الامام العاشر:علي بن محمد الهادي_عليه السلام_مختصر من سيرته...

نشأة الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام):

(1) ـ نسبه الشريف:

  هو أبو الحسن علي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط ابن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وهو العاشر من أئمة  أهل البيت (عليهم السلام) .

اُمّه اُم ولد يقال لها سمانة المغربية وعرفت باُمّ الفضل.

 (2) ـ ولادته ونشأته:

  ولد (عليه السلام) للنصف من ذي الحجة أو ثاني رجب سنة اثنتي عشرة أو أربع عشرة ومائتين . 

وكانت ولادته (عليه السلام) في قرية (صريا) التي تبعد عن المدينة ثلاثة أميال.

(3) ـ بشارة الرسول (صلى الله عليه وآله) بولادته:

  وبشرّ الرسول (صلى الله عليه وآله) بولادته في حديث طويل حول الأئمة (عليهم السلام) بقوله:« ... وأن الله ركب في صلبه ـ اشارة إلى الإمام الجواد (عليه السلام) ـ نطفة لا باغية ولا طاغية ، بارّة مباركة ، طيبة طاهرة ، سماها عنده علي بن محمد فألبسها السكينة والوقار ، وأودعها العلوم ، وكل سرّ مكتوم ، من كفيه ، وفي صدره شيء أنبأه به ، وحذره من عدوه...».

(4) ـ كنيته وألقابه:

يكنّى الإمام (عليه السلام) بأبي الحسن ، وتمييزاً له عن الإمامين الكاظم والرضا(عليهما السلام) يقال له أبو الحسن الثالث .

أمّا ألقابه فهي : الهادي ، والنقيّ وهما أشهر ألقابه، والمرتضى ، والفتّاح والناصح ، والمتوكل، وقد منع شيعته من أن ينادوه به لأنّ الخليفة العباسي كان يُلقّب به.

  وفي المناقب ذكر الألقاب التالية : النجيب ، الهادي ، المرتضى ، النقي ، العالم ، الفقيه ، الأمين ، المؤتَمن ، الطيب ، العسكري، وقد عرف هو وابنه بالعسكريين(عليهما السلام)[1].

مراحل حياة الإمام الهادي (عليه السلام):

يمكن تقسيم حياة الإمام الهادي (عليه السلام) التي ناهزت الأربعين سنة إلى مراحل متعددة بلحاظ طبيعة مواقفه وطبيعة الظروف التي كانت تحيط به .

  غير أن التقسيم الثنائي يتواءم والمنهج الذي اتّبعناه في دراسة حياة الأئمة (عليهم السلام) ، والذي يرتكز على تنوّع مسؤولياتهم وأدوارهم بحسب الظروف والملابسات السياسية والاجتماعية التي كانت تحيط بكل واحد منهم ووحدة الهدف الذي يعدّ جامعاً مشتركاً لكل مواقفهم (عليهم السلام) والذي يتمثّل في صيانة الشريعة من التحريف وحفظ الاُمة الإسلامية من الانحراف عن عقيدتها ومبادئها وصيانة دولة الرسول (صلى الله عليه وآله) من التردّي ما أمكن والتمهيد لاستلام زمام الحكم حينما لا يتنافى مع القيم التي شُرّع الحكم من أجل تطبيقها وصيانتها .

  والمرحلة الاُولى من حياة الإمام الهادي (عليه السلام) تتمثّل في الحقبة الزمنية التي عاشها في ظلال إمامة أبيه الجواد(عليه السلام) وهي بين (212 هـ ) إلى (220 هـ ) ويبلغ أقصاها ثمان سنوات تقريباً .

وقد عاصر فيها كلاً من المأمون والمعتصم العباسيين.

  والمرحلة الثانية تتمثل في الفترة الزمنية بين توليه(عليه السلام) لمنصب الإمامة في نهاية سنة (220 هـ ) والى حين استشهاده (عليه السلام) في سنة (254 هـ ) وهي اربع وثلاثون سنة تقريباً .

وقد عاصر في هذه الفترة ستة من ملوك بني العباس، وهم على الترتيب:

1 ـ المعتصـم  (218 ـ 227 هـ ).

2 ـ الـواثـق   (227 ـ  232 هـ ).

3 ـ المتوكـل  (232 ـ 247 هـ ).

4 ـ المنتصـر  (247 ـ 248 هـ ).

5 ـ المستعين  (248 ـ 252 هـ ).

6 ـ المعتــز   (252 ـ 255 هـ ).

  وسوف نتابع المرحلة الاُولى من حياة هذا الإمام العظيم في الفصل الثالث من الباب الثاني، ونقف عند أهم الأحداث التي ترتبط به في فترة حياته في ظل أبيه(عليه السلام) .

وأما المرحلة الثانية من حياته المباركة فسوف ندرس ظروفها ونقف عند ملامحها ومتطلّباتها خلال الأبواب الثلاثة الأخيرة.

مظاهر من شخصية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام):

  لقد تحلّى الإمام الهادي(عليه السلام) بمكارم الأخلاق التي بعث جدّه الرسول الأعظم لتتميمها، واجتمعت في شخصيته كل عناصر الفضل والكمال التي لا يسعنا الاحاطة بها ولا تصويرها، ولكن هذا لا يمنع أن نشير الى جملة من مكارم أخلاقه التي تجلّت في صور من سلوكه. وإليك بعض هذه المكارم التي نصّت عليها كتب السيرة والتاريخ.

 (1) ـ الكرم :

  كان (عليه السلام) من أبسط الناس كفاً ، وأنداهم يداً ، وكان على غرار آبائه الذين أطعموا الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ، وكانوا يطعمون الطعام حتى لا يبقى لأهلهم طعام، ويكسونهم حتى لا يبقى لهم كسوة .

وقد روى المؤرّخون بوادر كثيرة من برّ الإمام الهادي (عليه السلام) واحسانه إلى الفقراء وإكرامه البائسين ، نقتصر منها على ما يلي :

1 ـ وفد جماعة من أعلام الشيعة على الإمام الهادي (عليه السلام) وهم أبو عمرو عثمان بن سعيد ، وأحمد بن اسحاق الأشعري ، وعلي بن جعفر الحمداني ، فشكا إليه أحمد بن اسحاق ديناً عليه ، فالتفت (عليه السلام) إلى وكيله عمرو ، وقال له: ادفع له ثلاثين ألف دينار ، والى علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار ، كما أعطى وكيله مثل هذا المبلغ .

وعلّق ابن شهرآشوب على هذه المكرمة العلوية بقوله : « فهذه معجزة لا يقدر عليها إلاّ الملوك ، وما سمعنا بمثل هذا العطاء »[2].

2 ـ اشترى اسحاق الجلاب لأبي الحسن الهادي (عليه السلام) غنماً  كثيرة يوم التروية ، فقسمها في أقاربه[3].

3 ـ وكان قد خرج من سامراء إلى قرية له ، فقصده رجل من الأعراب ، فلم يجده في منزله فأخبره أهله بأنه ذهب إلى ضيعة له ، فقصده ، ولما مثل عنده سأله الإمام عن حاجته ، فقال بنبرات خافتة: ياابن رسول الله ، أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسّكين بولاية جدّك علي بن أبي طالب ، وقد ركبني فادح ـ أي دين ـ أثقلني حمله ، ولم أرَ من أقصده سواك.

  فرقّ الإمام لحاله ، وأكبر ما توسل به ، وكان (عليه السلام) في ضائقة لا يجد ما يسعفه به ، فكتب (عليه السلام) ورقة بخطّه جاء فيها: أن للأعرابي ديناً عليَّ ، وعيّن مقداره ، وقال له : خذ هذه الورقة ، فإذا وصلت إلى سر من رأى، وحضر عندي جماعة فطالبني بالدين الذي في الورقة ، وأغلظ عليّ في ترك إيفائك ، ولا تخالفني فيما أقول لك. فأخذ الأعرابي الورقة ، ولما قفل الإمام إلى سرّ من رأى حضر عنده جماعة كان فيها من عيون السلطة ومباحث الأمن ، فجاء الأعرابي فأبرز الورقة ، وطالب الإمام بتسديد دينه الذي في الورقة فجعل الإمام(عليه السلام) يعتذر إليه ، والاعرابي يغلظ له في القول ، ولما تفرّق المجلس بادر رجال الأمن إلى المتوكل فأخبروه بالأمر فأمر بحمل ثلاثين ألف درهم إلى الإمام فحملت له ، ولما جاء الأعرابي قال له الإمام(عليه السلام):

« خذ هذا المال واقضِ منه  دينك ، وانفق الباقي على عيالك وأهلك واعذرنا. . . ».

  وأكبر الاعرابي ذلك ، وقال للامام : ان ديني يقصر على ثلث هذا المبلغ. فأبى الإمام(عليه السلام) أن يستردّ منه من الثلاثين شيئاً ، فولّى الاعرابي وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته[4].

(2)ـ الزهد :

  لقد عزف الإمام الهادي(عليه السلام) عن جميع مباهج الحياة ومتعها وعاش عيشة زاهدة إلى أقصى حدّ ، لقد واظب على العبادة والورع والزهد ، فلم يحفل بأي مظهر من مظاهر الحياة ، وآثر طاعة الله على كل شيء ، وقد كان منزله في يثرب وسرّ من رأى خالياً من كل أثاث ، فقد داهمت منزله شرطة المتوكل ففتّشوه تفتيشاً دقيقاً فلم يجدوا فيه شيئاً من رغائب الحياة ، وكذلك لما فتّشت الشرطة داره في سرّ من رأى، فقد وجدوا الإمام في بيت مغلق ، وعليه مدرعة من شعر وهو جالس على الرمل والحصى ، ليس بينه وبين الأرض فراش [5] .

(3) ـ العمل في المزرعة :

  وتجرّد الإمام العظيم من الأنانية ، حتى ذكروا إنّه  كان يعمل بيده في أرض له لإعاشة عياله ، فقد روى عليّ بن حمزة حيث قال : «رأيت أبا الحسن الثالث يعمل في أرض وقد استنقعت قدماه من العرق فقلت له : جعلت فداك أين الرجال ؟

فقال الإمام : يا علي قد عمل بالمسحاة من هو خير منّي ومن أبي في أرضه .

قلت: من هو ؟

قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين وآبائي كلّهم عملوا بأيديهم ، وهو من عمل النبيّين والمرسلين والأوصياء الصالحين» [6] .

(4) ـ العبادة :

إنّ الاقبال على الله والإنابة إليه واحياء الليالي بالعبادة ومناجاة الله وتلاوة كتابه هي السّمة البارزة عند أهل البيت(عليهم السلام).

  أما الإمام الهادي (عليه السلام) فلم يرَ الناس في عصره مثله في عبادته وتقواه وشدّة تحرّجه في الدين ، فلم يترك نافلة من النوافل إلاّ أتى بها ، وكان يقرأ في الركعة الثالثة من نافلة المغرب سورة الحمد وأول سورة الحديد إلى قوله تعالى : ( عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ  ) وفي الركعة الرابعة سورة الحمد وآخر سورة الحجرات [7] .

(3)ـ من تراثه الفقهي:

1 ـ عن خيران الخادم قال : كتبت إلى الرّجل ـ أيّ الإمام ـ صلوات الله عليه أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلّى فيه أم لا ؟ فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : صلّ فيه فإن الله إنما حرّم شربها وقال بعضهم : لا تصلّ فيه ، فكتب (عليه السلام) : لا تصلّ فيه فإنه رجسٌ[8].

2 ـ سأل داود بن أبي زيد أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن : القراطيس والكواغذ المكتوبة عليها هل يجوز عليها السجود ؟ فكتب : يجوز [9].

3 ـ عن أيوب بن نوح قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عن المغمى عليه يوماً أو أكثر هل يقضي ما فاته أم لا ؟ فكتب (عليه السلام) : لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة[10].

4 ـ عن علي بن مهزيار قال : كتبت إليه : يا سيدي رجل دفع إليه مال يحجّ فيه ، هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس أو على ما فضل في يده بعد الحج ؟ فكتب (عليه السلام) : ليس عليه الخمس[11].

موقف الإمام الهادي (عليه السلام) من مسألة خلق القرآن اللتي اثارها (الواثق) وقد سفكت بها دماء كثيرة:

  لقد عمت الاُمة فتنة كبرى زمن المأمون والمعتصم والواثق بامتحان الناس بخلق القرآن وكانت هذه المسألة مسألة يتوقف عليها مصير الاُمة الإسلامية ، وقد بيّن الإمام الهادي (عليه السلام) الرأي السديد في هذه المناورة السياسية التي ابتدعتها السلطة فقد روي عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطين أنه قال: كتب علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) إلى بعض شيعته ببغداد :

  «بسم الله الرحمن الرحيم، عصمنا الله واياك من الفتنة فإن يفعل فاعظم بها نعمة وإلاّ يفعل فهي الهلكة. نحن نرى ان الجدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب فتعاطى السائل ما ليس له وتكلف المجيب ما ليس عليه ، وليس الخالق إلاّ الله وما سواه مخلوق ، والقرآن كلام الله لا تجعل له اسماً من عندك فتكون من الضالّين. جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون »[12].

استشهاد الإمام الهادي(عليه السلام):

  ظلّ الإمام الهادي(عليه السلام) يعاني من ظلم الحكّام وجورهم حتّى دُسّ إليه السمّ كما حدث لآبائه الطّاهرين، وقد قال الإمام الحسن(عليه السلام) : ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم[13].

وقال سراج الدين الرفاعي في صحاح الأخبار: «وتوفي شهيداً بالسم في خلافة المعتز العباسي...».

  وقال محمد عبدالغفار الحنفي في كتابه ائمة الهدى: فلما ذاعت شهرته(عليه السلام) استدعاه الملك المتوكل من المدينة المنوّرة حيث خاف على ملكه وزوال دولته .. وأخيراً دسّ إليه السمّ...»[14].

والصحيح أن المعتز هو الذي دسّ إليه السمّ وقتله به .

  قال المسعودي: واعتلّ أبو الحسن (عليه السلام) علّته التي مضى فيها فأحضر أبا محمّد ابنه(عليه السلام) فسلّم إليه النّور والحكمة ومواريث الأنبياء والسّلاح[15].

ونصّ عليه وأوصى إليه بمشهد من ثقات أصحابه ومضى(عليه السلام) وله أربعون سنة[16].

تاريخ استشهاده(عليه السلام):

اختلف المؤرّخون في يوم استشهاده(عليه السلام) ، كما اختلفوا في مَن دسّ إليه السمّ.

  والتحقيق أنّه(عليه السلام) استشهد في أواخر ملك المعتزّ كما نصّ عليه غير واحد من المؤرّخين، وبما أنّ أمره كان يهمّ حاكم الوقت، وهو الذي يتولّى تدبير هذه الاُمور كما هو الشأن، فإنّ المعتزّ أمر بذلك، ويمكن أنّه استعان بالمعتمد في دسّ السمّ إليه.

وأما المفيد في الإرشاد، والإربلي في كشف الغمّة، والطبرسي في إعلام الورى، فقالوا: قبض(عليه السلام) في رجب، ولم يحدّدوا يومه[17].

  وقال أبو جعفر الطوسي في مصابيحه، وابن عيّاش ، وصاحب الدّروس: إنّه قبض بسرّ من رأى يوم الاثنين ثالث رجب[18]; ووافقهم الفتّال النيسابوري في روضة الواعظين حيث قال: توفّي(عليه السلام) بـ (سرّ من رأى) لثلاث ليال خلون نصف النّهار من رجب[19]; وللزرندي قول: بأنّه توفي يوم الاثنين الثالث عشر من رجب[20].

ولكن الكلّ متّفقون على أنّه استشهد في سنة أربع وخمسين ومائتين للهجرة[21].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] المناقب : 4 / 432 .

[2] المناقب: 4/409 .

[3] مناقب آل أبي طالب: 4 / 443.

[4] الاتحاف بحبّ الاشراف: 176 . والفصول المهمة لابن الصباغ : 274. والصواعق المحرقة: 312.

[5] اُصول الكافي:1/499 وعنه في الارشاد: 2/302، 303 وعن الكليني في اعلام الورى: 2/119. والفصول المهمة: 377.

[6] كتاب من لا يحضره الفقيه: 3 / 162 .

[7] وسائل الشيعة: 4/750 .

[8[الكافي :]  3 / 405 .

[9] من لا يحضره الفقيه : 1 / 270 .

[10] تهذيب الاحكام : 4 / 243 .

[11] الكافي : 1 / 547 .

 [12] أمالي الشيخ الصدوق : 489 .

[13] بحار الأنوار : 27/216 ، ح 18.

[14] راجع : الإمام الهادي من المهد الى اللحد: 509 ـ 510.

[15]  إثبات الوصيّة: 257.

[16] بحار الأنوار: 50/210.

[17] الدمعة الساكبة: 8/226 و 227، اعلام الورى: 339، كشف الغمة 2: 376.

[18] الدمعة الساكبة: 8/225 ، بحار الأنوار: 50/206، ح 17.

[19] روضة الواعظين : 1/246.

[20] الدمعة الساكبة : 8/226.

[21] راجع: لمحات من حياة الإمام الهادي(عليه السلام) : 112 ـ 120 محمد رضا سيبويه.