كشف ظلامة الأنبياء بظهورالقائم بثأر سيد الشهداء عليه السلام

قال تعالى:(وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا) (١)

البلاء أعم في معناه من معنى الظلم فليس كل بلاء ظلم ولكن كل مظلمة بلاء فالنعمة والرخاء قد تكونان صنفان من أصناف البلاء الذي يمتحن بهما الانسان وعلى وفق هذه الظابطة، فالظلم قطعاً هو صنف من أصناف البلاء وان هذا البلاء جارٍ كسنة إلهية على سائر الأنبياء والأوصياء وأوليائهم وهذا ما أشار إليه النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) في قوله :( ما أوذي نبي مثلما أوذيت ) (٢) وهذا الحديث ورد في مصادر العامة والشيعة فعندما نتأمل هذه العبائر النيرة الصادرة من حنجرة الوحي المبهرة نرى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نفى مماثلة أذيته بأذية بقية الأنبياء ولم ينفي أذية الأنبياء السابقين بل قد أثبتها وإلا كيف تصح مماثلة شيء بشيء مع عدم وجود المماثل.

 وفي حديث آخرعن عبد الرحمن بن الحجاج قال : ذكر عند أبي عبدالله ( عليه السلام ) البلاء وما يخص الله به المؤمن ، فقال : سئل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من أشد الناس بلاء في الدنيا ؟ فقال : النبيون ثم الأمثل فالأمثل ، ويبتلى المؤمن بعد على قدر إيمانه وحسن أعماله ، فمن صح إيمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه ، ومن سخف إيمانه وضعف عمله قل بلاؤه. ) (٣).

 وَمِمَّا سبق يتضح أن البلاء بأعلى صوره ومظاهره يكون في الأنبياء وأشدها في خاتمهم وأفضلهم وخلاصة بلاء المصطفى (صلى الله عليه وآله) وصفوته تمخضت من واقعة الطف فيما جرى على مهجة قلبه سيد الشهداء عليه السلام وبذلك يكون ثأر سيد الشهداء عليه السلام هو ثأر الأنبياء جميعاَ من آدم إلى الخاتم عليهم السلام فهو ثأر الرسالة والنبوة والامامة هو ثأر الله عز وجل.

 وأما ماهية علاقة البلاء بالأنبياء فذلك أن البلاء عادة يكون ملازماً لدعوة الحق وحيث أن الحق لا يرتضيه أكثر الناس كما قال تعالى: ( لقد جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُون) (٤) وكراهة الحق من قبل الناس ناشئة من طبائع نفسية مكتسبة منها حب النفس بدرجة جعلها ميزان لكل شيء فما ترغب وتركن إليه تصيره حقاً وما تكرهه وتنفر منه تجعله باطلاً وإن كان في الواقع حقاً وأكثر الناس بلاءً في عصرنا الحاضر هو الامام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وأصحابه الخلص المحجوب عن الناس معرفة أشخاصهم الى يوم جلاء بلائهم بظهور سيدهم وامامهم الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

 فالبلاء مع الصبر عليه هو مرقاة الصعود وسلم التوفيق لنيل الرتبة الجليلة لصحبة مهدي العترة السامية الشريفة وقد أشار سيد الشهداء عليه السلام بالملازمة الى صبر أصحابه على البلاء فقال عليه السلام عند مسيره إلى كربلاء: ( إنّ هذه الدنيا قد تغيرت وتنكرت ، وأدبر معروفها ، فلم يبق منها إلا صُبابة كصابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون أن الحق لا يُعمل به ، وأنّ الباطل لا يُنتهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّا ، فإني لا أرى الموت إلا الحياة ، ولا الحياة مع الظالمين إلا بَرَما ، إنّ الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم ، يحوطونه ما درّت معائشهم ، فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الدّيّانون) (٥) فاصطفاء الخلق لصحبة خير الخلق رهين بالصبر على البلاء والدعوة للحق حيث قال سيد الشهداء عليه السلام :( اللهمَّ انك تعلم أني لا أعلم أصحاباً خيراً من أصحابي ولا أهل بيت خيراً من أهل بيتي) فخلاصة ظلامة الأنبياء والأوصياء وأوليائهم متجسدة في يومٍ كاد أن يكون يوماً كيوم القيامة فحيث أن في هذا اليوم يتم فيه فرز الأشخاص اما الى جحيم صالية أو جنة خالدة فكذلك يوم سيد الشهداء عليه السلام قد فرزت فيه السبل اما سبيل الإيمان والهداية واما سبيل الكفر والضلالة فمن كان مع سيد الشهداء (ع) كان الله معه ومن كان مع الأمويين كان الشيطان معه وهذين السبيلين ممتدين متجاوزين بذلك عالم الدنيا إلى عوالم الآخرة.

الكاتب: محمد عبدالعزيز المدحوب

____________________________

(١) الآية (٣٣) سورة الأسراء

(٢) بحار الأنوار: ج٣٩ ص٥٦ب ٧٣ ح ١٥

سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني وهو

بلفظ مختلف مع وحدة المضمون ج٥ رقم الحديث ٢٢٢٢

(٣) وسائل الشيعة ج٣ ص٢٦٢ الباب ٧٧ رقم الحديث ٣٥٨٤

(٤) آية ٧٨ سورة الزخرف

(٥) تحف العقول ص ٢٤٥.