ان اتقان العمل أمر مهم جدا فالناس عندما تراه لا تسألك كم من الوقت استغرقت في عمله ولكن ينظرون الى جماله وإتقانه وإحكامه , فليبقى عملك متقن خالص من صميم قلبك فان فيه فلاحك ونجاحك وغالباً فيه نجاتك .
أن الاسلام حث الناس على اتقان العمل ودعا لتحسينه بالجودة والإحكام, وجعل لمن يحسن العمل أطيب الجزاء.
فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه.
وروي انه صلى الله عليه وآله وسلم: نزل حتى لحد سعد بن معاذ وسوى اللبن عليه، وجعل يقول: ناولني حجراً، ناولني تراباً رطباً، يسد به ما بين اللبن، فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوى قبره قال: "إني لأعلم أنه سيبلى ويصل إليه البلاء، ولكن الله يحب عبداً إذا عمل عملاً أحكمه".
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله رأى النبي صلى الله عليه وآله في قبره خللاً فسواه بيده، ثم قال: إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه".
فكل واحد منا له عمله الخاص به ويختلف باختلاف الاشخاص فقد يكون نوع هذ العمل هو مهنة امتهنها كالطب او العمران أو النجارة أو الحدادة وما شابه ذلك, ولكل واحد منا أيضاً اسلوبان في التعامل مع الغير فمنا من يتعامل بإنسانية ومنا من يتعامل بازدواجية فتجد من هؤلاء الطبيب مثلا فانه يعالج من يمت له بصلة كالقرابة بمنتهى الدقة والمهنية اما من عداهم فيتوانى ولا يتوخى تلك الأمور التي راعى فيها الاقرباء كأن يصف له دواء لا يؤدي الغرض المطلوب أو يرى ان حالة المريض تتطلب اجراء بعض التحاليل المختبرية فلا يرشد المريض الى ذلك؛ ليأمل عودته اليه لا شفائه.
أو كالبناء الذي ان بنى دارا لنفسه اتقن بناءه الى الحد الذي لا يترك مجالا لاختراق قطرة ماء من سقف ذلك الدار, اما لو استأجر لبناء دار لغيره فتراه يعمل كيفما اتفق ولا يوليه تلك العناية التي اعتنى بها عندما كان الدار يعود اليه .
أو كالنجار الذي يصنع كرسيا لنفسه فيتقن قياساته ويضبط توازنه ويكثر من مساميره بخلاف ما لو اتى اليه شخص ليصنع له كرسيا مقابل مبلغ من المال تراه يلفق في عمله فيرقع حتى الخشب ويقلل من المسامير ولا يراعي فيه القياسات وأمور أخرى ينبغي عليه مراعاتها كما فعل ذلك لنفسه.
وكذا الحداد تراه ان صنع بابا لنفسه فانه يختار له حديدا ذو متانة جيدة ويحكم تركيبه وغلقه وما ان تصل النوبة الى غيره تراه يأتي بحديد بالي مغطى بطبقة من الصدأ فضلا عن المعاناة في فتحه وغلقه .
فهؤلاء وأمثالهم تكون عاقبتهم كعاقبة وزراء الملك:
حكي ان ملكا استدعى وزرائه الثلاثة وطلب منهم أمر غريب!
طلب من كل وزير أن يأخذ كيس ويذهب إلى بستان القصر! وأن يملئ هذا الكيس للملك من مختلف طيبات الثمار والزروع! كما طلب منهم أن لا يستعينوا بأحد في هذه المهمة و أن لا يسندوها إلى أحد أخر!
أستغرب الوزراء من طلب الملك و أخذ كل واحد منهم كيسة وأنطلق إلى البستان!
فأما الوزير الأول: فقد حرص على أن يرضي الملك (لنقل انه تعامل بإنسانية) فجمع من كل الثمرات من أفضل وأجود المحصول وكان يتخير الطيب والجيد من الثمار حتى ملئ الكيس!
أما الوزير الثاني: فقد كان مقتنع بأن الملك لا يريد الثمار ولا يحتاجها لنفسة وأنه لن يتفحص الثمار(ولنقل ان تعامل بازدواجية) فقام بجمع الثمار بكسل واهمال فلم يتحرى الطيب من الفاسد!
حتى ملئ الكيس بالثمار كيف ما اتفق.
أما الوزير الثالث: فلم يعتقد أن الملك يسوف يهتم بمحتوى الكيس اصلا فملئ الكيس بالحشائش والأعشاب وأوراق الأشجار.
وفي اليوم التالي أمر الملك أن يؤتى بالوزراء الثلاثة مع الأكياس التي جمعوها فلما أجتمع الوزراء بالملك أمر الملك الجنود بأن يأخذوا الوزراء الثلاثة ويسجنوهم على حدة كل واحد منهم مع الكيس الذي معه لمدة ثلاثة أشهر في سجن بعيد لا يصل أليهم أحد, وأن يمنع عنهم الأكل والشراب .
فأما الوزير الأول: فضل يأكل من طيبات الثمار التي جمعها حتى أنقضت الأشهر الثلاثة!
وأما الوزير الثاني: فقد عاش الشهور الثلاثة في ضيق وقلة حيلة معتمدا على ما صلح فقط من الثمار التي جمعها!
أما الوزير الثالث: فقد مات جوع قبل أن ينقضي الشهر الأول.
فمن أي نوع نحن ؟
فهل نحن ممن يعمل بإنسانية على حد سواء لنفسه ولغيره؟ اذن فننجو كما نجا ذاك الوزير الذي التقط من طيبات الثمار وبعبارة اخرى : ذاك الوزير اتقن العمل الذي كلف به وكأنه عمل لنفسه فكان ذلك سبب نجاته.
أو نحن ممن يتعامل بازدواجية فنتقن العمل ان كان لنا وكيفما اتفق لغيرنا؟ ان كنا كذلك فنهلك كما هلك الوزير الثالث فلو علم انه سيسجن وان ما اوكل اليه من عمل فيه نجاته لفعل كما فعل الاول.
فان كنت طبيبا أو محاميا أو نجارا أو مهندسا أو ... الخ , فاسأل نفسك:
من أي نوع انت؟
الكاتب: السيد مهدي الجابري
اترك تعليق