اتفق العلماء كافة على أن معرفة الله تعالى واجبة على كل مكلف، لأنها أساس الدين وأوله كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "أول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به". واعلم أن هذه المعرفة لا تكون بالتقليد والإتباع، وإنما تأخذ عن طريق النظر والتفكر والبرهنة، التي دعا إليها القرآن الكريم .. قال الله تعالى في الحث على النظر والتفكر : {أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض} {أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت * والى السماء كيف رفعت * والى الجبال كيف نصبت ..} {فلينظر الانسان إلى طعامه * أنا صببنا الماء صبا * ثم شققنا الارض شقا} . وقال الله تعالى في ذم التقليد : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة/170] {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا} [لقمان/21] الأدلة على وجود الله 1- النظر في الكون والمخلوقات قال تعالى : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[البقرة/164]، من تأمل في الآية السابقة عرف أن الله تعالى يدعو الإنسان إلى التأمل والتفكير في المخلوقات المحيطة به، لأن من تأمل في هذه الآيات سيتيقن بأن لها صانع قادر عالم حكيم غني غير محتاج قد صنع وأبدع هذا الكون ومخلوقاته بنظام دقيق محكم؛ لأن العقل يرفض مبدأ الصدفة في وجود هذا النظام ومخلوقاته، بل لابد لها من صانع صنعها. 2- الفطرة الإنسانية : لقد خلق الله تعالى الإنسان على فطرة التوحيد ما لم تؤثر فيه البيئة المحيطة به (كالأبوين أو المجتمع أو العوامل الأخرى) التي تسبب له الإنحراف في فطرته، فأي انسان يولد تكون فطرتهؤ توحيدية سليمة من أية إنحراف، قال الله تعالى : {فَأقِم وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً فطْرَتَ اللهِ الّتي فَطَرَ النّاسَ عَلَيها} (الروم | 30)، وسأل الإمام الصادق عليه السلام عن قول الله عزوجل: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} فقال: "فطر هم جميعا على التوحيد" . وفي رواية أخرى قال عليه السلام: "هي الاسلام، فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد، قال: {ألست بربكم}(الاعراف: 172) وفيه المؤمن والكافر" . نداء الفطرة الإنسانية يتمثل في إحساس الإنسان بالحاجة إلى كائن (موجود) أعلى منه، وهذا الإحساس يتجلى في ظروف خاصة. فمهما انحرف الإنسان عن التوحيد والشك في الله، فلابد له من أن يتعرض لموقف صعب يتيقظ فيه ضميره ووجدانه ليدعوه ويوجهه إلى القوة الخفية القادرة على إنقاذه، وإلى هذه الفطرة أشار الله عز وجل في كتابه الكريم : {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت/65] . وجاء في تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)أنّ رجلاً قال للإمام الصادق عليه السلام : يا بن رسول الله دلني على الله ما هو؟ فقد أكثر المجادلون علي وحيروني. فقال له: يا عبد الله هل ركبت سفينة قط؟ قال: بلى. فقال: هل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال: بلى. قال: فهل تعلق قلبك هنا لك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال: بلى. قال الصادق عليه السلام: فذلك الشئ هو الله القادر على الإنجاء حين لا منجي، وعلى الإغاثة حين لا مغيث . ---------------------------------------- الكافي الكليني - باب فطرة الخلق على التوحيد (ج 2 / ص 19/ ح 3) الكافي الكليني - باب فطرة الخلق على التوحيد (ج 2 / ص 19/ ح 2)
اترك تعليق