عَلمنا سابقا بأن كل مكلف يجب عليه معرفة أصول الدين والإيمان بها، وإن هذه المعرفة تكون بالنظر والتفكر لا بالتقليد والإتباع، وأول هذه المعارف الإقرار بوجود الله تعالى، وبأنه صانع هذا الكون الواسع والمحكم والدقيق في نظامه. قال تعالى : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران/190]، فان من تأمل في هذا الكون الواسع وما فيه من مخلوقات سيصل في نهاية الأمر إلى أن هذا الكون وما فيه لم يكن وليد الصدفة، وإنما له موجد قد وجده وصانع قد صَنَعه وأتقن صُنْعه، ولأجل توضيح هذا الإستدلال نقول إن الإنسان العاقل يَستدل بالآثار على وجود المؤثر، فحين يرى آثار أقدام إنسان على الأرض فالعقل يستدل بهذه الآثار على وجود شخص ما سار من هذا الطريق، ومن دون أن تراه العين، وكذلك لو رأينا ثوب تمت خياطته بشكل بديع، فالعقل يستدل بأن هناك خياطاً ماهراً قد صنعه، ولا يستدل بأن الصدفة هي من أوجدت هذه الآثار، أو أن الآثار هي من أوجدت نفسها . فكذلك عندما يشاهد الإنسان العاقل هذا النظام الكوني الواسع والمحكم، فإنه يستدل لا محالة على أن هذا الكون له صانع قد صنعه وموجد قد أوجده، وأن هذا الصانع قادر غير عاجز ولا محتاجاً لأحد، فلو كان محتاج إلى غيره للزم الدور أو التسلسل وهما باطلان عقلاً . وإذا تعمقنا بدقة هذا النظام وإحكامه، نعلم لا محالة بأن صانعه عالم بكل شيء، وإذا ثبت أن الصانع قادر وعالم عرفنا بأنه حيّ، وهكذا الإستدلال ببقية الصفات الثبوتية . ------------------------------------------- الدَور : هو توقُّف وجود الشيء على نفسهِ. سواءً كان مُباشِراً كما يُقال [(أ) أوجَدَ (أ)]، أو بواسطة كما يُقال [وجود (أ) يتوقَّف على وجود (ب)، ووجود (ب) يتوقَّف على وجود (أ)] فالنتيجة واحدة وهي أنَّ وجود (أ) يتوقَّف على وجود (أ). وهذا مُستحيلٌ عقلاً، لأنَّه يستلزم اجتماع النقيضين أي إنَّ (أ) موجود ومعدوم في آنٍ واحدٍ . التسَلسُل : هو ترتيب العِلل إلى ما لا نهاية، أي إنَّ وجود (أ) يتوقَّف على وجود (ب) ووجود (ب) يتوقف على وجود (جـ) ووجود (جـ)يتوقف على وجود (د) وهكذا إلى ما لا نهاية، وهو باطلٌ لأنَّ كُلَّ أفراد تلك السِلسِلة مُحتاجٌ في وجودها لغيرها، ولابُدَّ لها من مُوجِدٍ خارجٍ عنها غير محتاجٍ وهو واجب الوجود .
اترك تعليق