النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وزواج فاطمة (عليها السلام).

1/ذي الحجة / السنة الثانية للهجرة:

  إن السيدة فاطمة الزهراء قد أكملت التاسعة من عمرها و قد تقدم إلى رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الکثیر من الصحابة يطلبون يدها، إلا أن الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) امتنع عن ذلك و صرح بأنه ينتظر فيها قضاء الله (1)، إلى أن تقدم علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، لخطبتها من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقال له: (ياعلي قد ذكرها قبلك رجال، فذكرت ذلك لها، فرأيت الكراهة في وجهها، ولكن على رسلك حتى أخرج اليك)، فلما دخل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) على فاطمة، وأخبرها بالأمر الذي جاء لأجله علي (عليه السلام) سكتت ولم تول وجهها، ولم يرَ فيه الكراهية التي كان يراها في عرض غيره عليها، فقال و هو يقول: (الله أكبر، سكوتها إقرارها)، فخرج إلى علي و موافقة الزهراء بادية على قسائم وجهه، تحكيها ابتسامته المباركة، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم) يا علي هل معك ما أزوجك به؟ فقال عليه السلام: فداك أبي و أمي، والله لا يخفى عليك من أمري شيء، أملك سيفي و درعي و ناضحتي. فقال صلي الله عليه وآله وسلم: ياعلي، أما سيفك فلاغنى بك عنه، تجاهد به في سبيل الله، وتقاتل به أعداء الله، وناضحتك تنضح به على نخلك و أهلك، وتحمل عليه رحلك في سفرك، ولكني قد زوجتك بالدرع، ورضيت بها منك، بع الدرع، وائتني بثمنه(2).

  باع الإمام علي (عليه السلام) الدرع بأربعمئة و ثمانين درهماً، وقيل بخمس مائة(3)، وجاء بالدراهم و طرحها بين يدي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فكان هذا فقط صداق أشرف و أعظم فتاة عرفتها دنيا الانسان.

  ثم إن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قسم المبلغ أثلاثاً، ثلثاً لشراء الجهاز، وثلثاً لشراء الطيب، وثلثاً تركه عند أم سلمة أمانة، ثم رده بعد ذلك إلى علي (عليه السلام) قبيل الزفاف، إعانةً منه لوليمة الزفاف.

  دفع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) الثلث لأبي بكر وسلمان وبلال ليشتروا لفاطمة (عليها لسلام) متاع بيتها، فكان ما اشتروه متواضعاً غاية التواضع، بحيث لما طرح بين يدي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أخذ يقلبها بيده، ثم رفع رأسه إلى السماء، وقال: (اللهم بارك لقوم جُلُّ آنيتهم الخزف) (4).

  ومن السنن النبوية الوليمة عند الزواج، وقد روي عن ابن عباس: إن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) دعا بلالاً فقال: يابلال، إني قد زوجت ابنتي ابن عمي، وأنا أحب أن يكون من سنة أمتي إطعام الطعام عند النكاح، فائت الغنم فخذ شاة و أربعة أمداد أو خمسة، فاجعل لي قصعة لعلي أجمع عليها المهاجرين و الأنصار، فاذا فرغت منها فآتني بها.

  فانطلق ففعل ما أمره، ثم أتاه بقصعة، فوضعها بين يديه، فطعن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في رأسها، ثم قال: أدخل عليّ الناس زفة زفة، ولاتغادرن زفة إلى غيرها(5). فجعل الناس يردون كلما فرغت زفة وردت أخرى حتى فرغ الناس.

  ومن خلال هذه النظرة السريعة لهذا الحدث الكبير في تاريخ الإسلام يمكن استقراء جملة من الدروس التربوية العظيمة التي جعلها النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) معالم للأجيال، يمكن الإشارة إلى أهمها وهي:

أولاً: اختيار علي (عليه السلام) لفاطمة (عليها السلام) – وإن كان في قبل السماء بقوله (صلي الله عليه وآله وسلم): (إن الله أمرني بأن أزوج فاطمة من علي) (6)- لكنه كان وفق ضوابط الإيمان وأهمية كل طرف للطرف الآخر ويدلل ذلك بوضوح على أهمية هذه الضوابط واعتبارها هي الأساس الذي يجب أن تبني عليه أركان الأسرة المسلمة و كيانها.

  ولعلّ في الكلام الذي روي عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): يا فاطمة، أما إني ما آليت أن أنكحتك خير أهلي(7) إشارة إلى لزوم انتخاب الأصلح.

ثانياً: السنن و الدروس النبوية التي طبعت في معالم تشكيل هذه الاسرة المباركة من قلة المهر و إطعام الطعام و إقامة الفرح والسرور و توصية الطرفين أحدهما بالآخر و البساطة في تجهيز أثاث البيت و متطلباته.

 عاش علي و فاطمة (عليهما السلام) على أحسن حال، فلم يشتك علي من فاطمة طيلة حياته معها، وكذلك فاطمة، بل كان كل منهما نعم العون على طاعة الله للآخر، وهناك كثير من النصوص تؤكد هذه الحقيقة، فقد قال علي (عليه السلام) في بيان العلاقة بينهما: (فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزوجل، ولا أغضبتني ولا عصت في أمرا، لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم و الأحزان) (8).

  وجاء في آخر كلام لها مع علي (عليه السلام): (يا بن العم ماعهدتني كاذبة ولاخائنة، ولاخالفتك منذ عاشرتني)، فقال (عليه السلام): (معاذ الله أنتِ أعلم و أبرّ وأتقى و أكرم وأشدّ خوفاً من الله أن أوبخك بمخالفتي) (9).

  لقد كان التناغم و التلاؤم بين الإمام علي و السيدة فاطمة (عليهما السلام) ما تعكسه هاتان العبارتان، وكيف لايكونان كذلك و هما من البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا بنص كتابة العزيز (إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرّجسَ أهلَ البَيتِ وَ يُطَهَّرَكُم تَطهِيراً) (10).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1):انساب الاشراف.

(2):الاصابة للعسقلاني.

(3):بحار الانوار365:43.

(4): بحار الانوار130:43 حديث 32.

(5):اذا فرغت زفة لم تعد ثانية.

(6):ذخائر العقبى:70.

(7):الطبقات الكبرى24:8 .

(8):مناقب الخوارزمي256،وكشف الغمة363:1،وبحار الانوار134:43.

(9):امالي الشيخ الطوسي384:1،وبلاغات النساء لابن طيفور20،وروضة الواعضين151.(10):الاحزاب:الآية 33.

(9):امالي الشيخ الطوسي384:1،وبلاغات النساء لابن طيفور20،وروضة الواعضين151.

(10):الاحزاب:الآية 33.

المرفقات