للقرآن الكريم جوانب عدة يمكن للباحث ان يتطلعها وذلك لما للقرآن الكريم من الحكمة اللامتناهية في وضع الاساسات الفكرية فنراه يكشف عن اساس فكري مدعوم بمثال من الطبيعة المادية لايضاحه بصورة تدهش القارئ حين البحث عن علاقة هذا الاساس الفكري مع المثال و تكثر الدهشة حين وصول العقل البشري في ابحاثه الحديثة الى نتيجة كتبت في ايات القرآن منذ قرون من الزمن.
ولذلك فان القرآن الكريم امتاز في اياته بوضع ثوابت تكشف عن الدقة في قوانين النظام الكوني التي توصل اليها العلم الحديث بعد ابحاث ودراسات طالت سنين و قرون في كثير من الاقسام العلمية مثل علوم الحياة و علوم الفيزياء و العلوم الفلكية و امثلة ذلك كثيرة في القرآن الكريم ونذكر على الاختصار بعضا منها:
{فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ}(1).هذه الآية لها برهان علمي على امرين الاول هو كروية الارض و الثاني ان المشرق و المغرب ليس لكل منهما واحد، أما كروية الارض فلها اية صريحة في القرآن الكريم ايضا وهي:{ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} النازعات (30)، و أما ان للأرض مشارق و مغارب فإن اثر دوران الارض على نفسها و هي كروية الشكل فان بكل لحضة على ارض معية تكون مشرق و تقابلها الجهة الاخرى وهي المغرب و لذلك فإن مواقيت الصلاة مستمرة في كل لحضة و تختلف في المكان فقط.
{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}(2).ان التركيبة الجسمية للكائنات الحية تصحبها نظام لادارة الاعضاء المكونة للجسم و هو دقيق جدا و بالذات النظام الهاضم للطعام فانه يتبع معالجات كيمياوية بالدرجة الاولى و فيزياوية بالدرجة الثانية، بالاضافة الى الدورة الدموية المتقنة في اداء عملها و لطول شرح الوضائف العملية نقتصر على ان هذا الاداء بالعمل حاصله ان الامعاء تمتص الغذاء بعد هضمه و ايصاله الى الدم الذي يعمل على ايصال الغذاء الى جيع الجسم و بالذات الى الغدد التي تكون غذاء زائد عن حاجتها يستخرج و يستفاد منه في تهيئة غذاء طفل ذلك المخلوق الثدي ويستخدمه الانسان في غذائه .
فان الاية الكريمة مطلبها الاولوي هو اظهار اعجاز الله تعالى بالمثال الذي لم يدركه الانسان الا بعد قرون وهو ان اللبن يخرج ما بين فرث و دم اشارة الى عملية نقل الغذاء عبر الدم بعد عملية الهضم ومنه الى الغدد الفارزة للغذاء الزائد في الجسم.
{وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى}(3):و هذه الآية تتكلم عن اساساً للنظام المادي في الكون ايضاً، فهي تشير الى ان الماء هو اساس الحياة للكائن الحي و هناك ايضا تصريح في سورة الانبياء آية (30):{ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}، و تشير أيضاً الى زوجية المادة بصورة شاملة في كلمة{ أَزْوَاجًا }، و كلا هذين الامرين يكلف الباحثين عنهما قرون من الابحاث و الدراسات الحديثة للتوصل الى هذه النتيجة التي جاءت في زمن يخلو من مراكز الدراسات و البحوث.
نعم نحن في هذا الزمن نفتقد الى انشاء مراكز ابحاث قرآنية تتخصص باستخلاص العلوم الطبيعية و ذلك بسبب لإمتلاك الانسان ملكة البحث عن اسباب الظواهر الطبيعية في نفسه دون الرجوع الى القرآن اساسا و هو واقع فعلياً، والسبب الثاني هو تركيز الباحثين على الهدف الرئيسي للقرآن الكريم و هو ان القرآن الكريم كتاب تربوي بالدرجة الاولى .
و اذا تنبهنا نجد ان افتتاح مراكز ابحاث قرآنية تتخصص بالعلوم الطبيعية لا تشكل حاجز اعاقة على الابحاث التربيوية للقرآن الكريم لكونها ثانوية، فكلٌ يأخذ مجراه العلمي، و لذا فان الابحاث العلمية تلمح بصورة بدائية الى كون القرآن يمتلك قوانين اساسية في النظام الكوني المادي كما قال المحقق إقبال لاهوري : (إن ظهور وولادة الاسلام هو ظهور وولادة العقل البرهاني و الاستقراء، إن الالتفات الدائم للعقل و التجربة للقرآن ، و الاهمية التي يعيرها الدين الاسلامي المبين للطبيعة و التاريخ بعنوان أنهما منبعان للمعرفة البشرية، كل هذه علاقات مختلفة تشير و تؤكد شيئاً واحداً و هو ان هذه الرسالة هي خاتمة الرسالات)(4).
قيس العامري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): المعارج ، اية (40).
(2): النحل ،اية(66).
(3):طه ،اية (53).
(4):كتاب اصول العقائد / ج 2/ للمؤلف :السيد مجتبى اللاري
اترك تعليق