تأملات في خطبة النبي الأعظم الرمضانية -الحلقة الثانية-

بعد ان تبينت لنا الاسباب التي خطب على أثرها النبي الاكرم صلى الله عليه واله تلك الخطبة الرمضانية وصل بنا المقام الى قوله صلى الله عليه وآله : ((فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم..)) (1).

فيبين لنا نص الخطبة الشريفة ان النبي محمد صلى الله عليه واله يدعوا الناس منذ عصره والى الابد ان يدعو الانسان ربه طالبا منه التوفيق لأمرين هامين ، ألا وهما صيام شهر رمضان وتلاوة القرآن ، ولكن ما الذي يعنيه ان يطلب الانسان من الله التوفيق لصيام هذا الشهر وتلاوة القرآن؟

ولعلّ الاجابة تتمثل بكون التوفيق هو العنصر الاساس في كل عمل خير يقوم به الانسان ومن الواضح ان ليس جميع الناس يوفقون لصيام هذا الشهر العظيم او لتلاوة القرآن ، فالإنسان الشقي المتغافل عمدا وعنادا كيف يتسنى له ان يصوم هذا الشهر الفضيل أو يتلو القرآن فيه! ، فتجده متعمدا على ان لا يصوم ومصرا على ذلك فهل يوفق أمثال هؤلاء الى الصيام وتلاوة القرآن!

ويتبين من خلال مفردات النص ان الانسان اذا اراد ان يسأل الله تعالى التوفيق لصيام شهر رمضان وتلاوة القرآن فلابدّ ان يكون هذا الدعاء مقرونا بشرطين هما :

الشرط الأول- أن يكون الدعاء بنية صادقة :- فقد قال تعالى : ((ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)) (2) ، فإن الدعاء سلاح الأنبياء ، وهو سبيل الى التوفيق ، وقد دأب عليه جميع الآنبياء والرسل والأوصياء إبتداءً بنبي الله آدم عليه السلام والى خاتم الاوصياء الامام المنتظر صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ، والشرط يؤكد ضرورة توفر النية الصادقة للصيام وتلاوة القرآن قربة الى لله تعالى لأجل مرضاته ، وليست تلك النية الكاذبة التي يلقلق بها اللسان وقلبه عازم على مخالفتها، وإلا فإن مثل هذا الانسان قد لا يوفق لصيام شهر رمضان ولا لتلاوة القرآن فيه، هذا وقد أفادت بعض الأحاديث النبوية بأن نية المؤمن خير من عمله! ، نعم وذلك لأن نية المؤمن قد تكون خالصة لوجه الله تعالى ولكن حين العمل بها قد يختلط الرياء .

الشرط الثاني- ان يدعو الانسان بقلب طاهر : - ولعل طهارة القلب تتمثل في خلوه من الشك في حقائق الدين وشريعة سيد المرسلين، ومن الشك في عظمة شهر رمضان وفضله ، وطهارته من الحقد والعداوة والكراهية للمسلمين فيما بينهم ، وخلو القلب من التكبر والتجبر والطغيان والشقاء والخيلاء.

فإن الدعاء  بالقلب الطاهر من اسس التوفيق، وأحد سبل تسلقه الى رفيع المراتب وسلّم الدرجات العالية.

هذا ولو تمعنا في النص النبوي اعلاه نجد ان النبي الاكرم صلى الله عليه واله نسب القرآن الى شهر رمضان إذ قال : (... وتلاوة كتابه...) ولم يقل ( وتلاوة القرآن) ، وهنا اشارة واضحة البيان لمدى عمق العلاقة بين القرآن الكريم وبين شهر رمضان ، وإن أول اسس هذه العلاقة العظيمة هي ان القرآن الكريم أنزل على النبي محمد صلى الله عليه واله في شهر رمضان المبارك بدليل قوله تعالى : ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ))(3) ، فإن القرآن الكريم هو كتاب شهر رمضان لأنه أنزل فيه على  النبي صلى الله عليه و آله ، وأن هذا الكلام في حال عودة ضمير الهاء في كلمة (كتابه) على شهر رمضان ، نعم  في حال احتمالية عودة الضمير الهاء في كلمة (كتابه) على لفظ الجلالة (الله) فالمعنى جلي البيان وغني عن التوضحيح لأن القرآن الكريم هو كتاب الله تعالى.

نعم وقد أكد النبي الاعظم صلى الله عليه واله من خلال النص الكريم أن لشهر رمضان الكريم  مقدار عظيم من الغفران يوازي عظمة هذا الشهر العظيم الذي هو افضل الشهور ، وفيه تنزل الرحمة ويغفر الله تعالى لكثير من المؤمنين الصائمين ويعتق رقابهم من النار ، فإذن من هو الإنسان  الذي دوما يحرم من غفران شهر رمضان؟!

نعم إنه الانسان الشقي هو الذي يحرم من غفران هذا الشهر العظيم ، وإن الانسان الشقي من اتصف بالشقاء ، وإن الشقاء على مراتب متعددة ، فإن الكفر بالله تعالى شقاء ، والشك والتشكيك في ضوريات الدين وحقائقه شقاء ، وبغض اهل البيت عليهم السلام شقاء ، وتعمد ترك الصلاة شقاء ، وترك الصيام عمدا شقاء ، وظلم الناس وقتلهم شقاء ، وعقوق الوالدين من الشقاء.

وهنا يحلو ذكر دعاء الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام في صحيفته السجادية : (لَيْتَ شِعْرِي، أَلِلشَّقآءِ وَلَدَتْنِي أُمِّي، أَمْ لِلْعَنآءِ رَبَّتْنِي؟ فَلَيْتَهَا لَمْ تَلِدْنِي وَلَمْ تُرَبِّنِي، وَلَيْتَنِي عَلِمْتُ أَمِنْ أَهْلِ السَّعادَةِ جَعَلْتَنِي؟ وَبِقُرْبِكَ وَجَوارِكَ خَصَصْتَنِي؟ فَتَقَرَّ بِذلِكَ عَيْنِي، وَتَطْمَئِنَّ لَهُ نَفْسِي)(4).

فإذن نستنج من النص النبوي انه لايحرم من الغفران العظيم لشهر رمضان الا ذلك الإنسان الشقي ، فالشقاء هلاك وخسران ، يهلك الإنسان ، ويقوده الى حرارة النيران.

إذن الإنسان السعيد هو من فاز بغفران شهر رمضان ووفق لصيامه وتلاوة كتابه.

الكاتب : مهند سلمان آل حســين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السلام

(2) سورة غافر / آية 60

(3)سورة البقرة /آية 185

(4) الصحيفة السجادية / مناجاة الخائفين