيد وقد قال العلامة الاميني في غديره " وخصوص حديث تهنئة الشيخين رواه من أئمة الحديث والتفسير والتأريخ من رجال السنة كثير لا يستهان بعدتهم بين راو مرسلا له إرسال المسلم، وبين راو إياه بمسانيد صحاح برجال ثقات تنتهي إلى غير واحد من الصحابة كابن عباس وأبي هريرة والبراء بن عازب وزيد بن أرقم... " وذكرالعلامة الاميني ما يزيد على الستين.
منها ...أخرج الإمام الطبري محمد بن جرير في كتاب (الولاية) حديثا عن يوم الغدير بإسناده عن زيد ابن أرقم .. في آخره فقال: معاشر الناس ؟ قولوا: أعطيناك على ذلك عهدا عن أنفسنا وميثاقا بألسنتنا وصفقة بأيدينا نؤديه إلى أولادنا و أهالينا لا نبغي بذلك بدلا وأنت شهيد علينا وكفى بالله شهيدا، قولوا ما قلت لكم، وسلموا على علي بإمرة المؤمنين، وقولوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، فإن الله يعلم كل صوت وخائنة كل نفس فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما، قولوا ما يرضي الله عنكم فإن تكفروا فإن الله غني عنكم .قال زيد بن أرقم: فعند ذلك بادر الناس بقولهم: نعم سمعنا وأطعنا على أمر الله و رسوله بقلوبنا، وكان أول من صافق النبي صلى الله عليه وآله وعليا: أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وباقي المهاجرين والأنصار وباقي الناس إلى أن صلى الظهرين في وقت واحد وامتد ذلك إلى أن صلى العشائين في وقت واحد وأوصلوا البيعة والمصافقة ثلثا .
تسمية يوم الغدير بالعيد اشترك بها المسلمون :
يقول العلامة الاميني في غديره "..إنه ليس صلة هذا العيد بالشيعة فحسب، وإن كانت لهم به علاقة خاصة، وإنما اشترك معهم في التعيد به غيرهم من فرق المسلمين فقد عده البيروني في الآثار الباقية في القرون الخالية ص 334 مما استعمله أهل الاسلام من الأعياد، وفي مطالب السئول لابن طلحة الشافعي ص 53: يوم غدير خم ذكره (أمير المؤمنين) في شعره وصار ذلك اليوم عيدا وموسما لكونه كان وقتا نصه رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه المنزلة العلية، وشرفه بها دون الناس كلهم وتقرانا كتب التاريخ دروسا من هذا العيد، وتسالم الأمة الإسلامية عليه في الشرق والغرب، واعتناء المصريين والمغاربة والعراقيين بشأنه في القرون المتقادمة وكونه عندهم يوما مشهودا للصلاة والدعاء والخطبة وإنشاد الشعر على ما فصل في المعاجم .ويظهر من غير مورد من الوفيات لابن خلكان التسالم على تسمية هذا اليوم عيدا ففي ترجمة المستعلى ابن المستنصر ج1 ص 60: فبويع في يوم عيد غدير خم وهو الثامن عشر من ذي الحجة سنة 487 ..."
اول من اتخذ الغدير عيدا المصطفى صلى الله عليه واله:
واول من اتخذ الغدير عيدا في الاسلام الرسول المصفى صلى الله عليه واله .. فروي عن فرات بن إبراهيم الكوفي في القرن الثالث عن محمد بن ظهير عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الإمام الصادق عن أبيه عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره بنصب أخي علي بن أبي طالب علما لأمتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتم على أمتي فيه النعمة، ورضي لهم الاسلام دينا . يعرب عنه قوله صلى الله عليه وآله في حديث أخرجه الحافظ أبو سعيد الخركوشي النيسابوري المتوفى 407 ، رواه في تأليفه (شرف المصطفى) بإسناده عن البراء بن عازب بلفظ أحمد بن حنبل، وبإسناد آخر عن أبي سعيد الخدري ولفظه: ثم قال النبي صلى الله عليه (وآله)وسلم هنئوني هنئوني إن الله تعالى خصني بالنبوة وخص أهل بيتي بالإمامة فلقي عمر بن الخطاب أمير المؤمنين فقال: طوبى لك يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة .
اهل البيت (عليهم السلام ) يعظمون يوم الغدير:
ثم ان ائمة اهل البيت عليهم السلام قد اقتفوا اثر الرسول المصطفى صلى الله عليه واله وقد اهتموا به ايما اهتمام وتنبئ بذلك الاحاديث المستفيضة الواردة عنهم فيه يقول العلامة الاميني "وعرفه أئمة العترة الطاهرة صلوات الله عليهم فسموه عيدا وأمروا بذلك عامة المسلمين ونشروا فضل اليوم ومثوبة من عمل البر فيه "
والروايات كما قلنا كثيرة نورد منهل القليل ..في الكافي لثقة الاسلام الكليني(ج 1 ص 303 )عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: جعلت فداك للمسلمين عيد غير العيدين ؟ قال: نعم يا حسن ؟ أعظمهما وأشرفهما، قلت: وأي يوم هو ؟ قال: يوم نصب أمير المؤمنين عليه السلام علما للناس، قلت: جعلت فداك و ما ينبغي لنا أن نصنع فيه ؟ قال: تصوم يا حسن ؟ وتكثر الصلاة على محمد وآله، وتبرأ إلى الله ممن ظلمهم، فإن الأنبياء صلوات الله عليهم كانت تأمر الأوصياء اليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يتخذ عيدا قال: قلت: فما لمن صامه ؟ قال صيام ستين شهرا.
وفيه أيضا ج1 ص 204 عن سهل بن زياد عن عبد الرحمن بن سالم عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر ؟ قال: نعم أعظمها حرمة، قلت: وأي عيد هو جعلت فداك ؟ قال: اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه .قلت: وأي يوم هو ؟ قال: وما تصنع باليوم إن السنة تدور ولكنه يوم ثمانية عشر من ذي الحجة، فقلت: ما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم ؟ قال: تذكرون الله عز ذكره فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمد وآل محمد فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى أمير المؤمنين عليه السلام أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا، وكذلك كانت الأنبياء تفعل كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتخذونه عيدا .
وفي (المصباح) لشيخ الطايفة الطوسي ص 513 عن داود الرقي عن أبي هارون عمار بن حريز العبدي قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة فوجدته صائما، فقال لي: هذا يوم عظيم عظم الله حرمته على المؤمنين و أكمل لهم فيه الدين، وتمم عليهم النعمة، وجدد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق فقيل له: ما ثواب صوم هذا اليوم ؟ قال: إنه يوم عيد وفرح وسرور ويوم صوم شكرا لله، وإن صومه يعدل ستين شهرا من أشهر الحرم .
وعن أبي الحسن الليثي عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال لمن حضره من مواليه وشيعته: أتعرفون يوما شيد الله به الاسلام، وأظهر به منار الدين، وجعله عيدا لنا ولموالينا وشيعتنا ؟ فقالوا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، أيوم الفطر هو ؟ يا سيدنا ؟ قال: لا .قالوا: أفيوم الأضحى هو ؟ قال: لا، وهذان يومان جليلان شريفان ويوم منار الدين أشرف منهما، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة وأن رسول الله صلى الله عليه وآله لما انصرف من حجة الوداع و صار بغدير خم . الحديث .
اهتمام الشيعة فيه :
واهتمام الشيعة به ظاهر فهذه مصادرهم الحديثية زاخرة بالنصوص الحاثة عليه واوردنا القيل منها وكتبهم العبادية مشحونة بفضل وعظمة هذا اليوم ففي مفاتيح الجنان للشيخ القمي عليه الرحمة " يوم عيد الغدير وهو عيد الله الاكبر وعيد آل محمّد (عليهم السلام)، وهو أعظم الاعياد ما بعث الله تعالى نبيّاً الّا وهو يعيد هذا اليوم ويحفظ حُرمته، واسم هذا اليوم في السّماء يوم العهد المعهود، واسمه في الارض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود، ... وفي حديث أبي نصر البزنطي عن الرّضا صلوات الله وسلامُه عليه انّه قال : يا ابن أبي نصر أينما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين (عليه السلام)فانّ الله تبارك وتعالى يغفر لكلّ مؤمن ومؤمنة ومسلم ومُسلمة ذنوبُ ستّين سنة، ويعتق من النّار ضعف ما اعتق في شهر رمضان وليلة القدر وليلة الفطر، والدرهم فيه بألف درهم لاخوانك العارفين، وأفضل على اخوانك في هذا اليوم وسُرّ فيه كلّ مؤمن ومؤمنة، والله لو عرف النّاس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كلّ يوم عشر مرّات، واخلاصة انّ تعظيم هذا اليوم الشّريف لازم ... الى ان قال : والخلاصة : انّ فضل هذا اليوم الشريف اكثر من أن يذكر، وهو يوم قبول أعمال الشّيعة، ويوم كشف غمُومهم، وهو اليوم الذي انتصر فيه موسى على السّحرة، وجعل الله تعالى النّار فيه على ابراهيم الخليل برداً وسلاماً، ونصب فيه موسى (عليه السلام) وصيّه يوشع بن نون، وجعل فيه عيسى (عليه السلام) شمعون الصّفا وَصيّاً له، واشهد فيهِ سليمان (عليه السلام) قومه على استخلاف آصف بن برخيا، وآخى فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين أصحابه،.."
ولاهتمامهم وتعظيمهم فائدة لهم واخرى لغيرهم حيث انها مدعاة لحفظ هذه الحادثة ومثار لتساؤل الاجيال لماذا هذا الفرح والزينة ؟؟ ليكن العالم على بينة من هذا الحدث الجلل الذي لو اردا طالب الحق الوصول اليها لما احتاج الى كثير من التأمل في هذا الحدث المبارك .
الكاتب: امير العامري
اترك تعليق