يواجه الأقرباء والأم خصوصاً صعوبات متعددة بعد موت الأب أو استشهاده فيما يتعلق بالأبناء؛ وسبب هذه الصعوبات هي الأمواج العاتية التي تتلاطم في حياة الطفل، والأم بالدرجة الأولى عليها أن تكون يقظة وواعية؛ لأنها الوحيدة التي يهمها الأمر أكثر من الجميع، وهي الأقوى والأقدر على التأثير في الطفل.
مهارة الأم تتلخص بالمواقف والإجراءات المناسبة التي ينبغي أن تتخذها، وعليها اتخاذ طريقة ينجح الطفل من خلالها بالوصول إلى سبيل الصلاح والصواب، ويتمكن عبرها من الصمود أمام العقبات والحوادث المختلفة التي ستواجهه؛ كي لا يقوم الآخرون بحرفه واستغلاله، وهذه حقيقة لا مفر منها، وهي أنه عندما يجد المنحرفون شجرة لا صاحب لها يشرعون برميها بالحجارة، وفي مثالنا يقومون باستغلال الطفل ويسعون إلى إيقاعه في شراكهم وحبائلهم، وفي ظروف كهذه ماذا يمكننا أن نفعل سوى السعي للمحافظة على الطفل والعمل على إصلاحه؟، ولو أطلقنا له العنان ماذا سيحدث يا ترى؟.
-ضرورة الانتباه والمراقبة :
الأبحاث التي أجريت على الأيتام بعد نهاية الحرب الألمانية أشارت إلى أن كثيراً منهم- وبسبب تساهل الأقارب وتسامحهم- قد انخرطوا في بؤر الفساد والانحراف، طبعاً من ناحيتنا ولكثرة التجارب لدينا لا حاجة لنا إلى مثل هذه الأبحاث، وهذا الأمر قطعي ومسلَّم به عندنا بأن عدم الاعتناء بالغرسة أو الشجيرة، ربما أدى بها إلى الإعوجاج والانحراف.
هناك أشياء كثيرة لا أهمية لها من حيث الظاهر، ولكنها قد تبرز في مسير أبنائكم، وتؤثر عليهم في كل ساعة وكل يوم، ويقع على عاتقكم السيطرة والإشراف عليه، وعلى عاتقكم أيضًا استجوابه وسؤاله والاستفسار منه عما يفعله من حسن وقبيح، ولا حق لكم من الناحية الشرعية والأخلاقية في التقليل من أهمية خطورة انحرافاته وزلاته ،فعليكم ولأجل رشد الطفل ونجاحه السعي والعمل في مجالين اثنين :
أ) فيما يتعلق بأنفسكم : ما يهمنا هنا هو الإلمام واليقظة المعنوية والبناءة، فالفرد الذي لا إلمام له ولا نفسية لديه ولا اطلاع على المسائل التربوية ؛ سيخلط بين الجهل والأحاسيس بأسلوبه التربوي، وسيجعل من الطفل فرداً فاسداً وغالباً ما تنشأ الانحرافات والعثرات من تقصير الأسر في القيام بواجبها، أو الجهل بكيفية القيام بالواجب، أو الافتقار إلى الخبرة والتجربة في هذا المجال، وعندما تتعرض المسؤولية إلى مرض وتلوث سيتمهد الطريق أمام تربية شخصية إجرامية عند الطفل.
ب) فيما يتعلق بالطفل : هناك واجبات تجاه الطفل أيضاً، وهذه الواجبات تقبل البحث من نواحٍ عديدة :
- من جهة كونه ابناً لنا، وله حقوق، وعلينا مراعاتها.
- من ناحية أنه ذكرى شخص عزيز، فعلينا الحفاظ عليه انطلاقاً من المحافظة على حرمة وأصالة ذرية الشهداء.
- من جهة أنه إنسان، والأخلاق والالتزام الإنساني يفرض علينا أن نكون ملتزمين ومسؤولين أمام الناس.
الطفل هو عصارة الوجود الإنساني، وصحيح أنه اليوم طفل صغير، ولكنه غداً عضو فعال في المجتمع الإنساني، وركائز اليوم لها كل التأثير في صورة مستقبله، الركائز الأساسية والعادات المناسبة وغير المناسبة، والتقلبات الحياتية والمواقف الحسنة والقبيحة، كل هذه الأمور لها أثر بالغ في الطفل، فإن لم نستطيع تفريغ عقده وإزالة مشاكله وصعوباته السلوكية، وتحطيم الركائز البنية على الفساد والانحلال؛ فعلينا انتظار مستقبل مظلم له، وكلنا سنكون مسؤولين ومؤاخذين أمام الله تعالى تجاهه.
من كتاب : علم النفس وتربية الأيتام للمؤلف : د. علي قائمي / بتصرّف .
اترك تعليق