قال الذهبي : " فمن طعن فيهم – الصحابة – او سبهم فقد خرج من الدين ومرق من ملة المسلمين "( الكبائر – للذهبي - , 236 ) .
وللجواب عن هذه الشبهة , اقول :
ان هذا تعظيم لما يسوغ فيه الخلاف حتى كأنه عند القوم من اركان الايمان التي يكفر من كفر بواحدة منها وخلد في النار , وانني اذ اعجب ممن يلقبه الناس بإمام الجرح والتعديل ان يفوه بمثل هذه الاغاليط الظالمة وكان عليه اقامة الدليل , فمدار ثبوت الحكم على وجود الدليل فحيث وجد ثبت الحكم , إلّا إنّه لا يلام على ذلك اذ ليس ثمّة دليل واحد يستأنس به او يُشم منه رائحة مروق الطاعن في الصحابة من ملّة المسلمين .. ثم اي خطر في طعن من استحق الطعن بما دلّ عليه كتاب الله وسنة رسوله(صلى الله عليه واله), فقول المسلم على سبيل المثال : (ان بعض الصحابة انقلبوا على اعقابهم) فليس هذا الطعن من عند نفسه بل هو قول الله تعالى في كتابه العزيز حيث قال جل وعلا: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ } وإلّا فمن الذين انقلبوا على أعقابهم غيرهم؟! .. ولو قال هذا المسلم : (ان بعض الصحابة ارتدّوا ) فليس هذا ايضاً من عند نفسه بل هو قول رسول كريم لا ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى, حيث قال(صلى الله عليه واله):" تحشرون حفاة عراة غرلاً ثم قرأ { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ }.فأول من يكسى إبراهيم ثم يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال فأقول أصحابي فيقال إنهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح عيسى بن مريم { وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (*) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } "( صحيح البخاري , 3 : 1271 , ح 3263) , وقال(صلى الله عليه واله) : "يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي ؟ فيقول إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى "( صحيح البخاري , 5 : 2407 , ح 6213 ) , أفليس هذا كلام الله تعالى وكلام رسوله الكريم (صلى الله عليه واله) ؟! .. وهذا المسلم إنّما قال بقول الله جل وعلا في كتابه الكريم وبقول رسوله (صلى الله عليه واله) الصادق الأمين , ثم إنّ هذا الطعن مما طفحت به كتب القوم وطواميرهم , ولعلّ نظرة عابرة يلقيها غير ذي الهوى منقّبا صفحات البخاري وغيره, يجد فيها الكثير من الأحاديث التي تُعرّض بالصحابة صارخة بسبهم وإرتدادهم , فتصفّح أيها الطالب للحق تلك الصفحات من الصحاح والمسانيد والسنن لتقف على أكثر مما أرشدناك إليه , إذن فليس من الإنصاف مؤاخذة المسلم الناقل لهذه الطعون من بطون تلك الأسفار وإعفاء المنقول عنه , فالناقل لا يكون مسؤولا عن ذات الشيء المنقول , لأنّ ناقل الكفر ليس بكافر بمجرد نقله لذلك, وعليه , يتوجه حينئذ ما ذكره الذهبي من خروج ومروق عن ملّة المسلمين إلى من ينقل عنه المسلمون لا إليهم .
والسؤال الذي يطرح هنا : هل التزم الحافظ الذهبي بما قرر ام انه ممن كالوا بمكيالين فالزموا الناس بما لم يلتزموا به ؟ .
الجواب : لم يلتزم الذهبي بما الزم به عباد الله , فناقض نفسه بنفسه , وليس هذا بغريب , واليك الشاهد على ما اقول : اليك اسماء ممن يطعنون بصحابة رسول الله صلى الله عليه واله , وتوثيق الذهبي لهم , وهم :
أزهر بن عبد الله الحرازي الحمصي, ناصبي ينال من امير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليه السلام) , قال عنه الذهبي : تابعي حسن الحديث !!
خالد بن عبد الله القسري الدمشقي, كان يقع في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام), قال عنه الذهبي بأنه صدوق !!
عبد الله بن شقيق العقيلي, ناصبي يبغض ويشتم أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليه السلام), قال عنه الذهبي: ثقة ناصبي !!
خالد بن سلمة الفأفاء, كان رأسا في المرجئة يبغض ويشتم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام), قال عنه الذهبي: الفأفاء ثقة !!
وكما ترى وتشاهد ان هؤلاء الذين وثقهم الذهبي كانوا ممن يناصبون العداء لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام , يشتمونه ويسبونه مع أنّه من كبار صحابة النبي صلى الله عليه واله , ورابع الخلفاء بإجماعهم , والمتواتر عن النبي صلى الله عليه واله في حقه : (...لا يبغضك الا منافق ) , ومع هذا لا يحكم الذهبي بمروق هؤلاء من الدين ولا بخروجهم عن ملة المسلمين !! .. وهذا الحديث كاف في إلجام الذهبي ومن لفّ لفّه , إذ به يتضح انّ الذهبي يوثق المنافقين !!!.
الكاتب / السيد مهدي الجابري
اترك تعليق