الشبهـــة : إخبار الحسين عليه السلام باستشهاده كان اعلاناً بموت الثورة هناك من يقول: لا معنى لأن يبشر الإمام الحسين [عليه السلام] بفشل ثورته قبل أن يقوم بها، فكيف أن يصح أن يقول للناس: قوموا معي على يزيد لكي يقتلنا في كربلاء.. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الرد .. قال السيد جعفر مرتضى العاملي : إن الإشكال المذكور إنما يرد، لو كانت اخبارات وخطابات الإمام الحسين [عليه السلام] بما سيجري عليه وعلى أصحابه في كربلاء قد اتخذت صفة الجماهيرية العامة، بحيث أصبحت سبباً في تردد الناس، وتخاذلهم، وانصرافهم عن القيام بواجبهم الإلهي بالخروج معه ونصرته. أما إذا كانت هذه الإخبارات والخطابات موجهة لأصحابه وأهل بيته الذين سينالون الشهادة معه، من أجل أن يزيد ذلك من يقينهم، وفي بصيرتهم، ويعمق ايمانهم، لينالوا تلك الدرجة الكبرى عن جدارة واستحقاق، وليكونوا ـ بحق ـ أعظم شهداء هذه الأمة. نعم.. إن كان ذلك هو المقصود، فإنه يكون لازماً وضرورياً. وهو ضروري ولازم أيضاً: إذا كان [عليه السلام] يتعمد اخبار الخلص من شيعته، وبعضاً من غيرهم لكي ينقلوا للناس من بعده إخباراته هذه، لكي لا يرميه الحاقدون والجاهلون بالتسرع، والطيش، والعجز عن تقدير الأمور، ثم يتخذوا ذلك ذريعة لتجهيل الناس بأهل البيت، واثارة الشبهات والتشكيكات بالأئمة [عليهم السلام]، وبمقاماتهم، وبامامتهم.. فتكون هذه الإخبارات بمثابة البلسم الشافي، والدواء الناجع، وتكون سبباً في تحصين الناس، وحماية ايمانهم من أن يتعرض لأي اهتزاز أو اختلال.. ولا يكون ذلك اعلاناً بموت الثورة قبل ولادتها.. ما دام أنه لم يتخذ صفة الجماهيرية، والخطاب العام للناس جميعاً.. ومن الواضح: ان علمه [عليه السلام] بما سينتهي إليه أمره.. لايحتم عليه أن يبلغ ما يعرفه إلى كل الناس، ولا يكون سكوته عن ذلك تغريراً بهم.. لأنه [عليه السلام] حين يدعوهم لمناهضة الإنحراف، إنما يدعوهم للقيام بواجبهم الشرعي، وتكليفهم الإلهي.. إذ لا يجب عليه أن يبلغ كل الناس بما يعلمه عن طريق الغيب، ولا يصح له أن يتعامل معهم بعلوم الإمامة، إلا في الحدود التي رسمها الله تعالى له.. فهو يخبر جماعات من الناس بما من شأنه لو نقلوه للأجيال الآتية أن يحفظ عقائدها ويرسخ ايمانها، ويصونها من الشبهات والتشكيكات. كما أن عليه أن يطلب من عامة الناس أن يقوموا بواجبهم وبتكليفهم الشرعي، وإن كان يعلم ـ بعلم الإمامة والغيب ـ أنهم سوف لا يستجيبون له، بل سوف يعصون الله سبحانه، ويخذلونه بل ويقتلونه.. ولأجل ذلك نجد أن النبي [صلى الله عليه وآله] وإن كان يرى من خلفه، وتعرض عليه أعمال الخلائق.. وهو شاهد على الخلق.. لكنه رغم علمه هذا إنما يقض بينهم بالأيمان والبينات، ولا يقضي بينهم بعلمه الخاص، الذي هو علم النبوة أو علم الشهود والشاهدية.. ولهذا البحث مجال آخر.. ثم إن بعض الإخوة قد قرب هذا الأمر بمثال أحببت أن أورده هنا، وهو أنه إذا مست الحاجة إلى القيام بعمل جهادي، ولو في مستوى «عملية إستشهادية» فإنه لا مانع من أن يعلن ذلك الإستشهادي عزمه على القيام بهذا الأمر، من أجل تحريك الأمة، وتعريفها بحجم الخطر الذي يتهددها، والفاتها إلى واجبها الذي تخلت عنه حتى وصلت الأمور إلى هذا الحد.. فاتضح: أن الإمام الحسين [عليه السلام] لم يعلن عن فشل ثورته، بل أعلن عن أن مستوى الخطر قد تناهى بالأمة إلى الحد الذي اصبحت تحتاج معه إلى هذا المستوى من التضحيات. والحمد لله، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين.. مختصر مفيد / السيد جعفر مرتضى العاملي .
اترك تعليق