إمامة الإمام علي (عليه السلام) سر من أسرار القرآن الكريم

تعتبر إمامة الإمام علي (عليه السلام) سر من الأسرار المكنونة والمحفوظة في كتاب الله تعالى مودعة في ضمن عدة من الآيات القرآنية منها قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) المائدة: ٥٥ .

ويمكن الاستدلال بهذه الآية المباركة على إمامة أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) وخلافته بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعدة نقاط:

الاولى: ان مقيمي الصلاة ومؤتي الزكاة في حال الركوع في هذه الآية اولى من غيره لتولي منصب الخلافة والإمامة ، لأنه أولى بالخلق من أنفسهم ، لتقدم قول الرسول (صلى الله عليه وآله) في يوم الغدير بعد ان قال: (... فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين ، فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا ، والآخر الأصغر عترتي ، وان اللطيف الخبير نبأني انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فسألت ذلك لهما ربي ، فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ).

بعد ذلك اخذ بيد الإمام علي فقال: ايها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم ، قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من انفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه ... ) الغدير: ج١ص٢٩ .

وبما ان النبي (صلى الله عليه وآله) هو الولي بالأصالة فأعطى تلك الولاية الإلهية للإمام علي من بعده (فمن كنت مولاه فعلي مولاه) وعدم اعطائها لغيره يدل على تؤهله للخلافة.

الثانية: انحصار الطاعة في هذه الآية لله ولرسوله وللإمام علي ، اذ اتفق جميع المسلمين على نزولها في حق الإمام علي (عليه السلام) بعد ان تصدق بخاتمه ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (اللهم إن أخي موسى سألك فقال: ... واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري ، وأشركه في أمري ، فأنزلت عليه قرآنا ناطقا: (سنشد عضدك بأخيك ، ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما ، اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك اللهم ... واجعل لي وزيرا من أهلي عليا اشدد به ظهري) ، قال ابو ذر: فوالله ما استتم رسول الله الكلمة حتى نزلت هذه الآية. وروى هذا الخبر ابو اسحاق الثعلبي في تفسيره ، وروى ابو بكر الرزاي في كتاب (احكام القرآن) ، والطبري انها نزلت في علي حين تصدق بخاتمه وهو راكع ، والمروي عن ابي جعفر (عليه السلام) وابي عبد الله (عليه السلام). مجمع البيان: ج٦ ص٤٢٠ .

ولا أحد من المؤمنين يدعي ذلك ولم يثبت هذا الحكم إلا لله ولرسوله ولعلي أمير المؤمنين .

قال الكميت يمدح عليا:

ونعم ولي الأمر بعد وليه ... ومنتجع التقوى ونعم المؤدب . المصدر السابق: ص٤١٨.

الثالثة: اختصاص (وليكم) في الآية بأولى ان وليا لا يحتمل في اللغة إلا شيئين: المحبة والأولى ، ولا يجوز ان يريد بالولاية في الآية المحبة ، لأن قوله تعالى: (إنما وليكم) خطاب لكل مكلف بر او فاجر كسائر الخطابات الإلهية . وكونه عاما يمنع حمله على المحبة ، لأن الله ورسوله والمؤمنين لا يوادون من الكفار ولا ينصرونهم ؛ بل الواجب فيهم خلاف ذلك ، قال تعالى: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) المجادلة : ٢٢ .

وحينئذ لا يمكن حملها على المحبة لأن الولاية التي هي الحب او النصرة لا تنحصر في من يؤدون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ؛ بل تشمل كل المسلمين . فبطل كون المراد بالولاية في الآية المودة والمحبة والنصرة . تقريب المعارف في الكلام : ص١٢٧ بتصرف.

الرابعة: ولان حرف (إنما) الحصرية مخصصة لما اثبت بعدها نافية لما لم يثبت ، يقول القائل لغيره: إنما لك عندي درهم ، فيكون مثل ان يقول: انه ليس لك عندي إلا درهم ، وقالوا: إنما السخي حاتم ، يريدون نفي السخاء عن غيره .

وبعبارة أخرى: ان حرف(إنما) يثبت الحكم لما اتصل به وينفيه عما انفصل عنه ، كقوله تعالى: (إنما إلهاكم الله) طه: ٩٨ .

اثبت الإلهية له ونفاها عمن عداه. وكقوله تعالى: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا) النمل: ٩١ .

خص العبادة برب البلدة ونفاها عمن عداه. ونحو قوله(صلى الله عليه وآله): (إنما الاعمال بالنيات) ، و (إنما الولاء لمن أعتق) ونحو ذلك. واذا تقرر ذلك فان حرف (إنما) في الآية يفيد الولاية فيها لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين وينفيها عمن عداهم ، وذلك يمنع من حملها على ولاية المودة والمحبة والنصرة المعلوم عمومها واذا بطل أحد الطرفين ثبت الطرف الآخر. مجمع البيان : ج٦ ص٤١٨. تقريب المعارف : ص١٢٩ بتصرف .

الخامسة: كلمة (الذين آمنوا) تختص ببعض المؤمنين من وجهين:

أحدهما: وصفهم بايتاء الزكاة ، وذلك يقتضي خروج من لم يخاطب بالزكاة او خوطب ففرط .

الثاني: وصفهم بإيتاء الزكاة حال الركوع في قوله: (وهم راكعون) لارتفاع اللبس من قول القائل: فلان يجود بماله وهو ضاحك ، ويضرب زيدا وهو راكبا ، لدفع احتمال وقوع الزكاة في الماضي والمستقبل بل لا يحتمل إلا الحال . وان هذا الحكم لم يعم كل مؤمن ، وان ورد من البعض الاشارة اليه من ان الآية جاءت بصيغة الجمع (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) إلا ان هذا واضح في كتب الادب العربي بجمل تم التعبير فيها عن المفرد بصيغة الجمع ، وقد اشتمل القرآن الكريم على مثل هذه الجمل، كما في آية المباهلة ، حيث وردت كلمة (نساءنا) بصيغة الجمع إذ لم تكن من النساء إلا فاطمة الزهراء (عليها السلام) وحدها ، وكذلك في كلمة (انفسنا) وهي صيغة جمع في حين لم يحضر مع النبي (صلى الله عليه وآله) من الرجال إلا الإمام علي (عليه السلام) في واقعة المباهلة. وكذلك في سور عدة من القرآن وردت صيغة الجمع بمعنى المفرد كما في سورة آل عمران عند قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) الآية ١٧٣ ، ذكروا بعض المفسرين انها نزلت بشأن (نعيم بن مسعود) الذي لم يكن إلا واحدا. وفي سورة المائدة الآية ٥٢ ، قوله تعالى: (...يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ... ) في ان هذا الجزء من الآية نزل في شخص واحد ، كما جاء في سبب النزول ، وهو (عبد الله بن أبي). مجمع البيان :ج٢ ص٥٣٣ ، وج٣ ص٤١٢ .

والتعبير بصيغة الجمع عن شخص واحد في القرآن الكريم :

١- إما أن يكون بسبب أهمية موقع هذا الشخص ولتوضيح دوره الفعال.

٢- او لأجل عرض الحكم القرآني بصيغة كلية عامة حتى اذا كان مصداقه منحصرا في شخص واحد وقد ورد في كثير آي القرآن ضمير الجمع للدلالة على الله الواحد الاحد وذلك تعظيما له جل شأنه.

ومن البديهي ان استخدام صيغة الجمع للدلالة على الواحد يعتبر خلاف الظاهر ، ولا يجوز بدون قرينة ولكن مع وجود الروايات الكثيرة الواردة في شأن نزول الآية دليلا واضحا على ان المراد به هو الإمام علي (عليه السلام).

واذا ثبت الخصوص وكان كل من قال لخصوص المؤمنين في الآية قال باختصاص الولاية بالأولى لان خصوصها يمنع من حملها على المودة والنصرة والمحبة الواجبة على الجميع. تقريب المعارف: ص١٢٩ .

ومن هنا يتضح ان المراد من كلمة (وليكم) في هذه الآية هو ولاية الامر والاشراف وحق التصرف والزعامة المادية والمعنوية ، خاصة وقد جاءت مقترنة مع ولاية النبي (صلى الله عليه وآله) ، وولاية الله تعالى حيث جاءت الولايات الثلاث في جملة واحدة.

وبهذه الصورة فان الآية تعتبر نصا قرآنيا يدل على ولاية وإمامة امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) للمسلمين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

 

الكاتب: السيد زكي الموسوي