[ذكر الطبرسي في أعلام الورى غزوات الرسول (صلى الله عليه وآله) حيث قال: جاء] في ذكر مغازي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بنفسه وسراياه ونبذ من أخباره إلى أن فارق دنياه(1) على سبيل الإجمال والاختصار قال أهل السير والمفسّرون: إن جميع ما غزا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بنفسه ستّ وعشرون غزوة، وإن جميع سراياه التي بعثها ولم يخرج معها ستّ وثلاثون سريّة.
وقاتل (صلى الله عليه وآله) من غزواته في تسع غزوات، وهي: بدر، وأحد، والخندق، وبنو قريظة، والمصطلق، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف (2).
فأوّل سريّة بعثها أنّه بعث حمزة بن عبد المطّلب في ثلاثين راكباً، فساروا حتّى بلغوا سيف البحر من أرض جهينة، فلقوا أبا جهل بن هشام في ثلاثين ومائة راكب من المشركين، فحجز بينهم مجديّ بن عمرو الجهني، فرجع الفريقان ولم يكن بينهما قتال(3).
ثمّ غزا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أوّل غزوة غزاها في صفر على رأس اثني عشر شهراً من مقدمه المدينة حتّى بلغ الأبواء، يريد قريشاً وبني ضمرة، ثمّ رجع ولم يلق كيداً، فأقام بالمدينة بقيّة صفر وصدراً من شهر ربيع الأول(4).
وبعث في مقامه ذلك عبيدة بن الحارث في ستّين راكباً من المهاجرين ليس فيهم أحدٌ من الأنصار، وكان أوّل لواء عقده رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فالتقى هو والمشركون على ماء يقال له : أحياء(5) ، وكانت بينهم الرماية، وعلى المشركين أبو سفيان بن حرب(6).
ثمّ غزا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في شهر ربيع الآخر يريد قريشاً حتّى بلغ بُواط(7) ، ولم يلق كيداً(8).
ثمّ غزا (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) غزوة العُشَيرة يريد قريشاً حتّى نزل العشيرة من بطن ينبع، فأقام بها بقيّة جمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة، ووادع فيها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة(9).
فروي عن عمّار بن ياسر قال : كنت أنا وعليّ بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة ، فقال لي عليّ (عليه السلام): «هل لك يا أبا اليقظان في هذه الساعة بهذا النفر من بني مدلج يعملون في عين لهم ننظر كيف يعملون».
فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة ثمّ غشينا النوم، فعمدنا إلى صورٍ(10) من النخل في دقعاء(11) من الأرض فنمنا فيه، فوالله ما أهبّنا إلاّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بقدمه، فجلسنا وقد تترّبنا من تلك الدقعاء فيومئذ قال رسول الله لعليّ: «يا أبا تراب» لما عليه من التراب.
فقال: «ألا أخبركم بأشقى الناس؟».
قلنا : بلى يا رسول الله.
قال: «أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا عليّ على هذا» ووضع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يده على رأسه «حتّى يبلّ منها هذه» ووضع يده على لحيته(12).
ثمّ رجع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم )من العُشَيرة إلى المدينة، فلم يقم بها عشر ليال حتّى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة، فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في طلبه حتّى بلغ وادياً يقال له: سفوان، من ناحية بدر، وهي غزوة بدر الأولى، وحامل لوائه عليّ بن أبي طالب، واستخلف على المدينة زيد بن حارثة، وفاته كرز فلم يدركه. فرجع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأقام جمادى الآخرة ورجب وشعبان، وكان بعث بين ذلك سعد بن أبي وقّاص في ثمانية رهط ، فرجع ولم يلق كيداً(13).
ثمّ بعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عبد الله بن جحش إلى نخلة (14)، وقال : «كن بها حتّى تأتينا بخبر من أخبار قريش» ولم يأمره بقتال وذلك في الشهر الحرام، وكتب له كتاباً وقال: «أخرج أنت وأصحابك حتّى إذا سرت يومين فافتح كتابك وانظر ما فيه وامض لما أمرتك». فلمّا سار يومين وفتح الكتاب فإذا فيه : «أن امض حتّى ننزل نخلة، فاءتنا من أخبار قريش بما يصل إليك منهم» فقال لأصحابه حين قرأ الكتاب: سمعاً وطاعة، من كان له رغبة في الشهادة فلينطلق معي. فمضى معه القوم حتّى إذا نزلوا النخلة مرّ بهم عمرو بن الحضرميّ والحكم بن كيسان وعثمان والمغيرة ابنا عبد الله، معهم تجارة قدموا بها من الطائف، أدم وزبيب، فلمّا رآهم القوم أشرف لهم واقد بن عبد الله وكان قد حلق رأسه، فقالوا: عمّار ليس عليكم منهم بأس، وائتمر أصحاب رسول الله، وهي آخر يوم من رجب، فقالوا: لئن قتلتموهم إنّكم لتقتلونهم في الشهر الحرام، ولئن تركتموهم ليدخلنّ هذه الليلة مكّة فليمتنعنّ منكم. فأجمع القوم على قتلهم، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان، وهرب المغيرة بن عبد الله فأعجزهم. واستاقوا العير، فقدموا بها على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فقال لهم: «والله ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام» وأوقف الأسيرين والعير ولم يأخذ منها شيئاً، وأسقط في أيدي القوم وظنّوا أنّهم قد هلكوا، وقالت قريش: استحلّ محمّد الشهر الحرام. فأنزل الله سبحانه : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: 217] فلمّا نزل ذلك أخذ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم )العير وفداء الأسيرين، وقال المسلمون: أتطمع لنا أن نكون غزاة؟ فأنزل الله فيهم {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} [البقرة: 218] وكانت هذه قبل بدر بشهرين(15).
من كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى / للمؤلف : الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في نسخة «م» زيادة: وما ظهر في أثناء ذلك من أعلام نبوته ودلائل صدقه ورسالته.
(2) انظر: مغازي الواقدي 1: 7، الطبقات الكبرى 2: 5 ـ 6، ونقله المجلسي في بحار الأنوار
9: 186 | 43.
(3) انظر: المغازي للواقدي 1: 9، وسيرة ابن هشام 2: 245، والطبقات الكبرى 2: 6، ونقله
لمجلسي في بحار الأنوار 19: 186 | 43.
(4) انظر: المغازي للواقدي 1: 11، والطبقات الكبرى 2: 8، ودلائل البيهقي 3: 9، ونقله
لمجلسي في بحار الأنوار 19: 187.
(5) أحياء: ماء أسفل من ثنية المرة. «معجم البلدان 1: 118».
(6) انظر: المغازي للواقدي 1: 10، وسيرة ابن هشام 2: 42، والطبقات الكبرى 2: 7، ودلائل البيهقي 3: 10 و 11، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19: 187.
(7) بواط: حبل من جبال جهينة، ناحية رضوى «معجم البلدان 1: 502».
(8) مغازي (الواقدي 1: 12، سيرة ابن هشام 2: 248، الطبقات الكبرى 2: 8 وفيها: ربيع الأول، دلائل النبوة للبيهقي 3: 11، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19: 187.
(9) سيرة ابن هشام 2: 249، الطبقات الكبرى 2: 9، دلائل النبوة للبيهقي 3: 11، ونقله
لمجلسي في بحار الأنوار 19: 187.
(10) الصور: النخل المجتمع الصغار لا واحد له «الصحاح ـ صور ـ 2: 716».
(11) الدقعاء: التراب المنثور على وجه الأرض «العين 1: 145».
(12) سيرة ابن هشام 2: 249، تاريخ الطبري 2: 408، دلائل النبوة للبيهقي 3: 12، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19: 187.
(13) انظر: سيرة ابن هشام 2: 251، والطبقات الكبرى 2: 9، ودلائل النبوة للبيهقي 3: 13 16 ،ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19: 188.
(14) ذكر في سيرة ابن هشام أن نخلة بين مكّة والطائف.
(15) انظر: سيرة ابن هشام 2: 252، والطبقات الكبرى 2: 10، وتاريخ الطبري 2: 410، ودلائل النبوة للبيهقي 3: 18، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19: 188.
اترك تعليق