ما ورد فيمن هو أقضى الأمّة الذي أمضى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قضاءه وأقرّ حكمه ، و الوحيد الذي احتيج إليه ولم يحتج إلى أحد، والمسؤول الذي لا يسأل أحداً قطّ المرجع العامّ بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لحلّ المشكلات، والملجأ الأرحب لشرح غوامض المسائل ومشاكل القضيات حتّى رجع إلى قوله معترفاً بصحّة قضائه وعدله ألدّ معاديه فضلاً عن أجلاء الصحابة وكبار مناصريه ومواليه، خصوصاً الخلفاء الثلاثة، فإنّهم كانوا كثيراً ما يشاورونه فيما ارتابوا فيه وأخذوا في القضاء بين الناس بقوله وبما كان يفتي به.
كما سنذكر بعضاً يسيراً من ذلك مفصّلاً عن الحُفّاظ وأعلامهم فيما يلي، فمنهم: حافظ المغرب (ابن عبد البرّ )في كتابه (الاستيعاب) 3: 38 بهامش الإصابة فقد روى عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال في أصحابه: أقضاهم علي بن أبي طالب.
وروى فيه بإسناده عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: قلت للشعبي: إنّ المغيرة حلف بالله ما أخطأ علي في قضائه، فقال الشعبي: لقد أفرط.
وعن أبي فروة قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قال عمر: علي أقضانا.
وعن علقمة عن عبد الله قال: كنّا نتحدّث أنّ أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب.
وعن ابن مسعود قال: إنّ أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب.
وعن سعيد بن وهب قال: قال عبد الله: أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب.
وروى بإسناد عن أذينة بن سلمة العبدي قال: أتيت عمر بن الخطّاب فسألته من أين أعتمر؟ فقال: إيت عليّاً فاسأله وذكر الحديث وفيه: ما أجد لك إلاّ ما قال علي.
وسأل شريح بن هاني عائشة عن المسح على الخفّين، فقالت: إيت عليّاً فاسأله. وذكر الحديث.
وروى فيه بإسناده عن الحرمازي - رجل من همدان - قال: قال معاوية لضرار الصدائي: يا ضرار صف لي عليّاً. قال: اعفني يا أمير المؤمنين. قال معاوية: لتصفنّه. قال: أمّا إذ لابدّ من وصفه، فكان(عليه السلام) والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلاً، ويحكم عدلاً يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، ويستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان غزير العبرة، يجيبنا إذا سألناه، وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن والله مع تقريبه إيّانا وقربه منّا لا نكاد نكلّمه هيبة له يعظّم أهل الدين، ويقرّب المساكين لا يطمع القويّ في باطله، ولاييأس الضعيف من عدله، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غرّي غيري إليّ تعرّضت؟ أم إليّ تشوّقت؟ هيهات هيهات. قد باينتكِ ثلاثاً لارجعة فيها، فعمركِ قصير، وخطركِ حقير. آه من قلّة الزاد وبُعد السفر ووحشة الطريق، فبكى معاوية، وقال: كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذُبح ولدها في حجرها.ورواه ابن حجر في كتاب (الصواعق) ص 129.
وكان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل علي بن أبي طالب(رضي الله عنه) عن ذلك، فلما بلغه قتلُه، قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب، فقال له أخوه: لا يسمع هذا أهل الشام، فقال له: دَعْني عنك.
وروى عمّار الذهبي عن أبي الزبير عن جابر، قال: ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ ببغض علي بن أبي طالب.وسئل الحسن بن أبي الحسن البصري عن علي بن أبي طالب، فقال: كان علي والله سهماً صائباً من مرامي الله على عدوّه، وربّانّي هذه الأمّة، وذا فضلها وذا سابقتها، وذا قرابتها من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن بالنومة عن أمر الله، ولا بالملومة في دين الله، ولا بالسروقة لمال الله، أعطى القرآن عزائمه، ففاز منه برياض مونقة ذلك علي بن أبي طالب يالكع.
وذكر السيّد (مرتضى الحسيني) في فضائل الخمسة 2: 261 نقلاً عن سنن البيهقي 10: 269 روى بسنده عن رقبة، قال: خرج يزيد بن أبي مسلم من عند الحجّاج، فقال: لقد قضى الأمير، فقال له الشعبي: وما هي؟ فقال: ما كان للرجل فهو للرجل، وما كان للنساء فهو للمرأة. فقال الشعبي: قضاء رجل من أهل بدر، فقال يزيد بن أبي مسلم: من هو؟ على عهد الله وميثاقه أن لا أخبره ـ يعني: الحجاج ـ قال الشعبي: هو علي بن أبي طالب، قال: فدخل على الحجّاج فأخبره، فقال الحجّاج: صدق... ويحك إنّا لا ننقم على علي قضاءه، قد علمنا أنّ عليّاً أقضاهم.
وفيه نقلاً عن (حلية الأولياء) لأبي نعيم 1: 65 روى بسنده عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يا علي! أخصمك بالنبوّة، ولا نبوّة بعدي، وتخصم الناس بسبع ولا يحاجُّك فيها أحد من قريش: أنت أوّلهم إيماناً بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسويّة، وأعدلهم في الرعيّة، وأبصرهم بالقضيّة، وأعظمهم عند الله مزيّة.
قال الفاضل (حسين الراضي) في كتابه (تتمة المراجعات) ص165: يوجد - يعني الحديث الأنف ذكره - في تاريخ دمشق لابن عساكر 1: 117 وفي (الرياض النضرة) للطبري 1: 262 وفي (مطالب السؤول) 1: 95 ط النجف وفي (شرح النهج) لابن أبي الحديد 2: 451 وفي (المناقب) للخوارزمي الحنفي ص71 وفي (ميزان الاعتدال) 1: 313 وفي (كفاية الطالب) للكنجي الشافعي ص270 ط الحيدريّة وفي ص139 ط الغري وفي (الغدير) للأميني 3: 96 وفي( ينابيع المودّة) للقندوزي الحنفي ص315 ط إسلامبول وفي ص379 ط الحيدرية وفي (منتخب كنز العمّال) لحسام الدين المتقي بهامش مسند الأمام أحمد 5: 34 وفي (فرائد السمطين) 1: 223 و174.
وذكر العالم الفاضل السيّد (مرتضى الحسيني) في فضائل الخمسة 2: 369 نقلاً عن الصواعق لابن حجر قال: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كان جالساً مع جماعة من أصحابه، فجاء خصمان، فقال أحدهما: يا رسول الله إنّ لي حماراً وإنّ لهذا بقرة، وإنّ بقرته قتلت حماري، فبدا رجل من الحاضرين، فقال: لاضمان على البهائم، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): اقضِ بينهما يا علي؟ فقال علي(عليه السلام): أكانا مُرسَلين أو مشدودين؟ أم أحدُهما مشدوداً والآخر مُرسَلا؟ فقالا: كان الحمار مشدوداً والبقرة مرسلة، وصاحبها معها، فقال(عليه السلام): على صاحب البقرة ضمان الحمار.
من كتاب: (البيان الجلي في أفضلية مولى المؤمنين علي- عليه السلام-) للعلاّمة المدقّق السيّد ابن رويش الأندونسي.
بتصرّف.
اترك تعليق