الاِمام الثالث : الحسين الشهيد - عليه السّلام- (4 ـ 61 هـ) مختصر من سيرته .. هو الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، أبو عبد اللّه القرشي الهاشمي، المدني، ثالث أئمة أهل البيت الطاهر، سبط الرسول - صلّى اللّه عليه وآله - وريحانته، وسيد شباب أهل الجنة، وأحد الخمسة أصحاب الكساء . ولد في الثالث من شعبان سنة أربع للهجرة، وجيء به إلى النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - فأذّن في أُذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، وعقّ عنه بكبش، وسمّاه حسيناً. وقد أحبّه جدُّه المصطفى - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - حبّاً جمّاً، وغمره بعطفه وحنانه. وقد رويت في حقّه أحاديث كثيرة، منها: 1 قال النبي - صلّى اللّه عليه وآله - : «حسين مني وأنا من حسين، أحبّ اللّه من أحبّ حسيناً، حسين سبط من الاَسباط» [1] . 2ـ وقال صلّى اللّه عليه وآله في الحسنين عليهما السلام ـ: «هما ريحانتاي من الدنيا» [2] . 3 ـ وقال صلّى اللّه عليه وآله أيضاً : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة» [3] . 4 ـ وقال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أيضاً : «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا» [ 4] . 5 ـ وقال صلى الله عليه وآله أيضاً: «اللهمّ إنّك تعلم أنّي أُحبُّهما فأحبَّهما»[5] . 6- وقال صلّى اللّه عليه وآله أيضاً «الحسن والحسين ابناي، من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة، ومن أبغضهما أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار»[6] . ولقد جمع الحسين - عليه السّلام- أكرم الصفات وأحسن الاَخلاق وأجل الفضائل علماً وزهادة وعبادة وشجاعة وسماحة وسخاءً وإباءً للضيم، ومقاومة للظلم. ولما توفي الإمام الحسن عليه السلام في السنة الخمسين من الهجرة أوصى إليه بالإمامة فاجتمعت الشيعة حوله، يرجعون إليه في حلهم وترحالهم، وكان لمعاوية عيون في المدينة يكتبون إليه ما يكون من الأحداث المهمة التي لا توافق هوى السلطة الأموية المنحرفة، والتي قد تؤلف خطرا جديا على وجودها غير المشروع، ولقد كان هم هذه السلطة هو الإمام الحسين (عليه السلام) لما يعرفونه عنه من موقف لا يلين ولا يهادن في الحق، ومن هنا فقد كتب مروان بن الحكم - وكان عامل معاوية على المدينة -: إن رجالا من أهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن علي وأنه لا يأمن وثوبه، ولقد بحثت عن ذلك فبلغني أنه لا يريد الخلاف يومه هذا، ولست آمن أن يكون هذا أيضا لما بعده. ولما بلغ الكتاب إلى معاوية كتب رسالة إلى الحسين وهذا نصها: أما بعد، فقد انتهت إلي أمور عنك إن كانت حقا فإني أرغب بك عنها، ولعمر الله إن من أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء، وإن أحق الناس بالوفاء من كان في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله لها... [7] . ولما وصل الكتاب إلى الحسين بن علي، كتب إليه رسالة مفصلة ذكر فيها جرائمه ونقضه ميثاقه وعهده، نقتبس منها ما يلي: " ألست قاتل حجر بن عدي أخا كندة وأصحابه المصلين، العابدين، الذين ينكرون الظلم، ويستفظعون البدع، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ولا يخافون في الله لومة لائم، ثم قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلظة والمواثيق المؤكدة، ولا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم، جرأة على الله واستخفافا بعهده؟ أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله، العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه واصفر لونه، فقتلته بعد ما أمنته وأعطيته العهود ما لو فهمته العصم لنزلت من شعف الجبال [أي قممها]. أو لست المدعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد بن ثقيف فزعمت أنه ابن أبيك، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " الولد للفراش وللعاهر الحجر "، فتركت سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) تعمدا وتبعت هواك بغير هدي من الله، ثم سلطته على أهل الإسلام يقتلهم، ويقطع أيديهم وأرجلهم، ويسمل أعينهم، ويصلبهم على جذوع النخل، كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك. أولست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنهم على دين علي - صلوات الله عليه - فكتبت إليه: أن اقتل كل من كان على دين علي، فقتلهم ومثل بهم بأمرك، ودين علي هو دين ابن عمه (صلى الله عليه وآله) الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك، وبه جلست مجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين رحلة الشتاء والصيف " [8] . روى الموَرخون أنّه لما مات معاوية لم يكن ليزيد همّ حين ولي إلاّ بيعة النفر الذين أبوْا على أبيه الاِجابة إلى بيعته، فكتب إلى والي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان أن يأخذ الحسين - عليه السّلام- وابن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً، فامتنع الحسين، وسار إلى مكة ومعه أخوته وبنو أخيه وجلّ أهل بيته، فوجّه أهل الكوفة بكتبهم ورسلهم إلى الحسين - عليه السّلام- يدعونه إليهم، فبعث إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب، فنزل دار المختار الثقفي، وأقبلت الناس على مسلم، فبايعه منهم ثمانية عشر ألفاً، فكتب مسلم إلى الحسين بالاِقبال إلى الكوفة، وجعل الناس يختلفون إلى مسلم حتى عُلم مكانه، فبلغ النعمان بن بشير ذلك ـ وكان والياً على الكوفة من قبل معاوية، فأقرّه يزيد ـ فخطب الناس وحذرهم الخلاف، فاتهمه عبد اللّه بن مسلم بن سعيد الحضرمي أحد أعوان الاَمويين بالضعف، وكتب إلى يزيد بإرسال رجل قوي، فكتب يزيد إلى عبيد اللّه ابن زياد عهداً بولاية الكوفة، فلما دخل ابن زياد الكوفة خطب الناس وتوعّد العاصي بالعقوبة والمطيع بالاِحسان، فلما سمع مسلم بمجيء ابن زياد انتقل إلى دار هانىَ بن عروة المرادي، وكان أحد زعماء الشيعة ومن أشراف العرب، ثم حصلت أحداث كبيرة انتهت بمقتل هانىَ بن عروة، وتفرُّق الناس عن مسلم، وبقائه وحيداً، ثم القبض عليه وقتله. وكان الاِمام الحسين - عليه السّلام- قد عزم على الخروج من مكة في الثامن من ذي الحجة سنة (60 هـ)، والتوجّه إلى العراق، ولم يكن بلغه قتل مسلم، لاِنّ مسلماً قتل في ذلك اليوم الذي خرج فيه، وكان قد أشار على الحسين - عليه السّلام- جماعة منهم ابن عباس وابن الحنفية وابن عمر في أن لا يخرج، فرفض الحسين كل دعوة منهم للقعود وعدم التحرك، وسار نحو العراق، فلما وصل إلى الثعلبية أتاه نبأ استشهاد مسلم وهانىَ، ولكن ذلك لم يَثنِهِ عن عزمه، فسار حتى لقيته طلائع الجيش الاَموي بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي [9] فاعترضه، وضيّق عليه، واضطره للنزول، فسأل الحسين - عليه السّلام- عن اسم هذه الاَرض، فقيل له أرض الطف، فقال: هل لها اسم غير هذا؟ قيل: اسمها كربلاء، فقال: «اللهم أعوذ بك من الكرب والبلاء». ثم قال: «ها هنا محطّ رحالنا، ومسفَك دمائنا، وهاهنا محل قبورنا، بهذا حدثني جدي رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - » وكان نزول الحسين - عليه السّلام- في كربلاء في يوم الخميس الثاني من المحرم سنة إحدى وستين، فبلغ ذلك ابن زياد، فأرسل جيشاً كبيراً بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص، فنزل على مقربة من الحسين - عليه السّلام- ، ثم اتبعه ابن زياد بجيوش أُخرى، وبقي المعسكران في ذلك الموضع حتى العاشر من المحرم، اليوم الذي وقعت فيه الجريمة بقتل الحسين -عليه السّلام- والصفوة الاَخيار من أهل بيته وأصحابه الميامين. وقد نقل الموَرخون وأرباب المقاتل تفاصيل تلك الملحمة الكبرى، والبطولات الفذّة التي أبداها الاِمام الحسين وأنصاره البررة في سبيل نصرة الحق، وإعلاء كلمة اللّه. وقال ابن أبي الحديد وهو يتحدث عن الحسين - عليه السّلام- : سيّد أهل الاِباء الذي علَّم الناس الحمية، والموت تحت ظلال السيوف اختياراً له على الدنيّة.[10] فكانت شهادته (عليه السلام) يوم الجمعة لعشر خلون من المحرم سنة 61 من الهجرة، وكان قد أدرك من حياة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) خمس أو ست سنوات، وعاش مع أبيه 36 سنة، ومع أخيه 46 سنة. فسلام الله عليه يوم ولد، ويوم استشهد ويوم يبعث حيا. ____________ [1]- الترمذي (3775). [2]- صحيح البخاري / ج 2 / 188 . [3]- سنن ابن ماجة / ج1 / 56 . [4]- المناقب لابن شهر آشوب / 3 / 163 . [5]- خصائص النسائي / 26 . [6]- مستدرك الحاكم / ج3 / 166 . [7]- الأئمة الإثنا عشر - للشيخ جعفر سبحاني / ص 59 . [8]- الإمامة والسياسة / ج 1/ ص 164. [9]- وقد التحق الحرّ بعد ذلك بالحسين - عليه السّلام- وقاتل بين يديه حتى استشهد. [10]- ينظر : موسوعة أصحاب الفقهاء
اترك تعليق