التقية هي الإظهار باللسان خلاف ما ينطوي عليه القلب؛ وذلك حين الخوف على النفس أو المال أو العرض من الضرر، فالتقية سلاح المسلم في مواضع الخطر، في حال تعرض للأذى من قبل الظالمين و الأعداء إذا لم يعمل بها . حتى عدة جزءاً كبيرا من الدين. والتقية من الأعمال التي حكم الشرع والعقل بوجوبها، فقد صرح القرآن الكريم بجوازها، وتواترت أقوال المعصومين بحليتها، وأجمع علماء الطائفة على جواز العمل بها. [أولاً]ـــــــــــ« التقية في كتاب الله »ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- قال الله تعالى : {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [سورة آل عمران/ الآية : 28] 2- قال الله تعالى {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [سورة النحل/ الآية : 106] . قال أمين الإسلام الشيخ الطبرسي : "قيل نزل قوله {إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان} في جماعة أكرهوا وهم عمار وياسر أبوه وأمه سمية وصهيب وبلال وخباب عذبوا وقتل أبو عمار وأمه وأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا منه ثم أخبر سبحانه بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال قوم كفر عمار فقال (صلى الله عليه وآله) كلا أن عمارا مُليء إيمانا من قرنه إلى قدمه و اختلط الإيمان بلحمه ودمه وجاء عمار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يبكي فقال (صلى الله عليه وآله) ما وراءك فقال شر يا رسول الله ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح عينيه ويقول إن عادوا لك فعد لهم بما قلت .." [1] [ثانياً]ـــــــــــ« أقوال المعصومين في التقية »ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- ...عن أبي عمر الاعجمي قال: قال لي أبوعبدالله عليه السلام: «يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له .. » 2- ... عن حبيب بن بشر قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: «سمعت أبي يقول: لا والله ما على وجه الارض شيء أحب إلي من التقية، يا حبيب إنه من كانت له تقية رفعه الله، يا حبيب من لم تكن له تقية وضعه الله، يا حبيب إن الناس إنما هم في هدنة فلو قد كان ذلك كان هذا» . 3- ... عن معمر بن خلاد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن القيام للولاة، فقال: «قال أبو جعفر عليه السلام: التقية من ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له». 4- ... عن أبي جعفر عليه السلام قال: «التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به». 5- ... عن أبي عبدالله عليه السلام قال: « [كان] أبي عليه السلام يقول: وأي شيء أقر لعيني من التقية، إن التقية جنة المؤمن». 6- ... قال الإمام الباقر عليه السلام: «التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له». 7- ... عن عبدالله بن أبي يعفور قال: «سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: التقية ترس المؤمن والتقية حرز المؤمن، ولا إيمان لمن لا تقية له ... » [2] [ثالثاً]ـــــــــــ« أقوال العلماء في التقية »ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ الصدوق : "التقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم عليه السلام، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله ودين الإمامية وخالف الله ورسوله والأئمة" [3] قال الشيخ المفيد : "إن التقية جائزة في الدين عند الخوف على النفس، وقد تجوز في حال دون حال للخوف على المال ولضروب من الاستصلاح، وأقول إنها قد تجب أحيانا وتكون فرضا، وتجوز أحيانا من غير وجوب، وتكون في وقت أفضل من تركها ويكون تركها أفضل وإن كان فاعلها معذورا ومعفوا عنه متفضلا عليه بترك اللوم عليها. [و]إنها جائزة في الأقوال كلها عند الضرورة وربما وجبت فيها لضرب من اللطف والاستصلاح، وليس يجوز من الأفعال في قتل المؤمنين ولا فيما يعلم أو يغلب إنه استفساد في الدين. وهذا مذهب يخرج عن أصول أهل العدل وأهل الإمامة خاصة دون المعتزلة والزيدية والخوارج والعامة المتسمية بأصحاب الحديث" [4] قال الشيخ المظفر : "وكانت [التقية] شعاراً لآل البيت عليهم السلام؛ دفعاً للضرر عنهم وعن أتباعهم، وحقناً لدمائهم، واستصلاحاً لحال المسلمين، وجمعاً لكلمتهم، ولمّاً لشعثهم. وما زالت سمة تُعرف بها الاِمامية دون غيرها من الطوائف والاُمم، وكلّ انسان إذا أحسَّ بالخطر على نفسه أو ماله بسبب نشر معتقده أو التظاهر به لا بدَّ أن يتكتَّم ويتّقي في مواضع الخطر، وهذا أمر تقضيه فطرة العقول." [5] قال السيد عبد الحسين شرف الدين: " ... فالتقية غير خاصة بالشيعة وإن توهم ذلك بعض الجاهلين، وقد هبط بها الروح الأمين، على قلب سيد النبيين والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم فتلا عليه (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا آن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه والى الله المصير) وتلا عليه مرة أخرى (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب الله ولهم عذاب عظيم) . والصحاح الحاكمة بالتقية عند الاضطرار اليها متواترة، ولا سيما من طريق العترة الطاهرة، وحسبك ما صح على شرط الشيخين، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن ابيه قال: أخذ المشركون عماراً فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكر آلهتهم بخير ثم تركوه، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله ما تُركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير، قال صلى الله عليه وآله وسلم: كيف تجد قلبك قال: مطمئن بالايمان، قال صلى الله عليه وآله وسلم: إن عادوا فعد، وصح على شرط الشيخين ايضاً عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) قال: التقاة التكلم باللسان، والقلب مطمئن بالايمان، فلا يبسط يده فيقتل الحديث . قلت هذا حكم الشرع كتابا وسنة، والعقل بمجرده حاكم بهذا لو كانوا ينصفون. [وقال البخاري في صحيحه في معنى قوله تعالى {إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} وَهْىَ تَقِيَّةٌ .. وَقَالَ الْحَسَنُ التَّقِيَّةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ..] .[6] قال الشيخ جعفر سبحاني : "إنّ جوازَ «التَقيَّة» لا يحظى بالدَّليل النقليّ فحسب، بل إنّ العقلَ يحكم أيضاً بصحّته ولزومه، ويَشهَد بذلك في شرائط حسّاسةٍ، وخطيرةٍ، لاَنّ حفظ النَّفس، والمالِ، والعِرض، واجبٌ، ولازمٌ من جهة، وإظهارَ العقيدة والعمل وفقَ تلك العقيدة وظيفةٌ دينيّةٌ من جانبٍ آخر، ولكن إذا جرَّ إظهارُ العقيدةِ إلى الخطر على النّفس والمال، والعرض، وتعارضت هاتان الوظيفتان عَمليّاً، حكم العقلُ السليمُ بأن يُقدِّم الاِنسانُ الوظيفةَ الاَهمّ على المهمّ. والتقية ـ في الحقيقة ـ سلاحُ الضُّعفاء في مقابل الاَقوياء القُساة، ومن الجَليّ أنّه إذا لم يكن خطرٌ ولا تهديدٌ لم يكتم الاِنسانُ عقيدَتَه، كما لم يَعَمل على خلافِ معتقَده" [7] ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1]- تفسير مجمع البيان - الطبرسي / ج 6 / ص 180. [2]- الكافي – للشيخ الكليني / ج 2 / باب التقية / ص 313 – 118 / ح 2 و 4 و 12 و 13 و 14 و 18 و 23 . [3]- الاعتقادات في دين الإمامية - للشيخ الصدوق / ص 107 [4]- أوائل المقالات في المذاهب والمختارات – للشيخ المفيد / ص 118 [5]- عقائد الإمامية – للشيخ المظفر . [6]- صحيح البخارى / كتاب الاكراه / باب وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ..). [7]- العقيدة الإسلامية – للشيخ جعفر سبحاني / ص 273- 274
اترك تعليق