القران الكريم امرنا بصريح العبارة بحب قربى النبي(صلوات الله عليهم اجمعين), ومودتهم في قوله تعالى: { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى }, وأكد رسول الله(صلى الله عليه واله) في عدة مواطن ان المراد بالقربى هم أهل بيته الأطهار علي, وفاطمة, والحسن, والحسين (صلوات الله عليهم), حتى غدت معرفتهم لدى المخالف والموالف اشهر من الشمس وأبين من أمس , للأخبار التي تسالم الفريقان على تواترها, فقد روى الجمهور أنّه لمّا نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله، من قرابتك هؤلاء الّذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: عليٌّ وفاطمة وابناهما ...
وقد تسأل وتقول :
هناك من يدعي حب أهل البيت عليهم السلام وفي الوقت ذاته يظهر حب اعدائهم , فهل يعدّ أمثال هؤلاء ممتثلين للأمر الالهي بمودة قربى النبي(صلى الله عليه واله) ؟
أقول لك :
ان ثمّة تلازم بين الحب والإتباع ؛ فإذا فقد احدهما فقد الاخر , وآية ذلك ما جاء في محبة الله تعالى المشروطة بإتباع النبي (صلى الله عليه واله) في قوله عز وجل : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } , فعلق الله تعالى حصول المحبة على تحقق الطاعة والإتباع , ولازم هذا ان من يدّعي حب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم), وحب أهل بيته , أن يكون مطيعا لعليّ (عليه السلام), تابعا له ؛ لما جاء في الصحيح الذي أخرجه الحاكم في مستدركه والذهبي في تلخيصه وصرّح كل منهما بصحته على شرط البخاري ومسلم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع علياً فقد أطاعني ومن عصا علياً فقد عصاني" , وهذا الحديث مما لا ريب في صحته عند المسلمين أجمعين فهو يؤكد ذلك المعنى بوضوح .
فمحبة الله والإيمان به تعني وجوب اتباع الرسول الذي أرسله الى الناس كافة , فمن يحب الله تعالى يجب ان يتبع الرسول ، والعكس بالعكس , فمن لم يتبع الرسول فهو معرض عن محبة الله وعليه ما عليه.
ونخلص من هذا كله إلى أن أقوى مظهر وأوضح شاهد على صدق المحبة لرسول الله(صلى الله عليه واله) ولأهل بيته الاطهار هو الاتباع , وبدونه تصبح المحبة دعوى مجردة عن الدليل , وقولا لا يصدقه عمل .
وأي تناقض اقبح من المذكور في التساؤل !!.. فكيف لعاقل ان يجمع بين نقيضين في جوفه , حب المظلوم وحب الظالم !! ثم كيف يكال للظالم والعادل بمكيال واحد !! , وهذا كما لا يخفاك منطق ينادي على اهله بالسخف والسذاجة والبله .. فها هو ذا امير المؤمنين عليّ بن ابي طالب (عليه السّلام) صاحب الشأن فيما نحن فيه يقول : "لا يجتمع حبُّنا وحبّ عدوِّنا في جَوْف إنسان ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول : {مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ}". فالآية الكريمة التي استشهد بها امير المؤمنين (عليه السلام) تثبت ان هذه الحالة هي انسلاخ عن الطبيعة الانسانية وتمرد على الفطرة الثابتة في نفوس البشرية جمعاء .. فأعظم الشواهد على صدق المحبة ، وأجل ثمارها , الاتباع , وهو إنما يتحقق بالمتابعة في أقوال المحبوب وأفعاله كلها .. وثمة محاذير في دعوى محبة اهل البيت (عليه السلام) المجردة عن الاتباع والطاعة , فدعوى كهذه يلزم منها احد محذورين , الاول هو محذور القول بلا عمل وهذا مما شجبه القران الكريم في قوله تعالى { لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } , والثاني مخالفة الشرطية في الاية الكريمة في قوله تعالى : {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي} وهذا بيّن واضح لمن له ادنى سعة من الاطلاع والعلم .
هذا وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على اشرف الانبياء والمرسلين محمد وأهل بيته الطاهرين المنتجبين .
الكاتب / السيد مهدي الجابري
اترك تعليق