زينب (عليها السلام) انموذج لمدرسة الاعلام الصادق

ان للاعلام دور مهم وفعال في الحياة الانسانية، وله اثر ايجابي واخر سلبي، فهو يتعامل مباشرة مع العاطفة بعيدا عن العقل والوجدان، ويرسم في مخيلة الانسان انه هو الذي يبين الحقيقة ويكشف له المستور عن تلك الحقائق التي طالما يبحث عنها الضمير الانساني.

وهنا يمكن ان نقسم الاعلام الى قسمين:

* الاعلام الايجابي.

* الاعلام السلبي.

ولكلا القسمين منهجها التربوي والفكري والايدلوجي في رسم خارطة حركتها الساسية والاجتماعية والتربوية وخطابها الديني.

فينطلق الاعلامي في اعلامه من مخزونه وما يتبناه فكريا وايدلوجيا، كما للتربية البيتية اثر في عكس حالته السلبية او الايجابية على منطقه الاعلامي.

وهذا الامر ظاهر وجلي في جميع مستوايات الاعلام المرئي والمقروء.

الاعلام الايجابي، يقابله الاعلام السلبي:

الاعلام الايجابي(الصادق) الذي ينقل الحقيقة كما هي بغض النظر عما يتبناه فكريا وايدلوجيا، كاد يكون معدوما، او ضعيفا جدا، وما يقابله من الاعلام السلبي(الكاذب)، على خلاف ذلك فهو المنتشر كالنار في الهشيم.

وهنا تكمن المشكلة في تميز الكلمة الصادقة عن غيرها عند اختلاط الحقائق وفقدان المقاييس، ولذا سعت كثير من الدوائر الاعلامية دغدغت العاطفة من اجل كسب اكثر عدد ممكن من رواد لها من اصحاب العقول الجامدة غير المتحركة.

مراحل الاعلام الكاذب:

وهذا الامر لم يكن بدعا على الاعلام الحديث، بل له جذور تاريخية تضرب في عمق التاريخ، فظهر الاعلام الكاذب من ذلك الوقت اي منذ بدأ الحركة الاصلاحية الالهية في دنيا الانسان التي قادها الانبياء والمرسلين(عليهم السلام)، وكان منهج الاعلام واحد وهو مخاطبة العاطفة، وتجميد العقل الجامد لاصحابه، من دون اعطائهم فسحة في التفكير.

شواهد قرآنية على حقيقة الاعلام الكاذب:

وفي القرآن الكريم شواهد كثيرة على ذلك، فقد اشارت بعض الايات القرآنية الى تكذيب حركة الانبياء(عليهم السلام) في دنيا الانسان، بوصفهم(عليهم السلام)-من قبل قومهم-، بأوصاف تضعف من شأنهم الاجتماعي والشخصي امام اتباعهم من الذين امنوا بهم وبرسالتهم التوحيدية، ومن الاوصاف الواردة: انه مجنون، او انه كذاب، او انه ساحر .. الخ.

الكذب الاعلامي على النبي(صلى الله عليه واله):

وكان للنبي محمد(صلى الله عليه واله) حصة من هذا الاعلام الكاذب ضد مسيرته الالهية، يتزعم هذا الامر قادة قريش، لافراغ الساحة وابعاد الناس عنه(صلى الله عليه واله) وعدم قبول دعوته التوحيدية، وذلك بطرح العناوين الكاذبة التي تتعايش مع عاطفة الانسان، كما اشارت لها بعض الايات القرآنية.

قال تعالى: {قال الكافرون ان هذا لساحر مبين}. يونس:٢.

وقال تعالى: {وقال الكافرون هذا ساحر كذاب}. ص:٤.

وقال تعالى: {كذلك ما اتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر او مجنون}. الذاريات:٥٢.

الا ان حبل الكذب قصير، فهم رغم ما بذلوا من جهد اعلامي حثيث على ابعاد الناس عنه وعن دعوته، لم يفلحوا رغم استخدام العنف والقوة والتهجير ضد المستضعفين من اتباعه ومواليه (صلى الله عليه واله).

الاعلام الاموي الكاذب:

وهذا النهج الاعلامي نفسه استخدم مع الامام علي(عليه السلام) منذ حركته مع رسول الله(صلى الله عليه واله) وتوليه زمام القيادة والولاية بعده.

فقد سعى الاعلام الكاذب الذي يقوده في تلك الفترة الزمنية من عمر الدولة الاسلامية معاوية بن ابي سفيان الى تشويش الذهن وخلط الاوراق، وقلب الحقائق، حتى قيس الامام علي(عليه السلام) بمعاوية، وقد اشار (عليه السلام) الى ذلك في خطبه.

استمرار الكذب الاعلامي في تضليل الرأي العام:

واستمر هذا النهج من الاعلام على نفس الوتيرة من الكذب وتزوير الحقائق التاريخية، وشراء الذمم من اجل توسعة دائرة هذا النهج الاعلامي، وقد استغل يزيد بن معاوية هذا الجو الاعلامي المشحون بالكذب والنفاق في احراف بوصلة الحقيقة عن مسارها الطبيعي، فعمم في ذلك الوقت مقولة الخوارج على حركة الامام الحسين(عليه السلام) واصحابه الاصلاحية، مما اقنع الكثير من اصحاب العقول الجامدة في البلاد الاسلامية، من الذين لا يعطون لانفسهم اي قيمة انسانية، اتباع الدرهم والدينار.

وهنا لابد من اظهار الحقيقة وكشف الكذب وتزوير الحقايق، وذلك بابراز منهج اعلامي فعال وقوي ومؤثر، لا تأخذه في الله لومة لائم، ويتعامل مع حركة العقل والوجدان وتنشيط الضمير من خلال تحريك العاطفة اذا اقتضى الامر ذلك.

وبعد ان استشهد الامام الحسين(عليه السلام) اصبح الاعلام الاموي فاقدا للمصداقية لكنه يحتاج الى تفعيل وتنشيط الضمير الانساني الذي طالما غيب عن الواقع بالكذب الممنهج وقلب الحقايق.

فظهرت حركة السيدة زينب(عليها السلام) كنموذج للاعلام الواقعي والصادق في مسيرتها التاريخية ضمن سبايا آل الرسول(صلى الله عليه واله) مواكبة حركة اخيها الامام الحسين(عليه السلام) الاصلاحيةلابراز الحقيقة الضائعة والمفقودة في دنيا الانسان، وكشف كذب الاعلام الاموي الذي روج لمقولته الكاذبة: (ان هؤلاء الذين خرجوا على الخليفة يزيد بن معاوية من الخوارح والديلم)!!

بداية حركة الاعلام الواعي والمناهض للاعلام الاموي الكاذب:

* في الكوفة:

وبدات بذلك السيدة زينب(عليها السلام) حين دخولها السبايا الكوفة على عبيد الله بن زياد.

فقالت: بعد ان اومأت الى الناس بالسكوت، فحمدت الله واثنت عليه وصلت على النبي واله: (اما بعد: ... الا بئس ما قدمت لكم انفسكم ان سخط الله عليكم وفي العذاب انتم خالدون، أتبكون على اخي؟ اجل والله فابكوا فانكم والله احرى بالبكاء ... ) .

ثم بينت لهم انهم وقعوا في مصيدة الكذب الاعلام الاموي، (انى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة، وسيد شباب اهل الجنة وملاذ حربكم، ومعاذ حزبكم، ... الا ساء ما قدمت لكم انفسكم وساء ما تزرون ليوم بعثكم ... أتدرون ويلكم أي كبد لمحمد صلى الله عليه واله) فرثتم؟ وأي كريمة له ابرزتم؟ وأي حرمة له هتكتم؟ وأي دم له سفكتم؟ {لقد جئتم شيئا ادا* تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا}. مريم: ٨٩-٩٠.

فلا يستخفنكم المهل فانه عز وجل لا يحفزه البدار ولا يخشى عليه فوت الثأر، كلا ان ربك لنا ولهم بالمرصاد ...). الاحتجاج: ص٢٩-٣١.

في الشام:

ويستمر الاعلامي الزينبي الحر والواعي لمدركات الامور في كشف الزيف الاموي وفي عقر داره، وبين يدي رئيس دولة النفاق يزيد بن معاوية.

قالت السيدة زينب(عليها السلام)حين وصول سبايا اهل بيت النبوة (عليهم السلام) الى ديوان يزيد في الشام: (أظننت يا يزيد حيث اخذت علينا اقطار الارض وآفاق السماء فاصبحنا نساق كما تساق الاماء ان بنا على الله هوانا وبك عليه كرامة، وان ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسرورا، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والامور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا مهلا مهلا أنسيت قول الله تعالى: {ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين}. آل عمران:١٧٨.

أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وامائك وسوقك بنات رسول الله(صلى الله عليه واله)سبايا قد هتكت ستورهن وابديت وجوههن تحدو بهن الاعداء من بلد الى بلد، ويستشرفهن اهل المناهل والمناقل ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والدني والشريف ليس معهن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حمي، وكيف يرتجى مراقبة من فوه اكباد الازكياء ونبت لحمه بدماء الشهداء وكيف يستبطئ في بغضنا اهل البيت من نظر الينا بالشنف والشنآن والاحن والاضغان، ثم يقول غير متألم ولا مستعظم:

واهلوا واستهلوا فرحا ... ثم قالوا يا يزيد لا تشل.

وتستمر السيدة زينب (عليها السلام) في خطبتها في كشف الحقائق المخفية على العوام من الامة التي تدعي انها امة محمد (صلى الله عليه واله)، وهو القائل: (لا اسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى).

هكذا عمل الاعلام الكاذب في تزوير الحقائق وخلط المفاهيم مما ادى بالامة الاسلامية ليومنا هذا تدفع ثمن ذلك الاعلام الاموي الكاذب، رغم ما تم توضيحه من قبل الامام علي بن الحسين (عليهما السلام) وعمته الطاهرة زينب(عليها السلام) الذي قال الامام في حقها: (انت بحمد الله عالمة غير معلمة ، فهمة غير مفهمة). بحار الانوار :ج٤٥ص١٩٩.

زينب النموذج:

هي زينب ثاني اعظم سيدة من سيدات اهل البيت المحمدي ، زخرت حياتها بالفضائل والمكرمات وحفلت بموجبات العظمة والحلال ومقومات الرقي والسمو.

وهي المتربية على يد من اتصف بقمة الاخلاق والفضايل، وفي بيت وصفه القرآن الكريم بقوله تعالى: {في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والاصال}. النور : ٣٦.

فقد عاشت (عليها السلام) تلك المحطة المؤلمة من حياتها وهي صابرة محتسبة حتى ارتحلت الى الرفيق الاعلى في الخامس عشر من رجب عام ٦٢ هجرية .

السلام عليها يوم ولدت ويوم توفيت مظلومة مهظومة كأمها ويوم تبعث حيا .

 الكاتب: السيد زكي الموسوي

المرفقات