الاِمام السادس : جعفر بن محمد الصادق - عليه السّلام-

الاِمام السادس : جعفر بن محمد الصادق - عليه السّلام- (80 أو 83 ـ 148 هـ )مختصر من سيرته . جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، سادس أئمة أهل البيت الطاهر - عليهم السّلام- ، أبو عبد اللّه الهاشمي العلوي المعروف بالصادق. وامه ام فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وامها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. وقال الإمام الصادق بحق والدته : "كانت امي ممن آمنت واتقت وأحسنت والله يحب المحسنين" [1]. كانت ولادته عليه السلام بالمدينة في السابع عشر من ربيع الاَوّل، سنة ثمانين للهجرة، أو ثلاث وثمانين. وقد عاش الاِمام - عليه السّلام- شطراً من حياته في العصر الاَموي، وهو يتلوّى من الاَلم على مصير الاِسلام وعلى ما حلّ بالمسلمين من الويلات والمصائب، فقد رأى بعينيه الكارثة التي حلّت بعمه زيد بن علي زين العابدين، الذي خرج ثائراً على هشام بن عبد الملك، فقتل، ثم نبش قبره، وصلب جثمانه الطاهر، ورأى مقتل ابنه يحيى بن زيد من بعده، وكان الاِمام - عليه السّلام- يتحيّن الفرص الموَاتية لاَداء رسالته، ونشر علومه، بعد أن حرص الاَمويون وبكل الوسائل على طمس آثار أهل البيت وفقههم، حتى إذا وجد الدولة الاَموية ينتابها الضعف، وتسير نحو الانهيار، نهض - عليه السّلام- بكل إمكانياته، لنشر أحاديث جده - صلى الله عليه وآله وسلم- ، وعلوم آبائه، وتوافد عليه العلماء وطلاب العلم حتى بلغت الجامعة التي أسّسها أبوه الباقر - عليه السّلام- قبله، بلغت في عصره أوج نشاطها وأزدهارها، ولقد أحصى أصحاب الحديث أسماءَ الرواة عنه فكانوا أكثر من أربعة آلاف رجل، وأدرك منهم الحسن بن علي الوشاء (وكان من أصحاب الرضا - عليه السّلام- ) تسعمائة شيخ. ولم يكن نشاط الاِمام - عليه السّلام- مقصوراً على تدريس الفقه الاِسلامي، وأدلّة التشريع، بعد أن اتّسم ذلك العصر بظهور الحركات الفكرية، ووفود الآراء الاعتقادية الغريبة، ودخول الفلسفة المتأثّرة بالفكر الهندي واليوناني، بل نجد الاِمام - عليه السّلام- قد تحدث في التوحيد وأركانه، والعدل، والقدر، وإرادة الاِنسان، وغير ذلك، وتحدّث أيضاً في طبائع الاَشياء، وخواص المعادن، وفي سائر الكونيات.[2] ما قاله علماء وأعلام أهل السنّة في الإمام الصادق عليه السلام 1 ـ الإمام أبو حنيفة النعمان : (ت : 150 هـ) :" ما رأيتُ أحداً أفقه من جعفر بن محمّد ، لمّا أقدمه المنصور الحيرة ، بعث إليّ فقال : يا أبا حنيفة إنّ الناس قد فُتنوا بجعفر بن محمّد فهيـّئ له من مسائلك تلك الصعاب ، قال : فهيـّأتُ له أربعين مسألة ، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر فأتيتُه بالحيرة فدخلتُ عليه ، وجعفر جالس عن يمينه ، فلمّا بصرتُ بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخلني لأبي جعفر ، فسلمتُ وأذِن لي ، فجلستُ ثمّ التفت إلى جعفر ، فقال : يا أبا عبد الله تعرف هذا ؟ قال : نعم ، هذا أبو حنيفة ، ثمّ أتبعها قد أتانا . ثمّ قال : يا أبا حنيفة هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله ، وابتدأتُ أسأله ، وكان يقول في المسألة : أنتم تقولون فيها كذا وكذا ، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا ، ونحن نقول كذا وكذا ، فربّما تابعنا وربّما تابع أهل المدينة وربّما خالفنا جميعاً ، حتّى أتيتُ على أربعين مسألة ما أخبرت منها مسألة ، ثمّ قال أبو حنيفة : أليس قد روينا أنّ أعلم النـاس أعلمهم باختلاف الناس ) [3] . 2 ـ الإمام مالك بن أنس (ت : 179 هـ) : "ولقد كنتُ أرى جعفر بن محمّد وكان كثير الدعابة والتبسّم ، فإذا ذُكِرَ عنده النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اصفرَّ ، وما رأيتُه يُحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلاّ على طهارة ، ولقد اختلفتُ إليه زمانا ، فما كنتُ أراه إلاّ على ثلاث خصال إمّا مصلِّياً وإمّا صائما، وإمّا يقرأ القرآن ، ولا يتكلّم فيما لا يعنيه ، وكان من العلماء والعبّاد الذين يخشون الله عزّ وجلّ" [4] 3- قال الحافظ شمس الدين محمّد بن محمّد الجزري : "وثبتَ عندنا أنّ كلاً من الإمام مالك، وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى، صحب الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق حتّى قال أبو حنيفة : ما رأيتُ أفقه منه ، وقد دخلني منه من الهيبة ما لم يدخلني للمنصور" [5] 4 ـ الحافظ أحمد بن عبد الله العجلي (ت / 261 هـ) : "جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ، ولهم شيء ليس لغيرهم ، خمسة أئمّة ..." [6] 5 ـ قال الحافظ محمّد بن إدريس ، أبو حاتم الرازي (ت / 277 هـ) : "جعفر بن محمّد ثقةٌ لا يُسألُ عن مثله" [7]. 6 ـ قال الحافظ ابن حِبَّان التميمي البستي (ت / 354هـ) : "جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم ، كنيته أبو عبد الله ، يروي عـن أبيه ، وكان من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً ، روى عنه الثوري ومالك وشعبة والناس ...[8] 7ـ أحمد بن علي بن منجويه الأصبهاني (ت : 428 هـ) : قال في ( رجال مسلم ) : "جعفر بن محمّد الصادق ... وكان من سادات أهل البيت فقهاً ، وعلماً ، وفضلاً" [9] 8ـ أبو نعيم الأصبهاني (ت : 430 هـ) : قال عند ترجمة الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : "الإمام الناطق ، ذو الزمام السابق ، أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق ، أقبل على العبادة والخضوع ، وآثر العزلة والخشوع ، ونهى عن الرئاسة والجموع" [10] 9ـ أبو الفتح محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت : 548 هـ) : "جعفر بن محمّد الصادق، هو ذو علم غزير ، وأدب كامل في الحكمة ، وزهد في الدنيا ، وورع تـامّ عن الشهوات ، وقد أقام بالمدينة مدّة يُفيد الشيعة المنتمين إليه ، ويفيض على الموالين له أسرارَ العلوم ، ثمّ دخل العراق وأقام بها مدّة ، ما تعرّض للإمامة قط ، ولا نازع في الخلافة أحداً ، ومَنْ غرق في بحر المعرفة لم يقع في شط ، ومَن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يَخَفْ مَن حطّ" [11] 10ـ جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي (ت : 597 هـ) : "جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أبو عبد الله جعفر الصادق ... كان عالماً ، زاهداً ، عابداً ... " [12] 11ـ قال السمعاني (ت : 562 هـ) : "الصادق : بفتح الصاد ، وكسر الدال المهملتَين ، بينهما الألف وفي آخرها القاف ، هذهِ اللفظة لقب لجعفر الصادق ، لصدقه في مقاله ..." [13] 12ـ الفخر الرازي (ت : 604 هـ) : "والقول الثالث ( الكوثر ) أولاده ، قالوا لأنّ هذهِ السورة إنّما نزلت ردّاً على مَن عابه عليه السلام بعدم الأولاد ، فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان ، فانظر كم قُتل من أهل البيت ، ثمّ العالَم ممتلئ منهم . ولم يبقَ من بني أميّة في الدنيا أحد يُعبأ به، ثمّ انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر ، والصادق ، والكاظم ، والرضا.." [14] 13ـ عزّ الدين ، ابن الأثير الجزري (ت : 630 هـ) : " الصادق ... هذهِ اللفظة تُقال لجعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، وهو المشهور بالصادق ، لُقّبَ به لصدقه في مقاله وفعاله ... ومناقبه مشهورة" [15] 14ـ محمّد بن طلحة الشافعي : (ت : 652 هـ) : "هو من عظماء أهل البيت وساداتهم عليهم السلام ذو علوم جَمّة ، وعبادة موفرة ، وأوراد متواصلة ، وزهادة بيّنة ، وتلاوة كثيرة ، يتتبّع معاني القرآن ، ويستخرج من بحر جواهره ، ويستنتج عجائبه ، ويقسّم أوقاته على أنواع الطاعات ، بحيث يحاسب عليها نفسه ، رؤيته تُذكِّر الآخرة ، واستماع كلامه يُزهد في الدنيا ، والاقتداء بِهَدْيِهِ يورث الجنّة ، نور قسماته شاهد أنّه من سلالة النبوّة ، وطهارة أفعاله تصدع أنّه من ذريّة الرسالة ... (إلى أنْ قال ) ... وأمّا مناقبه وصفاته ، فتكاد تفوت عدد الحاصر ، ويُحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر ، حتى أنّ من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى صارت الأحكام التي لا تُدرك عللها ، والعلوم التي تقصر الأفهام عدد الإحاطة بحكمها ، تُضاف إليه وتروى عنه . وقد قيل إنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب ويتوارثه بنو عبد المؤمن هو من كلامه عليه السلام، وإنّ في هذهِ المنقبة سنيـّة، ودرجة في مقام الفضائل عليّة، وهي نبذة يسيرة مما نقل عنه" [16] 15ـ أبو زكريّا لنووي (ت : 676 هـ) : قال في ( تهذيب الأسماء واللغات ) : "الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم الهاشمي المدني الصادق ... اتّفقوا على إمامته وجلالته وسيادته ، قال عمر بن أبي المقدام : كنتُ إذا نظرتُ إلى جعفر بن محمّد علمتُ أنّه من سلالة النبيّين" [17] 16ـ قال ابن خِلَّكان (ت / 681 هـ) : "أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم أجمعين ، أحد الأئمّة الاثني عشر على مذهب الإماميّة ، وكان من سادات أهل البيت ، ولُقّب بالصادق لصدقه في مقالته ، وفضله أشهر مِن أنْ يُذكر . وله كلام في صناعة الكيمياء والزجر والفأل، وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيّان الصوفي الطرسوسي قد ألّف كتاباً يشتمل على ألف ورقة تتضمّن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمئة رسالة .." [18] 18ـ شمس الدين الذهبي (ت / 748 هـ) : "جعفر بن محمّد بن علي بن الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي الإمام أبو عبد الله العلوي المدني الصادق أحد السادة الأعلام ... وثّقه الشافعي ويحيى بن معين . وعن أبي حنيفة قال : ما رأيتُ أفقه من جعفر بن محمّد ، وقال أبو حاتم : ثقة لا يُسأل عن مثله . وعن صالح بن أبي الأسود سمعتُ جعفر بن محمّد يقول : ( سلوني قبل أنْ تفقدوني فإنّه لا يحدّثكم أحد بعد بمثل حديثي ) ، وقال هياج بن بسطام : كان جعفر الصادق يُطْعِم حتّى لا يبقى لعياله شيء ، قلتُ [ أي الذهبي ] : مناقبُ هذا السيّد جمّة ... " [19] وقال الذهبي في ( سير أعلام النبلاء ) : "جعفر الصادق : كبير الشأن ، من أئمّة العلم ، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور" [20] علاقة الاِمام بحكام عصره فقد ذُكر أنّه - عليه السّلام- واجه في أيام المنصور من المحن والشدائد ما لم يواجهه في العهد الاَموي، وكان وجوده ثقيلاً عليه، لاَنّه أينما ذهب وحيثما حل يراه حديث الجماهير، ويرى العلماء وطلاب العلم يتزاحمون من كل حدب وصوب على بابه في مدينة الرسول، وهو يزودهم بتعاليمه، ويلقي عليهم من دروسه وإرشاداته، وكانت الدعوة إلى الحقّ، ومناصرة العدل ومساندة المظلوم واجتناب الظلمة الذين تسلطوا على الاَُمّة واستبدّوا بمقدّراتها وكرامتها، واستهتروا بالقيم والاَخلاق، كانت هذه النواحي تحتل المكانة الاَولى في تعاليمه وإرشاداته. وكان المنصور يدعوه إلى لقائه كلما ذهب إلى الحج، ويتّهمه بما يساوره من ريب وظنون حول تحرّك الاِمام - عليه السّلام- ، ولقد دعاه مرة إلى بغداد عندما بلغه أنّه يجبي الزكاة من شيعته وأنّه كان يمدّ بها إبراهيم ومحمداً وَلَديْ عبد اللّه بن الحسن عندما خرجا عليه. وكان - عليه السّلام- إذا التقى بالمنصور يقول الحقّ تصريحاً وتلميحاً. روي أن المنصور استدعاه إليه يعاتبه على قطيعته له، وكان قد زار المدينة ولم يدخل عليه الاِمام الصادق فيمن زاره من الوجوه والاِشراف، فقال له: لمَ لم تغشنا كما يغشانا الناس، فأجابه الاِمام - عليه السّلام- : «ليس لنا من أمر الدنيا ما نخافك عليه، ولاعندك من أمر الآخرة ما نرجوه منك، ولا أنت في نعمة نهنئك بها، ولا في نقمة فنعزيك» فقال له المنصور: تصحبنا لتنصحنا، فرد عليه الاِمام بقوله: «إنّ من يريد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك». [21] توفي الاِمام - عليه السّلام- في زمن أبي جعفر المنصور في الخامس والعشرين من شوال، وقيل غير ذلك، سنة ثمان وأربعين ومائة، ودفن بالبقيع. وقال أبو هريرة العجلي، حينما حمل المشيّعون جنازته: أقول وقد راحوا به يحملونه* على كاهل من حامليه وعاتق أتدرون ماذا تحملون إلى الثرى * ثبيراً ثوى من رأس علياء شاهق غداة حثا الحاثون فوق ضريحه * تراباً وأولى كان فوق المفارق قال الشيخ الطبرسي : عاش صلوات الله عليه خمسا وستين سنة، منها مع جده زين العابدين عليه السلام اثنتى عشرة سنة ومع ابيه الباقر عليه السلام احدى وثلثين سنة، وكانت مدة امامته اربعا وثلثين سنة. [22] ــــــــــــــــــــ [1]- الكافي الكليني /ج 1 / ص 692 / باب مولد الإمام جعفر بن محمد عليهما السلام / ح1. [2]- موسوعة أصحاب الفقهاء . [3]- تهذيب الكمال - للمزّي / ج 5 / ص 79 [4]- تهذيب التهذيب - ابـن حجر العسقلاني / ج 2/ ص70 . [5]- أسنى المطالب في مناقب سيّدنا علي بن أبي طالب / ص 55 . [6] معرفة الثقات / ج 1 / ص 270 . [7]- تذكرة الحفّاظ - للذهبي / ج 1 / ص 166. [8]- الثقات / ج 6 / ص 131 . [9]- رجال مسلم / ج 1 /ص 120 . [10]- حلية الأولياء : 3 / 176 . [11]- الملل والنحل / ج 1 / ص 166 . [12]- المنتظم / ج 8 / ص 110 ـ 111 . [13]- الأنساب / ج 3 / ص 507 . [14]- تفسير الرازي / ج 17 / ص 241 . [15]- اللباب في تهذيب الأنساب / ج 2 / ص 3 . [16]- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول / ج 2 / ص 111. [17]- تهذيب الأسماء واللغات / ج 1 / ص 155 . [18]- وفيات الأعيان / ج 1 / ص 307 . [19]- تذكرة الحفّاظ / ج 1 / ص 166. [20]- سير أعلام النبلاء / ج 13 / ص 120. [21]- موسوعة أصحاب الفقهاء [22]- تاج المواليد – للطبرسي / 22 .

المرفقات