ويبقى السؤال حول أسس الإستفادة من أيام عاشوراء وإحياء ذكرى الإمام الحسين (ع) في حركتنا الإسلامية الواعدة، فكيف نستفيد من هذه الذكرى حتى نبقى معها كما هي أو ننطلق بها لنحيا إيحاءاتها المتنوعة، كما لو كانت حدثاً مفتوحاً على الحاضر في تطلعاته المستقبلية .وهي حتماُ كذلك ، إذ لا يمكن حبسها ضمن الزمن القصير والمكان المحدد . وتأتي الاجابة عن هذا السؤال من القاعدة القرآنية الاسلامية في قوله تعالى: "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون " كان الإمام الحسين مسلماً في ثورته وتمرده ،فكان على خط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الثورة على السلطان الجائر الظالم المستبد لتغييره وتبديل الانحراف بالاستقامة، فكانت الثورة الاستشهادية هي بداية هذا التغيير لتحقيق الحق والعدل والعزة والكرامة للإنسان والحياة في حركة الحاضر نحو المستقبل، ورغم تقادم الأوضاع وتآلب الظروف فقد بقي الحسين (ع) رمزا ًللتوحيد وشعاراً للإنعتاق ، ورمزاً لعنفوان الشهادة وقداسة الشهداء، ونبراساً للمظلومين وهم يحطمون قيود الذل والعبودية . ومن هنا تأتي قيمة التاريخ في الإسلام، والتي تكمن في العبرة التي تفتح لنا الحدث على الفكرة وترصد الثوابت، لتتجاوز القصص التاريخي وإن كان مفعماً بأروع مشاهدات البطولة والفداء الى حيث الواقع وطبيعة الموقف من تحدياته وأحداثه ، الأمر الذي يجعلنا نرتبط بالشخصيات الإسلامية القيادية في الإسلام الذين جسدوا حركة الرسالة في خطواتها الفكرية والروحية والعلمية، فكانوا مثلاً يحتذى به ونوراً يشق الظلمة للكشف عن الحقيقة التي يحاول الكثيرون طمسها واخفاءها . وفي ضوء ذلك يمكن القول إن حركة الإمام الحسين (ع) لم تكن مجرد حركة سياسية في معنى الثورة، بل هي حركة إسلامية في معنى الإسلام في الثورة ، بحيث نلتقي فيها بالأبعاد الرسالية في خطوطها التفصيلية الواضحة ، التي تحدد لنا شرعية النهج الثوري المتحرك في نطاق التضحية حتى درجة الاستشهاد. الأمر الذي يجعلها حالة تطبيقية للخط الإسلامي النظري في الصراعات الداخلية التي يعيشها الواقع الإسلامي بين خط الاستقامة وخط الانحراف في الموقع القيادي أو الموقع المتمرد على الشرعية. ومن هنا كان الإمام الحسين مسلماً في ثورته وتمرده ،فكان على خط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الثورة على السلطان الجائر الظالم المستبد لتغييره وتبديل الانحراف بالاستقامة، فكانت الثورة الاستشهادية هي بداية هذا التغيير لتحقيق الحق والعدل والعزة والكرامة للإنسان والحياة في حركة الحاضر نحو المستقبل، ورغم تقادم الأوضاع وتآلب الظروف فقد بقي الحسين (ع) رمزا ًللتوحيد وشعاراً للإنعتاق ، ورمزاً لعنفوان الشهادة وقداسة الشهداء، ونبراساً للمظلومين وهم يحطمون قيود الذل والعبودية . أما في واقعنا الحاضر وفي ظروفنا المعاصرة فلابد أن يكون كل واحد منا مشروعاً ثائراً في الخط والحركة والمعاناة ، أما حركية الثورة في الفعل وشرعية التغيير في النهج فقد نحتاج إلى دراسة ظروف واقعنا العملي لنخطط ونعرف كيف نواجه التحدي وكيف تنتصر القضية فينا. فليس من الضروري أن يكون الأسلوب الحسيني في الشكل المأساوي الاستشهادي هو أسلوبنا، ولكن لابد أن تكون الروح الحسينية هي التي تمثل معنى روحيتنا حتى يبقى الهدف حياً في أفكارنا وتطلعاتنا وخططنا الثورية والفدائية التضحوية ، وفي خطواتنا العملية لنجعل الحياة كلها بما فيها حركة نحو الهدف الكبير. وهذه هي إيحاءات عاشوراء في خط الثورة، أما في خط الدعوة إلى الله فهي تنطلق من خلال مبدأ الإصلاح في أمة رسول الله، الإصلاح بجميع وجوهه لنجذب الناس على الإسلام كله حتى لا يثقلهم الانحراف فيبعدهم عن الاستقامة ،كما اننا نحتاج إلى عدم الاستغراق في المعنى السياسي في الثورة بل لابد لنا أن نعيش التكامل في خطواتنا بكل أشكاله ووجوهه العملية المنتجة وفق طبيعة الظروف والمراحل من أجل أن يكون الدين كله لله. فلم يكن الإمام الحسين عليه السلام طالب سلطة أو جاه بل طالب عزة وكرامة وحرية ، وهي الشروط الصعبة لإسلام الوجه لله تعالى ، وبدونها لا يستقيم إيمان ولا إسلام. ويبقى الحسين كما كان منذ ولادته قضية يتحدى ضجيج الزمن وطغاة العروش المستبدة عبر القرون ، مجدداً لدين جده ومجداً لأبناء أمة جده ، لتبقى الرسالة وأجيالها تترا تقاوم أعاصير المسخ والفناء والإبادة . إن الحسين يسمو على الموت ، ويترفع عن النسيان ، لأنه قضية ارتبطت بالقوانين الإلهية المودعة في الكون .. فهو سر استمرار الشريعة وخلودها ، إننا نراه يتجدد في كل مناسبة من مناسبات إحياء يوم مولده الأغر ، ويتجدد كذلك أيضاً في كل مناسبة من مناسبات إحياء يوم مصرعه العظيم .. وليس كل قضية تستحق الإحياء والذكر ، كما ليس كل قضية هي قضية حقاً تستحق هذا العنوان المقدس ، ولا كل قضية في الأرض هي قضية في السماء ، وحينما نقول إنها قضية ، نقصد بذلك عنوانها الذي استأثر باهتمام السماء ، فهي قضية محورية جوهرية كانت بكل تفاصيلها بعين الله تبارك وتعالى . وها هي اليوم تطل علينا من جديد، لنبدأ في رحاب معطياتها الرسالية هجرة جديدة مع الحسين بن علي(ع) الذي هاجر مع قلّة مؤمنة في لحظة من لحظات التاريخ الخالدة، فاستطاع أن يغيّر مجرى الحياة، وأن يفتح في سجلّ الخلود باب الأمل في الحياة بعد اليأس، وباب الحركة الهادفة إلى الغاية بعد طول الركود. وإذا كانت الهجرة النبويّة تعتبر بحق من أروع الأحداث التي سجلّها التاريخ الإسلامي، فإنّ الهجرة الحسينيّة تطالعنا بأروع مأساة عرفها التاريخ الإنساني، وهي مأساة كربلاء … وهي الرمز الذي يزورنا في كلّ عام ليبدّد حالة التآلف التي نعيشها مع الأشياء والعالم، وليبعد عنّا حالات الاستسلام التي تعتري الكثيرين منّا أمام جبروت الطاغوت الصهيوني وبشاعة الشيطان الأكبر.
اترك تعليق