إن اللطف بالعباد من كمال الله المطلق، وإن من لطف الله تعالى على عباده هو إرسال الرسل والأنبياء لهم، وتعين الأوصياء والأولياء لهم ليرشدوهم إلى ما فيه منافعهم وصلاحهم؛ ولتتم حجة الله على العباد قبل الحساب، قال تعالى : {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ... رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء/163-165]، وقال تعالى : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء/15] وعليه يمكن تعريف النبوة سفارة ربانية، يجعلها الله تعالى لمن يختاره من عباده الصالحين الكاملين، فيرسلهم إلى الناس ليرشدوهم إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم في الدنيا والآخرة . ويسمى هذا الإنسان المُخبر عن الله تعالى بالنبيّ . وإن الأنبياء معصومون ومنزهون عن الذنوب والمعاصي صغيرها وكبيرها، وكذلك عن الخطأ والنسيان، من أول العمر إلى آخره، وأنهم متصفون بأكمل الصفات؛ لأنه لولا العصمة لم يحصل الوثوق بقولههم، وإذا لم يحصل الوثوق بقولهم لم يحصل الإنقياد لأمرهم ونهيهم، فتذهب فائدة البعثة. وتكون معرفة نبوة الأنبياء متوقف على عدة أمور ، منها إدعاء النبوة، ومنها في ظهور المعجزة على أيديهم، ومنها النص عليه من الأنبياء الذين قبله. وقد ثبت بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب هو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأنه ادعى النبوة، وظَهَرت على يديه المعجزات التي تثبت نبوته، كالقرآن وانشقاق القمر ونبوع الماء بين أصابعه وإشباع الخلق الكثير من الطعام القليل وتسبيح الحصى في كفه وغيرها من المعاجز الكثيرة، فيكون هو النبيّ حقاً. وثبت أن الأنبياء السابقين له قد بشروا به . وثبت أن أفضل الأنبياء هم أولو العزم، وهم خمسة : (نوح، إبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين)، وأن نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) أفضل الأنبياء أجمعين وخير الأولين والآخرين، وأنه خاتم النبيين، وأن آباءه من آدم (عليه السلام) إلى أبيه عبد الله بن عبد المطلب رضوان الله عليهم أجمعين كانوا جميعاً مؤمنين وموحدين لله تعالى. وأن القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة للنبيّ (صلى الله عليه وآله)، وهو الحجة المُثَبتَة لصحة نبوته، وهو الذي تحدى به الأنس والجن على أن يأتوا بمثله، فلم يأتوا به، قال تعالى : {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء/88]، ووجه الإعجاز في القرآن يتمثل في بلاغته وأسلوبه ونظمه .
اترك تعليق