الاِمام الخامس : محمّد بن علي الباقر - عليه السّلام- ( 57 ـ 114هـ)مختصر من سيرته . هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي، الهاشمي، خامس أئمة أهل البيت الطاهر، أبو جعفر باقر العلم و جامعه و شاهر علمه و رافعه. وأمه فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب، قال الإمام الصادق عليه السلام في حقها : "كانت صديقة، لم تدرك في آل الحسن امرأة مثلها" [1] . ولد الإمام الباقر عليه السلام بالمدينة المنورة في مطلع رجب، وقيل في الثالث من صفر سنة سبع وخمسين [2]، وقيل: ست وخمسين. كنيته وألقابه عليه السلام : و كنيته أبو جعفر، وأما ألقابه فعديدة منها باقر العلم و الشاكر والهادي والصابر، وأشهرها الباقر و سمي بذلك لتبقره في العلم و هو توسعه فيه. باقر علوم الأولين والآخرين : روى الشيخ الصدوق - في العلة التي من أجلها سمى أبو جعفر محمد بن على عليه السلام الباقر - عن عمرو بن شمر قال: سألت جابر بن يزيد الجعفي فقلت له لم سمي الباقر باقرا؟ قال: لأنه بقر العلم بقرا - أى شقه شقا واظهره إظهارا ولقد حدثني جابر بن عبدالله الأنصاري انه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يا جابر إنك ستبقى حتى تلقى ولدى محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابى طالب المعروف في التوراة بباقر فاذا لقيته فاقرأه منى السلام، فلقيه جابر بن عبدالله الأنصاري في بعض سكك المدينة فقال له يا غلام من أنت؟ قال: انا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابى طالب، قال له جابر يا بني إقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر، فقال : شمائل رسول الله ورب الكعبة، ثم قال يا بنى رسول الله يقرؤك السلام فقال على رسول الله صلى الله عليه وآله السلام مادامت السماوات والارض وعليك يا جابر بما بلغت السلام فقال له جابر يا باقر أنت الباقر حقا أنت الذي تبقر العلم بقرا ثم كان جابر يأتيه فيجلس بين يديه فيعلمه وبما علط جابر فيما يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وآله فيرد عليه ويذكره فيقبل ذلك منه ويرجع إلى قوله وكان يقول ياباقر يا باقر يا باقر أشهد بالله إنك قد أوتيت الحكم صبيا[3]. وقد شهد علماء الفرق الإسلامية الأخرى بالمنزلة العلمية للإمام الباقر عليه السلام: 1 ـ قال عبد الله بن عطاء المكي : ما رأيت العلماء عند أحد قطّ أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة ـ مع جلالته في القوم ـ بين يديه كأنه صبي بين يدي معلّمه [4]. 2 ـ قال الحكم بن عتيبة في قوله تعالى: (إن في ذلك لآيات للمتوسمين): كان والله محمد بن علي منهم [5]. 3 ـ كتب عبد الملك بن مروان الى عامل المدينة: ابعث إليّ محمد بن علي مقيّداً. فكتب إليه العامل : ليس كتابي هذا خلافاً عليك يا أمير المؤمنين، ولا ردّاً لأمرك، ولكن رأيت أن اُراجعك في الكتاب نصيحة لك، وشفقة عليك. إنّ الرجل الذي أردته ليس اليوم على وجه الأرض أعفّ منه ولا أزهد ولا أورع منه، وإنّه من أعلم الناس، وأرقّ الناس، وأشدّ الناس اجتهاداً وعبادة، وكرهت لأمير المؤمنين التعرض له فـ (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم). فَسُرّ عبد الملك بما أنهى إليه الوالي وعلم أنّه قد نصحه[6]. 4 ـ قال له قتادة بن دعامة البصري: لقد جلست بين يدي الفقهاء، وقدّام ابن عباس، فما اضطرب قلبي قدّام أحد منهم ما اضطرب قدّامك[7]. 5 ـ قال له عبد الله بن معمر الليثي: ما أحسب صدوركم إلاّ منابت أشجار العلم، فصار لكم ثمره وللناس ورقه[8]. 6 ـ قال شمس الدين محمد بن طولون: أبو جعفر محمد بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ، الملقّب بالباقر، وهو والد جعفر الصادق رضي الله عنهما، كان الباقر عالماً، سيداً كبيراً، وإنما قيل له الباقر لأنه تبقّر في العلم، أي توسّع، والتبقير التوسيع، وفيه يقول الشاعر : يا باقر العلم لأهل التقى***وخير من لبّى على الأجبُل[9] 7 ـ قال محمد بن طلحة الشافعي: هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه، ومنمّق درّه وواضعه. صفا قلبه، وزكا علمه، وطهرت نفسه، وشرفت أخلاقه، وعمرت بطاعة الله أوقاته، ورسخت في مقام التقوى قدمه، وظهرت عليه سمات الازدلاف، وطهارة الاجتباء[10]. 8 ـ قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: كان محمد بن علي بن الحسين سيد فقهاء الحجاز، ومنه ومن ابنه جعفر تعلّم الناس الفقه[11]. 9 ـ قال أبو نعيم الإصبهاني: الحاضر الذاكر، الخاشع الصابر، أبو جعفر، محمد بن علي الباقر، كان من سلالة النبوة، ومن جمع حسب الدين والابوة، تكلم في العوارض والخطرات، وسفح الدموع والعبرات، ونهى عن المراء والخصومات[12]. 10 ـ قال أحمد بن يوسف الدمشقي القرماني: منبع الفضائل والمفاخر، الإمام محمد بن علي الباقر (رضي الله عنه)، وإنما سمي بالباقر لانه بقر العلم، وقد قيل: لقب بالباقر لما روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): يا جابر يوشك أن تلحق بولد من ولد الحسين، اسمه كاسمي يبقر العلم بقراً، أي يفجره تفجيراً، فإذا رأيته فاقرأه مني السلام. وكان خليفة أبيه من بين إخوته، ووصيه والقائم بالإمامة من بعده[13]. 11 ـ قال علي بن محمد بن أحمد المالكي ـ المعروف بابن الصباغ ـ : وكان محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) مع ما هو عليه من العلم والفضل والسؤدد والرياسة والامامة، ظاهر الجود في الخاصة والعامة، ومشهور الكرم في الكافة، معروفاً بالفضل والاحسان مع كثرة عياله وتوسط حاله[14]. 12 ـ قال ابن خلّكان: أبو جعفر محمد بن علي زين العابدين بن الحسين ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين الملقب بالباقر، أحد الأئمة الاثني عشر... وكان الباقر عالما سيداً كبيراً[15]. 13 ـ قال أحمد بن حجر: وارثه ـ أي وارث الإمام زين العابدين ـ منهم عبادة وعلماً، وزهادة ابو جعفر محمد الباقر سمي بذلك من بقر الأرض، أي شقها وأثار مخبّآتها ومكامنها، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف، ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة، أو فاسد الطينة والسريرة; ومن ثمّ قيل فيه: هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه، صفا قلبه، وزكا علمه وعمله، وطهرت نفسه، وشرف خلقه، وعمرت أوقاته بطاعة الله. وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين. وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة وكفاه شرفاً أنّ ابن المديني روى عن جابر أنّه قال له ـ وهو صغير ـ : رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسلّم عليك، فقيل له: وكيف ذلك؟ قال : كنت عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) جالساً، والحسين في حجره وهو يداعبه، فقال: يا جابر يولد له مولود اسمه علي، إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيد العابدين فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمد، فاذا أدركته يا جابر فاقرأه مني السلام[16]. 14 ـ قال محمد أمين البغدادي السويدي: لم يظهر عن أحد من أولاد الحسين من علم الدين والسنن والسير وفنون الأدب، ما ظهر عن أبي جعفر(رضي الله عنه)[17]. وقد عاش الباقر - عليه السّلام- في مطلع صباه، المحنة الكبرى التي مرّت على أهل البيت في كربلاء، وقتل فيها جده الاِمام الحسين - عليه السّلام- ، وإخوته وأنصاره، وشاهد بعدها المصائب التي حلّت بأهل البيت، ومحبيهم من الحكام الطغاة الذين اتّبعوا الشهوات، واستباحوا الحرمات، وعلَوْا في الاَرض، وأفسدوا فيها، فاتجه الاِمام في ذلك الجو المشحون بالظلم إلى الدفاع عن مبادىَ الاِسلام، ونشر تعاليمه، فالتفّ حول الاِمام الآلاف من العلماء، وطلاب العلم لدراسة الفقه، والحديث، والتفسير، والفلسفة، والكلام، وغير ذلك من العلوم حتى أُطلق على تلك الحلقات التي كانت تجتمع في مسجد المدينة اسم الجامعة، التي نمت وتكاملت في عهد ولده الاِمام جعفر الصادق - عليه السّلام- وقيل: شاء اللّه لمذهب أهل البيت وفقههم، فقه علي بن أبي طالب - عليه السّلام- الذي أخذه عن الرسول بلا واسطة، أن ينسبا إلى حفيده جعفر بن محمد الصادق، الذي اشترك مع أبيه في تأسيسها، واستقل بها بعد وفاته، لا لاَنّ له رأياً في أُصول المذهب أو فقهه، يختلف فيهما عن آبائه وأحفاده، وهو القائل: «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث رسول اللّه» وحديث رسول اللّه هو قول اللّه، لالذلك، بل لاَنّه وأباه تهيأ لهما مالم يتهيأ لغيرهما، واستطاعا في تلك الفترة القصيرة المشحونة بالاَحداث التي كانت كلّها لصالحهما، أن يملآ شرق الاَرض وغربها، بآثار أهل البيت وفقههم، ويحقّقا ما لم يتيسر تحقّقه لمن سبقهما، ومن جاء بعدهما، لذلك نُسبا إلى الاِمام الصادق، كما يبدو ذلك لكل من تتبع آراء أهل البيت في فقههم ومعتقداتهم.[18] . وقُبض عليه السلام سنة أربع عشرة ومائة من ذي الحجّة، وقيل : في شهر ربيع الأول، وقد تمّ عمره سبعاً وخمسين سنة. وقبره بالبقيع من مدينة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى جانب أبيه زين العابدين عليه السلام وعمّ أبيه الحسن بن عليّ عليهما السلام. فعاش عليه السلام مع جدّه الحسين عليه السلام أربع سنين، ومع أبيه تسعاً وثلاثين سنة، وكانت مدّة إمامته ثماني عشرة سنة . وكان في أيّام إمامته بقيّة ملك الوليد بن عبدالملك ، وملك سليمان بن عبدالملك ، وعمر بن عبدالعزيز، ويزيد بن عبدالملك، وهشام بن عبدالملك ، وتوفي عليه السلام في ملكه [19]. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1]- الكافي الكليني /ج 1 / ص 687 / باب مولد ابي جعفر محمد بن علي عليه السلام [2]- نفس المصدر . [3]- علل الشرائع - للشيخ الصدوق / ج 1 / ص 317/ العلة (168) . [4]- بحار الانوار/ ج 11 / ص 82. [5]- كشف الغمة /ص 212. [6]- ائمتنا / ج 1 / ص 396، عن اعيان الشيعة / 4 ق2 / 85 . [7]- في رحاب أئمة أهل البيت / 4 / 10. [8]- كشف الغمة / ص 221. [9]- الائمة الاثنا عشر/ ص 81 . [10]- مطالب السؤول/ ص 80 ، كشف الغمة / ج 2/ ص329 . [11]- المدخل الى موسوعة العتبات المقدسة 201. [12]- حلية الأولياء: 3 / 180. [13]- اخبار الدول /ص 111. [14]- الفصول المهمة / ص 201. [15]- وفيات الاعيان: 3 / 314. [16]- الصواعق المحرقة/ ص 305. [17]- سبائك الذهب: 72. [18]- موسوعة أصحاب الفقهاء / ج 1 / ص 262 . [19]- اعلام الورى بأعلام الهدى – للشيخ الطبرسي / ص 264 .
اترك تعليق