الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) سادس الأئمة الأطهار من أهل البيت المعصومين الذين نص الرسول (صلّى الله عليه وآله) على خلافتهم من بعده .
ولد في سنة ( 83 ) هجرية وترعرع في ظلال جدّه زين العابدين وأبيه محمّد الباقر (عليهم السلام) وعنهما أخذ علوم الشريعة ومعارف الإسلام . فهو يشكّل مع آبائه الطاهرين حلقات نورية متواصلة لا يفصُل بينها غريب أو مجهول ، حتَّى تصل إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ؛ لذا فهو يغترف من معين الوحي ومنبع الحكمة الإلهية .
لقد عايش الإمام الصادق (عليه السلام) الحكم الأموي مدّة تقارب ( أربعة ) عقود وشاهد الظلم والإرهاب والقسوة التي كانت لبني أمية ضد الأمة الإسلامية بشكل عام ، وضد أهل بيت الرسول (صلّى الله عليه وآله) وشيعتهم بشكل خاص .
وكان من الطبيعي ـ بعد ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ـ أن يكون آل البيت هم الطليعة والقيادة المحبوبة لدى الجماهير المسلمة ، ومن هنا بدأت فصائل العباسيين تتحرّك باسم أهل البيت وتدعو إلى الرضا من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) ، وخلافة ذرّية فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) .
فعندما سقط سلطان بني أمية سنة ( 132 هـ ) ، ثمّ آلت الخلافة إلى بني العباس فعاصر حكم أبي العباس السفّاح وشطراً من حكم المنصور الدوانيقي بما يقرب من عشر سنوات .
فكان الامام الصادق (عليه السلام) يعرف نواياهم التي تحاول استغلال عواطف الناس عن طريق اهل البيت عليهم السلام ، ولذا فقد انسحب الإمام الصادق (عليه السلام) من المواجهة المكشوفة ولم تنطل عليه الشعارات التي كان يستخدمها بنو العباس للوصول إلى الحكم بعد سقوط بني أمية ، بعد أن ازداد ظلمهم وعتوّهم وإرهابهم وتعاظمت نقمة الأمة عليهم .
و لذا انصرف الإمام الصادق (عليه السلام) عن الصراع السياسي المكشوف إلى بناء الأمة الإسلامية علمياً وفكرياً وعقائدياً وأخلاقياً ، بناءً يضمن سلامة الخط الإسلامي على المدى البعيد ، بالرغم من استمرار الانحرافات السياسية والفكرية في أوساط المجتمع الإسلامي .
و على اثر ذلك تصدّى الإمام الصادق (عليه السلام) للردّ على الملاحدة من جهة ، و من جهة اخرى تصدى لمحاكمة الفرق التي انتشرت في الإسلام كالمعتزلة والأشاعرة والخوارج والكيسانية والزيدية في عصره ، واشتدّ الصراع بينها ، كما بدأت الزندقة تستفحل وتخترق أجواء المجتمع الإسلامي .
و ايضا كان صلوات الله عليه يسعى الى تقوية نفوس الناس على ردع الظالمين و الثورة عليه في أوساط الأمة من خلال تأييده لمثل ثورة عمّه زيد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) ومَن تلاه من ثوّار البيت العلوي الكرام .
و لذا لم يكن الإمام الصادق (عليه السلام) ليسلم من هذه المحنة ـ محنة الثورة على الظلم العباسي ـ فقد كان المنصور يطارده الخوف من الإمام الصادق (عليه السلام) ويتصوّر أنَّه اليد التي تحرّك كل ثورة ضد حكمه ، ممّا أدّى إلى استدعائه إلى العراق أكثر من مرة وضيّق عليه وأجرى عليه محاكمة يجل الإمام عن مثلها ليشعره بالرقابة والمتابعة ، ثمَّ خلّى سبيله .
بل قد ذكرت بعض المصادر أنّ المنصور قد نوى قتله أكثر من مرَّة إلاّ أنّ الله سبحانه حال بينه وبين ما أراد .
و لا زال المنصور يضيق عليه في جميع الامور التي استطاع التضييق بها على الامام الصادق عليه السلام، حتى بلغ به الامر الى ابعاده عن طريقه لاحساسه المستمر بالتهديد منه فدس له السم عن طريق احد عماله فسقاه به ولمّا تناوله الإمام (عليه السلام) تقطّعت أمعاؤه وأخذ يعاني الآلام القاسية ، وأيقن بأنّ النهاية الأخيرة من حياته قد دنت منه .
و استشد صلوات الله عليه في الخامس و العشرين من شهر شوال على اثر السم الذي سقي به، فسلام عليه يوم ولد و يوم استشهد و يوم يبعث حيا .
من كتاب / اعلام الهداية / مع التصرف
اترك تعليق