قال تبارك وتعالى في محكم كتابه العزيز (وبشّر الصابريـــــــن) فالصبر هو تحمّل الإنسان لأمر مُحزن ومضر به يستدعي منه الجزع ، ومقاومة الانسان لمعصية تغريه بلذتها ، و تحمله لطاعة يرى مشقتها فقد ورد في البحار عن النبي الاكرم صلى الله عليه واله انه قال ( إن النصر مع الصبر ، والفرج مع الكرب ، وإن مع العسر يسرا ) فان الله تعالى امر الانسان بالصبر وامر نبيه صلى الله عليه واله ان يبشر الصابرين فيعتبر الصبر من اعظم أركان الايمان ودليل قوة العقل فالحياة تتطلب من الانسان الصبر ومن افتقد الصبر سقط في الهاوية واصابته المهلكة فقال تعالى مخاطبا نبيه الاكرم صلى الله عليه واله (فاصبر وما صبرك إلّا بالله) فالصبر بالله سفينة فوق أمواج بحار الفتن والمحن وهو قمر هدى في سماء الايمان والتقى فقد جاء في كنز العمال عن النبي صلى الله عليه واله انه قال( من يتصبّر يصبّره الله ،.... ، وما اُعطي عبد عطاء خير وأوسع من الصبر).
وفلسفة الصبر تكمن في ثلاثة انواع متباينة فأما الأول فهو الصبر على المصيبة وأما الثاني فهو الصبر على طاعة من طاعات الله وأما الثالث فهو الصبر على معصية من معاصي الله تعالى ، فاما فيما يتعلق بالصبر على المصيبة فقد قال تعالى (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (*) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)البقرة 156، وقد جاء في الكافي في الجزء الثاني عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام انه قال ( من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد ) ، وعن الامام محمد الباقر عليه السلام انه قال : ( الجنة محفوفة بالمكاره والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة ) ، فهذه الحالة من الصبر في فلسفتها تستدعي من الانسان ان يتحلى بالتوازن وعدم اظهار الجزع والتلحي بالتحمل لما حدث من أمر محزن .
وأما فيما يتعلق بالصبر على طاعة من طاعات الله فقد قال تعالى {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} وقد ورد في ارشاد القلوب للدليمي عن الامام امير المؤمنين عليه السلام انه قال ( إنا وجدنا الصبر على طاعة الله أيسر من الصبر على عذابه) فالأعمال العبادية كالصيام والصلاة جميعها تستلزم من الانسان الصبر عليها فمن ضجر منها ولم يصبر عليها وعلى ما تصاحبه احيانا من المشقة ضاعت منه وكان بذلك من الخاسرين.
وما فيما يتعلق بالصبر على المعصية فقال تعالى {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} وعن الامام امير المؤمنين عليه السلام في غرر الحكم ( بالصبر ترك الرغائب ) فالإنسان حينما صبر على ترك المعصية يكون من الصابرين المبشرين بالفوز لأنه زكى نفسه عن الخطايا والمعاصي وقد أفلح من زكاها واما من لم يصبر فيسقط في هاوية المعاصي والخطايا والانحراف ويضر نفسه بذلك ومجتمعه فقد جاء في تحف العقول عن الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام انه قال ( اصبر على طاعة الله واصبر عن معاصي الله فإنما الدنيا ساعة ).
وحقيق بالذكر ان هنالك ثلاث علامات للإنسان الصابر فأما الأولى فهي عدم الكسل واما الثانية فهي عدم الضجر واما الثالثة فهي عدم شكوى الله تبارك وتعالى ، وفلسفة تلك العلامات تكمن في ان الانسان اذا ما كسل فيضيّع الحق واما اذا ضجر الانسان فانه لم يؤدِّ الشكر وانه اذا ما شكا ربه فقد عصا الله تعالى ، ويبين تلك الفلسفة الدقيقة لهذه العلامات الثلاث النبي الاكرم صلى الله عليه واله فيما روي عنه في البحار انه قال ( علامة الصابر في ثلاث : أوّلها أن لا يكســـل ، والثانية أن لا يضجر الانسان ، والثالثة أن لا يشكو من ربّه عز وجل ، لأنه اذا كسل فقد ضيع الحق ، واذا ضجر لم يؤدّ الشكر ، واذا شكا من ربه عز وجل فقد عصاه) ، فالصبر من اهم صفات الايمان وهو دليل لكل خير وهو المرشد للحلول السليمة في جميع المشكلات فالكثير من المشكلات تحصل لدى الانسان يرجع سببها الرئيس الى عدم الصبر والتسرع في اتخاذ القرارات الخاطئة فتعقد لديه منظومة الحلول ولا يتمكن من معرفة سبيل النجاة مما حلّ فيه لتركه الصبر ، ولذا ينصح اهل البيت عليهم السلام بالصبر والتحلي بالتوازن في العقل و الايمان فإن الصبر بوتقة الايمان وسنام الخير في معترك الحياة.
فالصبر منهاجا تربويا واخلاقيا وإيمانيا يكلل من سار على نهجه بالظفر والفلاح ويمنحه القوة والتفائل مع كل اشراقة صباح ، فيتحول الى منظومة من الأمل وقوة الشخصية المتزنة وصلابة الموقف تجاه الخير ، ويعطي للإنسان زخما معنويا من التحدي في الحياة ومواصلة طريق الخير قدما نحو الخير وهو بوصلة تبين لصاحبها اتجاه طريق الصواب .
الكاتب : مهند ال حسين
اترك تعليق