لقد اصبح العالم في هذا اليوم يركض وراء الماديات والكماليات دون ان يلتفت الى اين يسير فسار البعض يبحث عن المظاهر الزائلة والاخر يبحث عن توافه الحياة ولذاتها مما سبب في نسيان الاهم وهذه الاهتمامات التافهة سببت اضطرابات في المجتمعات الحضارية جعلتها تتراجع الى الوراء دون ان تتقدم .
ولذا على كل فردا ان يفكر بصورة جيدة وينظر الى الاشخاص الذين كانوا يبدون اهتماماتهم الزائدة بتوافه الحياة المادية وغيرها كيف تركتهم قهرا، هؤلاء الذين اهتموا بحطام الدنيا كثيرا ماذا قدموا لأنفسهم وماذا قدموا للآخرين وماذا اخذوا معهم؟!، كل هذه الاسئلة ينبغي على الفرد ان يتمعن بها ويتخذ منها درسا له لكي لا يفشل في كلا الدارين وهو يعلم ان الدنيا لا تدوم كما قال احد الشعراء.
كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وإنْ طالَتْ سَلامَتُهُ يَوْماً على آلَةٍ حَدْباءَ مَحْمولُ
فالدنيا هي عبارة عن جسر يمر من خلاله الانسان ولو قسناها بالمراحل التي منذ ان خلق الله تعالى الانسان الى مماته ومرورا بعالم البرزخ ومن ثم الى عالم الاخرة لوجدنا ان الدنيا لا قيمة لها ابدا في مقابل هذه المراحل التي مر بها الانسان، فلماذا يصرف الانسان كل طاقاته وهو على علم انه سيتركها شاء ام ابى لا ينسى الانسان انه في سفر ويوما ما سيغادر هذه الدنيا عاجلا ام اجلا ومن الطبيعي ان لكل مسافر عدة خاصة بهِ تنفعه في سفره وفي هذه العدة لا بد ان تحتوي على الاشياء الضرورية جدا وان لا تحتوي على الاشياء التافه لان السفر متعب جدا، وكما ان الذي يريد ان ينتقل من منزل الى اخر فيحتاج الى نقل الضروريات الى منزله الجديد والتخلص من الاشياء التافهة بالنسبة اليه وهذا حال كل من يريد ان ينتقل من منزل الى منزل اخر او من بلدا الى بلدا اخر الا يحتاج الفرد الذي يريد ان ينتقل من عالم الى عالم اخر ان يتخلص من توافه الحياة والاهتمام بالأشياء المهمة وترك التفاهات والملذات، الا يحتاج الى رسم خارطة لمستقبله لان الشخص الذي يسير في طريق ما بسرعة عالية جدا وفي ذلك الطريق توجد منعطفات قوية جدا هذا الفرد حتما سيصطدم ويقع على عكس الشخص الذي يعرف المنعطفات ويضع خارطة صحيحة لمسيرته.
فاذا عرفنا اننا تاركون الدنيا وما فيها فلماذا كل هذا الاصرار والعناء لملذاتها ، فقد يجمع الانسان طوال حياته في تلك الاموال الا انه لا يأخذ منها شيئا الا بمقدار الكفن الذي يلف به وقد يبني القصور ولا يسكنها كما قال امير المؤمنين عليه السلام: "و من العناء أن المرء يجمع ما لا يأكل و يبني ما لا يسكن ثمّ يخرج إلى اللّه تعالى لا مالا حمل ولا بناء نقل" بعد هذا ينبغي على الفرد ان يتفكر بأموره.
لقد مرت بنا الايام وهي تأخذنا يمينا وشمالا وتنسينا مصيرنا المحتوم والموت المعلوم اليست الدنيا مزرعةً للآخرة ؟! فالفرد الذي يجد الدنيا اكبر همه عليه ان يتذكر الانبياء واولياء الله الصالحين وما هو موقفهم منها، فلينظر الفرد الى امير المؤمنين عليه السلام " ألا وإن لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه - ثوبان باليان- ومن طعمه بقرصيه - رغيف الشعير اليابس- ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد"، فعلى الانسان ان ينظر الى اولياء الله كيف كانوا وكيف ساروا لينهج منهجهم فيقول سلام اللِه عليه في وصف المتقين ونظرتهم إلى الدنيا: "... أرادتهم الدنيا فلم يريدوها وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها.. كانوا قوماً من أهل الدنيا وليسوا من أهلها، فكانوا منها كمن ليس منها، عملوا فيها بما يُبصرون، وبادروا فيها ما يحذرون، تقلب أبدانهم بين ظهراني أهل الآخرة، ويرون أهل الدنيا يعظمون موتى أجسادهم وهم أشدُّ إعظاماً لموتى قلوب أحيائهم"، لم تكن الدنيا تعني شيئاً عند أمير المؤمنين عليه السلام وإنما هي فناء وعناء فعلينا ان نتعظ ونضع الخارطة لمستقبلنا قبل ان يأتينا الاجل كما قال تعالى " إنك ميت وإنهم ميتون " وقد اكدت السنة النبوية ان الموت ياتي بغته وكما قالوا في الشعر المنسوب لأمير المؤمنين عليه السلام:
يـــا مــــــــــن بـدنيــاه أشـتـغــل *** قــــد غــره طــــــــــــــــــول الأمــــل
المـــــــــــــــــوت يـأتـي بـغتــة *** والـقبــــــــر صنـــــــــــدوق الـعـمـــل
ولـــم تــــــزل فـــي غـفـلـــــــة *** حـتـــى دنـــــــــــا منــــــــك الأجـــــل
الكاتب/ احمد عبد زيد الكربلائي
اترك تعليق