براءة الشيعة من سب الصحابة

   من الواضح جدا: أن معنى السب يغاير معنى اللعن وكلاهما يغايران معنى النقد .

   فالسب كلام يدلّ على تحقير أحد أو نسبته إلى نقيصة أو معرّة، بالباطل أو بالحقّ، ... وليس من السبّ النسبةُ إلى خطأ في الرّأي أو العملِ، ولا النّسبة إلى ضلال في الدّين إن كان صدر من مخالف في الدّين" .

  

والنقد هو دراسة حياة الشخص من منظار موضوعي وبيان ما له من الفضل والكرامة او ما اقترف من افعال واقوال شنيعة , فيثني عليه تارة ويجرحه اخرى , كما جرى عليها القران الكريم , حيث قص حياة الماضين صالحهم وطالحهم لغايات صحيحة , قال سبحانه : { لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ } (سورة يوسف 7) , وكما قال سبحانه : { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } (فصلت : 17) , الى غير ذلك من الايات التي جاءت تنقد سير الماضين وبيان ما هم عليه من الهدى والضلال ..ولا تفرق بين جيل وآخر .

واللعن هو الطرد والإبعاد من الله, ومن الخلق طلب طرد الملعون وإبعاده من الله بلفظ اللعن, لا مطلق السبّ والشتم". كما في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) [ البقرك 159].

والشيعة إذا استعانوا باللعن ، كحكم قرآني ، إنما يلعنون من لعنه الله ورسوله , ولا يتجاوزون حدود القرآن والسنة في ذلك ، ويجرون قواعد الجرح والتعديل على الجميع بما في ذلك الصحابة بغية التثبت والاحتياط للدين كما امر بذلك القران الكريم في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } (سورة الحجرات 6) وأما السبّ الذي هو ظاهرة أخلاقية منبوذة ومفردة سلوكية مرفوضة من وجهة نظر القران الكريم والسنة النبوية وأئمة أهل البيت(ع), فليس ذلك من أخلاق الشيعة الذين ينتسبون الى الإمام علي بن أبي طالب(ع), وأهل البيت الطاهرين(ع),فهم يتحلون بأدب رفيع يعرفه القاصي والداني, وهنا قد يقول قائل : لكننا وجدنا بعض الشيعة يسبون بعض الصحابة على المواقع وفي الانترنت.

   أقول : هذه حالات شاذة ونادرة وليست ظاهرة سائدة في المجتمع الشيعي ، فالمجتمع الشيعي يقتدي بأئمته ومراجعه وعلمائه ، وهم لا يجيزون السب ولا يقبلونه ، ومن شذ في تصرفه فتصرفه مردود عليه لا غير ، وكما يقول تعالى (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ، ونحن - كشيعة - حين ثبت عندنا أن الأمويين سبوا أمير المؤمنين عليا ( عليه السلام ) لمدة سبعين عاما لم نؤاخذ بقية أهل السنة بجريرتهم ، بل كان لأئمتنا ( عليهم السلام ) وفقهائنا - تبعا لأئمتنا - تفريق واضح جدا بين الناصبي وبين غيره من أهل السنة وأفردوا للأول أحكاما فقهية تغاير الآخر .. وعليه ليس من الأنصاف بمكان أن يؤاخذ الشيعة كلهم بتصرفات نفر شاذ منهم أو فئة تكاد تكون بحكم المعدومة بينهم .

   كما أنه من غير الأنصاف قطعا ترتيب آثار الكفر وحلية الدم وسبي الذراري - من بعض فقهاء أهل السنة وخاصة الوهابيين منهم - على الشيعة كلهم بدعوى سب الصحابة وهم منها براء.. أو توسيع مفهوم السب ليشمل الأمور التأريخية ، حين يتعرض الشيعة لبيان عدم أهلية من تسلم الأمور بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كأبي بكر وعمر وعثمان فيذكرون ما ثبت من حقائق التأريخ عنهم ، أو حين يقولون إنه لا ينبغي القول بعدالة الصحابة كلهم أجمعين وإخضاعهم جميعا لضوابط الجرح والتعديل كبقية الرواة للسنة النبوية وذلك لما ظهر منهم من الفسق والبغي والأنحراف بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وبشهادة كتب أهل السنة المعتبرة وصحاحهم ، والحكم على الشيعة في مثل هذه الأمور أنهم يسبون الصحابة والحال أنها تدخل في مفهوم النقد لا السب ...

   لذا ينبغي - لمن كان عنده دين وعلم وإنصاف - أن يفرق بين السب واللعن والنقد ولا يحمل مفهوما على آخر فيثير الفتنة بين المسلمين بجهله ويفتي من غير علم ولا كتاب منير في مثل هذه الأمور ، فيكفر جماعة ويضلل آخرين نتيجة لجهله وخلطه بين هذه المفاهيم ... والحمد لله رب العالمين ...

الكاتب / السيد مهدي الجابري