إن السيرة النبوية الشريفة مدرسة تربوية و نور لمن يستضيء بها، و هي ترشد الى ذروة احترام حقوق الآخرين سواء كانوا مشركين أو منافقين أو مسلمين.
و مما جاء فيها ان النبي صلى الله عليه وآله سخط على احد أصحابه المجاهدين لانه تلفظ بكلام جارح لاحد المشركين رداً على استهزائه برسول الله صلى الله عليه وآله و ذلك في الطريق الى بدر اولى معارك الاسلام الفاصلة، لقي المسلمون رجلا من الاعراب، فسألوه عن الناس فلم يجدوا عنده خبراً، فقال له الناس: سلم على رسول الله صلى الله عليه وآله: قال: أوفيكم رسول الله؟ قالوا نعم، فسلم عليه، ثم قال: إن كنت رسول الله فأخبرني عما في بطن ناقتي هذه قال له سلمة بن سلامة بن وقش: لا تسأل رسول الله، و أقبل علي فأنا أخبرك عن ذلك. نزوت عليها، ففي بطنها منك سخلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: مه، أفحشت على الرجل، ثم أعرض عن سلمة.
هكذا لم يرض رسول الله صلى الله عليه وآله بصدور كلام بذيء و إن كان لمشرك مستهزئ بالرسول صلى الله عليه وآله.
وكما في السيرة النبوية، كذلك في سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام جاء في التأريخ ان الامام علي عليه السلام سمع قوما من اصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين، فقال لهم: " إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، و لكنكم لو وصفتم أعمالكم، وذكرتم حالهم كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، و قلتم مكان سبكم إياهم: اللهم احقن دماءنا و دماءهم، وأصلح ذات بيننا و بينهم، وإهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله و يرعوي عن الغي و العدوان من لهج به"
و حكى التاريخ أنه: خرج حجر بن عدي و عمرو بن الحمق يظهران البراءة من أهل الشام، فأرسل عي عليه السلام إليهما: أن كفا عما يبلغني عنكما، فأتياه فقالا: يا أمير المؤمنين ألسنا محقين؟
قال: بلى.
قالا: أو ليسوا مبطلين؟
قال: بلى.
قالا: فلم منعتنا عن شتمهم؟
قال: كرهت لكم ان تكونوا لعّانين شتامين يشهدون ويتبرؤون ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم
فقلتم: من سيرتهم كذا وكذا ومن عملهم كذا وكذا كان أصوب في القول وأبلغ في العذر
وقلتم مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق منهم من جهله ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به كان هذا أحب إلي وخيراً لكم.
فالمسألة ليست أن هذا الطرف أو ذاك يستحق الإدانة و التسقيط أم لا يستحق، و إنما يجب النظر في الإنعكاسات و الآثار التي يخلفها لك على مشاعر الآخرين، وعواطفهم، وإلا فإن أحداً لا يشك في سوء مصير عكرمة بن أبي جهل، و كونه من اهل النار، لكن رسول الله صلى الله عليه وآله بعد أن دخل مكة فاتحاً هرب منها عكرمة بن ابي جهل الى اليمن، خوفا من ان يقتله رسول الله صلى الله عليه وآله، وكانت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام امراة لها عقل و كانت قد اتبعت رسول الله صلى الله عليه وآله، فجاءت الى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: إن ابن عمي عكرمة قد هرب منك الى اليمن، و خاف أن تقتله فآمنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قد آمنته بأمان الله فمن لقيه فلا يتعرض له فخرجت زوجته في طلبه، فأدركته في ساحل من سواحل تمامة، و قد ركب البحر، فجعلت تلوح اليه و تقول: يا ابن عم جئتك من عند أوصل الناس و أبر الناس و خير الناس، لا تهلك نفسك و قد استامنت لك فآمنك، فقال: أنت فعلت ذلك؟ قالت نعم انا كلمته فآمنك.
فرجع معها فلما دنا من مكة قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه: يأتيكم عكرمة مهاجراً فلا تسبوا اباه فإن سب الميت يؤذي الحي و لا يبلغ.
ثقافة التعايش: الشيخ ناصر حسين الأسدي
اترك تعليق