ما اصغر فدكا فوق الارض .. وفي الجغرافيا .. وما اوسعها في خارطة التاريخ ..
هب السامري ليجثوا امام (العجل) وفتحت الاوثان العربية عيونا حجرية تحدق ببلاهة .. وبرقت عينا (الاسخريوطي) بالغدر وهو يدل على ابن مريم .. وهم بنو اسرائيل بهارون ، وفرت الفراشات الى مخابئها وقد عوت ريح الزمهرير كذئاب مجنونة ..
نهضت فاطمة بوجه العاصفة تقول : لا
- لا تقتلوا يوسف .. ولا تلقوه في غيابت الجب .
- لا تغدروا بابن العذراء .. لا تعبدوا العجل دون الرحمن .. لا تقتلوا هارون .
- دعوا الفراشات تسبح في غمرة النور .. لا تطفؤا الشموع .. لا تثقلوا الارض بالآثام .. دعوا هابيل يرعى ماشيته بسلام .
وقفت فاطمة تنظر الى الأفق البعيد المدلهم بالخطوب والحوادث ، وراحت تسرج الشموع في مهب العواصف علها تضيء الصحراء والتاريخ .
معركة وشيكة ستندلع .. تدمر كل شيء .. معركة عجيبة اسلحتها الصبر .. الصمت الرفض .. كان على علي ان يرمي (ذا الفقار) جانبا .. ان يصرخ بالصمت .. الصمت المدوي وكان على فاطمة ان تتكلم بعد ان طوت الماضي متبتلة في المحراب .
نهظت فاطمة . غادرت محراب الصمت لتقول كلمتها في الذين يسرقون (فدك) في الليل حتى لا يسرقوا التاريخ والمستقبل في وضح النهار ..
جاءت فاطمة تطالب بالميراث وكانت جذوع (فدك) سلاحها الوحيد :
- اعطني ميراثي من ابي رسول الله .
قال ابو بكر :
- سمعت اباك يقول : نحن معاشر الانبياء لا نورث .
- كيف وقد ورث سليمان داود .. وقال زكريا : يرثني ويرث من آل يعقوب ؟!!
- انا سمعت رسول الله يقول نحن الانبياء لا نورث وهاهي عائشة وحفصة تشهدان على ذلك .
- سبحان الله ما كان ابي عن كتاب الله صادفا .. ولا لأحكامه مخالفا ..
اشتعلت ثورة في قلب ابن فاطمة وكان صبيا جذب رداء رجل ينازعه امه الميراث .
هتف السبط :
- انزل عن منبر ابي واذهب الى منبر ابيك .
سأل الرجل بدهاء :
- من علمك ان تقول هذا ؟
لاذ الصبي بالصمت .
فعاد الرجل يكرر مقالة ما انزل الله بها من سلطان .
قالت فاطمة وهي تضم ريحانة الرسول وتحدق في الذين اغتصبوا ميراث الانبياء :
- كلا بل سولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون .
غادرت فاطمة المكان .. وتناثرت اسئلة .. علامات استفهام ، فتمتم الخليفة بأسى امام صاحبه :
- اما كان الاحرى ان نهبها فدكا .. انا اخشى ابنة محمد .
اجاب ابو حفص مشجعا :
- لا تخف يا صاحبي .. غبرة وتنجلي وما هي الا جولة وينتهي كل شيء .. وكأن شيئا لم يكن .. وربت على كتفه وقد عرف كيف يتغلغل الى قلبه :
- اقم الصلاة .. وآت الزكاة .. ان الحسنات يذهبن السيئات .. وما يفعل ذنب واحد في حسنات كثيرة .
اضاءت الابتسامة وجهه ، فقال :
- كربة فرجتها يا عمر .
هتف الخليفة وقد شحذ العزم كلمات تدعو بالويل والثبور ..
- الا لو شئت ان اقول لقلت ، ولو تكلمت لبحت واني ساكت ما تركت .. يستعينون بالصبية ويستنهضون النساء .. واني لست كاشفا قناعا ولا باسطا ذراعا ولا لسانا الا من استحق ذلك .
كانت هذه خاتمة ما قاله الخليفة لبنت نبيهم .. حول ميراثها .
استنكرت ام سلمة وكانت امرأة على خير :
امثل هذا يقال لفاطمة !!! وهي الحوراء وعديلة مريم .. ربيت في احضان الانبياء وتداولتها ايدي الملائكة .. أتزعم ان رسول الله حرم عليها ميراثها ؟!
السلام على فاطمة وابيها وبعلها وبنيها والتسعة المعصومين من ذريتها .. والسلام عليها يوم ولدت ويوم استشهدت مكسورة الضلع ويوم تبعث حية مطالبة بحقها من اولئك القوم ..
الكاتب: السيد زكي الموسوي
اترك تعليق