الاِمام الرابع : علي زين العابدين - عليه السّلام- ( 38 ـ 94هـ) مختصر من سيرته علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، رابع أئمة أهل البيت الطاهر، أبو محمد القرشي، الهاشمي . زين العابدين قدوة الزاهدين وسيد المتقين وإمام المؤمنين، أشرقت لديه أنوار التأييد فاهتدى بها وألفته أوراد العبادة فأنس بصحبتها وحالفته وظائف الطاعة فتحلو بحليتها طال ما اتخذ سهره مطية ركبها لقطع طريق الآخرة وظمأ الهواجر دليلا استرشد به في مسافة المسافرة وله من الخوارق والكرامات ما شوهد بالأعين الباصرة و ثبت بالآثار المتواترة و شهد له أنه من ملوك الآخرة [1] ولد بالمدينة المنورة في الخامس من شعبان، سنة ثمان وثلاثين من الهجرة، فبقي مع جده أمير المؤمنين عليه السلام سنتين ومع عمه الحسن عليه السلام اثني عشر سنة، ومع أبيه الحسين عليه السلام ثلاثا وعشرين سنة، وبعد أبيه أربعا وثلاثين سنة وتوفي بالمدينة سنة خمس وتسعين من الهجرة وله يومئذ سبع وخمسون سنة، كان إمامته أربعا وثلاثين سنة ودفن بالبقيع مع عمه الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام [2] . ومن ألقابه : زين العابدين، والسّجاد، وذو الثفنات [3]، وأشهرها زين العابدين، وبه كان يُعرف. روى الزهري عن جابر بن عبد الله ، قال: كنت عند رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - ، فدخل عليه الحسين بن عليّ، فضمه إليه، وقبّله، وأقعده إلى جنبه، ثم قال: يولد لابني هذا ابن يقال له علي، إذا كان يوم القيامة، نادى منادٍ من بُطنان العرش: ليقم سيد العابدين، فيقوم فيه على بن الحسين عليه السلام .[4] ولقد حضر الإمام زين العابدين عليه السلام واقعة كربلاء، وشاهد مصارع أبيه وإخوته وأعمامه، وقد أقعده المرض في تلك الاَيام عن القتال ليبقيه الله تعالى مناراً للإسلام بعد أبيه ويكمل مسيرة جده وأبيه، حتى لا تخلو الأرض من حجة . وكان دور الإمام عليه السلام إكمال عملية التغيير التي سعى فيها أبيه الحسين عليه السلام، فلم يترك مناسبة دون أن يذكّر بالمصائب التي حلّت بأهل البيت، حملة الاِسلام المخلصين، ممّا أدّى إلى تحفيز وإلهاب الشعور بالاِثم الذي أحسّه المسلمون عقب مقتل الحسين - عليه السّلام- ، لتقاعسهم عن نصرته، وموقفهم المتخاذل منه. فتوالت الثورات حتى زعزعت أركان الحكم الاَموي، وأسقطته في نهاية المطاف. ولجأ زين العابدين - عليه السّلام- إلى اسلوب آخر لاِصلاح المجتمع، وهو أسلوب الدعاء، فترك لنا ثروة زاخرة من الاَدعية المعروفة بـ «الصحيفة السجادية»، التي عالجت مختلف أدواء النفس البشرية، وتضمنت حلاً لكثير من المشاكل الاجتماعية، وزخرت بالعديد من الاَساليب التربوية، كل ذلك في أسلوب رائع يشدّ الاِنسان إلى خالقه، ويعمّق ارتباطه الروحي به. وللاِمام - عليه السّلام- أيضاً «رسالة الحقوق» ، التي تشتمل على خمسين مادة، بيّن فيها حقّ اللّه تعالى، وحق الوالد، وحق الولد، وحق المعلم، وحق اللسان، وحق السمع، وغيرها من الحقوق. [5] عبادته عليه السلام عن سعيد بن كلثوم، قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليه السلام، فذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فأطراه ومدحه بما هو أهله، ثم قال: والله ما أكل علي ابن أبي طالب من الدنيا حراما قط حتى مضى لسبيله، وما عرض له أمران قط هما لله رضا إلا أخذ بأشدهما عليه في دينه، وما نزلت برسول الله صلى الله عليه وآله نازلة قط إلا دعاه ثقة به، وما أطاق عمل رسول الله صلى الله عليه وآله من هذه الامة غيره، وإن كان ليعمل عمل رجل كأن وجهه بين الجنة والنار، يرجو ثواب هذه ويخاف عقاب هذه ... وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبها به في لباسه وفقهه من علي بن الحسين عليه السلام، ولقد دخل أبو جعفر عليه السلام ابنه عليه فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه وقد اصفر لونه من السهر، ورمضت عيناه من البكاء [أي احترقت]، ودبرت جبهته، وانخرم أنفه من السجود، وقد ورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة، فقال أبو جعفر عليه السلام: فلم أملك حين رأيته بتلك الحال البكاء، فبكيت رحمة له، فإذا هو يفكر، فالتفت إلي بعد هنيئة من دخولي فقال: يا بني أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي ابن أبي طالب عليه السلام فأعطيته فقرأ فيها شيئا يسيرا، ثم تركها من يده تضجرا وقال: من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام . وعن عبد الله بن محمد القرشي، قال: كان علي بن الحسين عليه السلام إذا توضأ اصفر لونه، فيقول له أهله: ما الذي يغشاك ؟ فيقول: أتدرون لمن أتأهب للقيام بين يديه ؟ [6] . جاء في المناقب : حج هشام بن عبد الملك فلم يقدر على الاستلام من الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين عليه السلام وعليه إزار ورداء، من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة، بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس حتى يستلمه هيبة له، فقال شامي: من هذا يا أمير المؤمنين ؟ فقال : لا أعرفه، لئلا يرغب فيه أهل الشام فقال الفرزدق وكان حاضرا: لكني أنا أعرفه، فقال الشامي: من هو يا أبا فراس ؟ فأنشأ قصيدة .. يا سائلي أين حل الجود والكرم ؟ عندي بيان إذا طلابه قدموا : هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم هذا الذي أحمد المختار والده صلى عليه إلهي ما جرى القلم لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه لخر يلثم منه ما وطى القدم هذا علي رسول الله والده أمست بنور هداه تهتدي الامم هذا الذي عمه الطيار جعفر والمقتول حمزة ليث حبه قسم هذا ابن سيدة النسوان فاطمة وابن الوصي الذي في سيفه نقم إذا رأته قريش قال قائلها إلى مكارم هذا ينتهي الكرم يكاد يمسكة عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم وليس قولك: من هذا ؟ بضائره العرب تعرف من أنكرت والعجم ينمى إلى ذروة العز التي قصرت عن نيلها عرب الاسلام والعجم [7] ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1]- كشف الغمة / ج 3 / ص 69 . [2]- ينظر : الإرشاد - للشيخ المفيد / ص 317 . [3]- تاج المواليد – للشيخ الطبرسي / ص 37. [4]- جاء في تسميته بذي الثفنات عن الباقر - عليه السّلام- قال: « كان أبي في موضع سجوده آثار ناتئة فكان يقطعها في السنة مرتين في كل مرة خمس ثفنات فسمي ذو الثقنات ». (مناقب آل ابي طالب / ج 3 / ص 358) [5]- ينظر : موسوعة أصحاب الفقهاء / ج 1 / ص 256 . [6]- الإرشاد - للشيخ المفيد / ص 320 . [7]- بحار الأنوار - للعلامة المجلسي / ج 46 / ص 125 .
اترك تعليق