مسألة الإمامة من المسائل المهمة وعليها جرى كثير من الخلافات في الغابر والحاضر فصارت محل النزاع الأكبر في هذه الامة حتى قيل: "انه ما سلّ سيف في الاسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كل زمان", ولا زال البعض ولا زالت أقلامهم تتقيح الصديد على اخبار الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه واله), التي نصت على خلافة وإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام), متجاهلين آية المباهلة , والتطهير,والولاية, ومئات الآيات الأخرى, ومتجاهلين حديث المنزلة, وحديث الثقلين, وحديث سفينة نوح, وأحاديث الغدير ووو... وزعموا أن طريق تعين الخليفة بعد رسول الله (صلى الله عليه واله) لابد وأن يكون بالإختيار لا بالنص , ومن هنا دُفع الخليفة الشرعي عن منصبه الذي نصبه الله عزوجل فيه .
إلا أن العقل والمنطق ليقضيان بأن يكون علي(عليه السلام) هو الخليفة والإمام بعد رسول الله(صلى الله عليه واله), لما ثبت من ان الإمامة من المناصب الإتخاذية كالرسالة, لا من المراتب الإدراكية كالعلم, والعقل يحكم في هكذا مناصب بأن يكون جعله بيد الجاعل , ويرى بداهة لزوم تعيين إمام الشريعة من قبل صاحب تلك الشريعة, وخليفة من قبل نفس المستخلف, ووصياً من قبل شخص الموصي.. ولا معنى عقلاً لتصدي الغير لتنصيب من لم يُنصب من قبل صاحب الشأن وتسليطه على رقاب المسلمين إلا فضولة , وإذا كان الأمر كذلك فاسألوا عقولكم : أيهما أسلم من الخطأ , إختيار الله أم إختيار الناس , وأيهما خير للناس , أن يختاروا لأنفسهم , أم أن يختار لهم الرسول؟ فتخبركم: بأن إختيار الله للناس إمامهم وأميرهم هو أسلم لهم من الخطأ والزلل الذين يتعرضون له إذا ما وكل إليهم أمر هذا الإختيار وان إختيار المعصوم خير لهم .
واسألوا عقولكم أيضا: كيف يستطيع من يجهل تمييز من يعلم , إذ أن الإمام لابد من أن يكون عالما بجميع الأحكام, حتى لا يشذ عنه شيء منها , وإذا كان حاله كذلك فكيف يحكم الناس الذين لم يبلغوا في انواع العلم مبلغه على مدى علمه بهذه العلوم ؟! , فتخبركم: بان اختيار من يبلغ في هذه العلوم ذلك المدى يتطلب ان يكون الذين يختارونه على معرفة بهذه العلوم جميعها حتى يحكموا على مدى علمه فيها , فيكون اختيارهم على اساس , ولما كانت معرفة ذلك بالنسبة لمن يوكل اليهم الاختيار لا تصح الا بامتداد الاوقات , وبالتجربة والامتحان , فاذا لم يمكن وقوف احد من الامة عليه , لم يجز ان يكلفوا الاجتهاد في ذلك والاختيار , فلابد من النص .
واسألوا عقولكم أيضا: انه لو لم يكن الرسول هو الذي استخلفه فلماذا سمي خليفة رسول الله ؟ فتخبركم: بان اطلاق لقب خليفة رسول الله على الامام يوجب ان يكون مستخلفا من قبل الرسول ,واما استخلافه وتنصيبه لو كان من جهة الامة لكان خليفة للأمة , ولم يحدث ان تلقب الخليفة بلقب خليفة الامة .
واسألوا عقولكم أيضا: ماذا لو جاز للأمة ان تختار الامام ؟ فتخبركم: انه لو جاز ذلك لجاز لها ان تتولى مهامه ففي القول بجواز اختيار فريق من الامة لإمامها ما يجوز ان يقوم هذا الفريق بمهام الامام ومسئولياته ؛ لان من جعل غيره يتولى بعض الامور , فانه يجوز ان يتولاها بنفسه من باب اولى , ولو جاز لهم ذلك لاستغنوا عن الامام , فصار اثبات الامام بالاختيار يوجب الغنى عن الامام , فبطل ذلك , ولو جاز لها ذلك لامكن ان تختار اماما يظهر الاسلام ويبطن الكفر؛ لأنه لا سبيل الى تنصيب امام يوافق باطنه ظاهره , ويضمن الناس انه لا يبطن كفرا او فسقا , بينما هو يعلن الاسلام والصلاح , إلا ان يكون تنصيبه من طريق من يعلم السرائر والبواطن .ولو جاز لها ذلك, فاختارت جماعة منهم اماما, وأبت جماعة اخرى ذلك الاختيار فاختارت اماما آخر, وهكذا, فما المرجع والمصوب لاختيار فريق دون فريق , طالما ان هذا الحق هو من حقوقهم جميعا .. اما النص والتعيين فانه يمنع من تعدد الائمة بتعدد الجماعات التي تختار وفيه ضمان ضد هذه المخاطر والمحاذير.
فإذا أجابتكم عقولكم بلزوم التنصيب ، فهلموا إلى البحث عن أدلة التنصيب بجد وموضوعية ، تجدونها كالشمس في رابعة النهار... وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على محمد المصطفى واله الهداة الميامين ...
الكاتب / السيد مهدي الجابري
اترك تعليق