الأهداف السياسية وانتماؤها التاريخي لمحيط النهضة الحسينية

 

كان التاريخ ولا زال اللاعب الأساس في رسم معالم الكثير من المعارف الدينية والإسلامية، وانسياقاً مع هذا النوع من التأثير أدرج مجموعة من العلماء والباحثين الأحداث التاريخية التي أحاطت بالنهضة الحسينية في قائمة الأسباب المانعة من الالتزام بوثائق ومستندات أهدافها السياسية.

ونحن قد تعرّضنا في مقال سابق لبيان بعض الأسباب والمبررات التي دعت جملة واسعة من أولئك العلماء والباحثين لإنكار الأهداف السياسية للنهضة الحسينية، فذكرنا منها الأسباب العقدية والتراثية، وأجبنا عنهما بما يتناسب مع الآفاق العامة للبحث، ونحاول في هذا المقال أيضاً أن نستعرض واحدة من أهم الأسباب والمبررات التاريخيّة، وذلك في إطار العنوان التالي:

 

الخروج لإسقاط الأنظمة الحاكمة لم يكن سبيلاً ومنهجاً في سيرة الأئمة عليهم السلام(أسباب تاريخية)

إنّ الفكرة المطروحة تحت هذا العنوان ملخّصها هو: أن كل الأئمة المعصومين عليهم السلام بعد وفاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ـ باستثناء الإمام الحسين عليه السلام في موقفه الأخير ـ لم يُسجّل لهم التاريخ موقفاً سياسياً يُمثّل جانباً من جوانب الثورة والانقلاب والخروج على السلطات غير الشرعية لإسقاطها وإقامة الحكومة الإسلامية الإلهية العادلة بقيادة خليفة الله في أرضه.

فأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قد بقي جليس داره زمناً طويلاً، ولم يرصد له التاريخ تحركاً سياسياً أو تخطيطاً عسكرياً لإسقاط النظام الحاكم آنذاك، بل كان مستشاراً دينيّاً وقانونيّاً وسياسيّاً لذلك النظام في كثير من القضايا المهمّة والمفصليّة، وحينما جاءه المسلمون يبايعونه على الخلافة ـ بعد مقتل عثمان ـ اعتذر في بداية الأمر عن قبول بيعتهم، وطلب منهم أن يلتمسوا غيره، وشارطهم على أنه سيكون داعماً للحكومة التي يختارونها، ولعل أسباب ذلك هو أن الأُمة قد انحرفت بعد نبيّها عن مسارها الصحيح الذي اختطَّه لها، ولم يبقَ بالإمكان فرصة إصلاحها، بإقامة حكومة إلهية على يد الخليفة المعصوم، باستثناء ما سيقوم به المهديّ عليه السلام. وحتى بعد قبوله عليه السلام استلام السلطة كان يعلم من أول الأمر بفشل مشروع الإصلاح، ولم يكن هدفه من ذلك تحقيق ما اندفعت الجماهير له وتخيّلته ممكناً، من إصلاح الأوضاع العامّة أو تعديل مسار السلطة في الإسلام. وإنما كان الدافع الأساس هو عهد النبي صلى الله عليه وآله له بالقيام بالأمر إذا وجد أنصاراً.

كذلك الإمام الحسن عليه السلام، حيث اضطر لترك الخلافة وتسليمها لمعاوية بن أبي سفيان، وبغض النظر عن الحديث في ظروف ومبررات ذلك، فهو عليه السلام في نهاية المطاف قد تنازل عن الخلافة لحساب معاوية، ما يعني أن الأُمة لا زالت غير مؤهَّلة لتشكيل حكومة إسلامية عادلة.

والإمام الحسين عليه السلام لم يتحرّك أيضاً بعد أخيه الحسن عليه السلام للقيام بالثورة والانقلاب لإقامة دولة الإسلام، لا في زمان معاوية ولا زمان ابنه يزيد، وهو إنما خرج أخيراً لطلب الشهادة بأمر إلهي، لمّا حوصر وضاقت عليه الأرض بما رحبت.

والصورة أوضح وأجلى بالنسبة إلى سائر الأئمة المعصومين عليهم السلام، من زمن إمامة علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، إلى زمن الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام، والفترة التي أعقبتها حينما غاب ابنه المهدي عليه السلام، حيث لا نجد في فصول سيرتهم عليهم السلام أيّ تحرك باتجاه التغيير السياسي أو الانقلاب العسكري، بل كانوا يأمرون أصحابهم بالجلوس والسكون والالتزام بالهدنة وانتظار الفرج على يدي القائم من آل محمد عليهم السلام، خصوصاً في زمن الإمام الصادق عليه السلام، مع أن فرصة التغيير السياسي كانت كبيرة جدّاً في فترة إمامته عليه السلام.

روى الكليني بسنده عن عبد الحميد الواسطي، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: «قلت له: أصلحك الله! لقد تركنا أسواقنا انتظاراً لهذا الأمر، حتى ليوشك الرجل منا أن يسأل في يده؟ فقال: يا [أبا] عبد الحميد! أترى مَن حبس نفسه على الله لا يجعل الله له مخرجاً؟ بلى والله، ليجعلن الله له مخرجاً، رحم الله عبداً أحيا أمرنا» ([1]).

وروى النعماني في الغيبة بسنده عن عبد الرحمن بن كثير، قال: «كنت عند أبي عبد الله عليه السلام يوماً وعنده مهزم الأسدي، فقال: جعلني الله فداك، متى هذا الأمر الذي تنتظرونه، فقد طال علينا؟ فقال: يا مهزم، كذب المتمنّون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلمون، وإلينا يصيرون» ([2]).

وهذا كلّه يكشف عن أن منهج الأئمة عليهم السلام وسيرتهم بعد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله لم يكن قائماً على التدبير والتخطيط لإسقاط الأنظمة الظالمة في زمانهم، واستبدالها بالحكومة الإلهية العادلة. بل إن سيرتهم عليهم السلام وسيرة أتباعهم قد جرت على مبدأ السكوت والجلوس والانتظار والترقّب، إلى أن يأذن الله بأمره؛ وذلك لأن الأُمّة قد فقدت قابلية الإصلاح والتغيير حينما انحرفت عن مبدأ الإمامة والخلافة الإلهيّة بعد وفاة نبيّها الأكرم صلى الله عليه وآله، فأضحى الإصلاح وإرجاع السلطة في الإسلام إلى مسارها الصحيح متعذراً، بعد الانحراف الكبير الذي تورّطت به الأمّة، وكان الأئمة عليهم السلام يعلمون بذلك من اليوم الأول للانحراف، وإن لم يتسنّ لهم التصريح به والتأكيد عليه إلّا بعد فاجعة الطف.

وحينئذ يكون الإيمان بثبوت أهداف سياسية انقلابيّة وثورية للنهضة الحسينية، مما يتنافى مع المنهج الصحيح والتوجّه العام والسيرة العملية المعروفة لأئمة أهل البيت عليهم السلام، في كيفية تعاملهم مع السلطات غير الشرعية، الحاكمة في زمانهم، حيث كانت قائمة على مبدأ المهادنة وعدم التصدّي لمواجهة الحاكم، مع أن بعض تلك السلطات قد لا يقل ظلماً وجوراً وتهتّكاً عن حكومة يزيد بن معاوية.

الإجابة عن هذه الإشكاليّة

النهضة والإصلاح والتغيير السياسي في منهج وسيرة أهل البيت عليهم السلام

نعتقد بأن هذه الإشكاليّة والرؤية المجتزأة في تحديد سيرة ومواقف المعصومين عليهم السلام تجاه السلطات الحاكمة في زمانهم، غير واقعيّة ولا مطابقة لأُسلوبهم في التعامل مع طبيعة الواقع الديني والاجتماعي والتقلّبات السياسية والاضطرابات الأمنيّة والاقتصاديّة والمذهبيّة التي عايشوها آنذاك. وللوقوف على حقيقة الأمر نقول:

إننا وبشكل صريح وواضح نرفض هذه الإشكالية من الأساس، ولا نقبل بفكرة أن الأئمة عليهم السلام لم يسعوا على الإطلاق لاستلام الحكم وإصلاح الأُمور وبناء دولة الحقّ والعدل بعد وفاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله. بل نعتقد بأن سيرتهم كانت قائمة على العكس من ذلك، حتى بعد انحراف الأُمّة عن مسارها الصحيح في مسألة الإمامة والخلافة، خصوصاً في الفترة التي سبقت شهادة الحسين عليه السلام، والتاريخ والنصوص الدينية المتضافرة خير شاهد ودليل على ما ندّعي، ولنأخذ جولة سريعة حول أهم الأحداث والنصوص الواردة في هذا الإطار ضمن العناوين التالية([3]):

1ـ المبادئ السياسية للنهضة العلوية

نعتقد بأن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام قد سعى بقوّة وبشكل جادّ للقيام بنهضة تصحيحيّة شاملة، كما سعى أيضاً بالسبل المتاحة والمشروعة لاستلام السلطة والخلافة وإقامة حكم الله في الأرض بعد وفاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، والشواهد التاريخية والروائية على ذلك كثيرة جداً، ومستفيضة نصّاً ومعنًى، نذكر فيما يلى بعضها:

الشاهد الأول: الحركة السلمية لإسقاط الحكومة غير الشرعيّة

لقد واصل الإمام علي عليه السلام رفضه واستنكاره لخلافة أبي بكر، ومقاطعتها، وامتناعه عن أداء البيعة، وتحصّنه هو وأهل بيته وأتباعه في بيت فاطمة سلام الله عليها، والمطالبة المستمرّة بحقّه المشروع بالخلافة وقيادة الأُمّة، واعتبار ما حصل انقلاباً على الشرعية.

يقول عليه السلام في إحدى خطبه حول هذه النقطة بالخصوص: «وقال قائل: إنك على هذا الأمر يا بن أبي طالب لحريص. فقلت: بل أنتم ـ والله ـ لأحرص وأبعد، وأنا أخص وأقرب، وإنما طلبت حقاً لي، وأنتم تحولون بيني وبينه، وتضربون وجهي دونه... اللهم، إني أستعينك على قريش ومن أعانهم، فإنهم قطعوا رحمي، وصغّروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي» ([4]).

وقد شكّل ذلك العصيان المدني والسياسي اللافت خطراً شديداً على تشكيلة الحكومة الجديدة، واعتبره قادة الحركة الانقلابية توهيناً وإضعافاً لهيبة الخلافة والدولة في نفوس عامّة المسلمين، ما استدعى منهم إصدار التوجيهات والأوامر بالتحرك العسكري لقمع المعارضة، وإعلان حالة الطوارئ، وفرض الأحكام الجاهليّة اللا عرفية، التي انتهكت حرمة البيت النبوي الطاهر، وتجاوزت على البضعة النبوية الشريفة بالضرب والتعنيف، وقد وقعت في أكثر من مناسبة مشادّات كلامية ومناوشات بين أفراد في المعارضة وبين قيادات حكومية وعسكريّة في الحزب الحاكم([5]).

هذه وغيرها من الأحداث ـ في سياق الحركة السلميّة العلوية للمطالبة بالحقوق الدينيّة والسياسيّة ـ كوّنت رؤية واضحة لدى الرأي العام تجاه الخلافة القائمة وعدم شرعيتها. وهذا خير شاهد على التدخل المباشر من قِبَل المعصوم في صناعة القرار السياسي وتعيين نظام الحكم والسلطة، ولكن بالطرق السلميّة.

الشاهد الثاني: الحركة الثورية لإسقاط الحكومة غير الشرعية

لقد ترأّس الإمام علي عليه السلام حركة ثورية لإدارة دفّة التغيير السياسي والحكومي، واتخذ خطوات ميدانية بقيادته الحكيمة لإسقاط خلافة الانقلاب السقيفي، الفاقد للأهلية والكفاءة في قيادة الأُمّة الإسلاميّة، وهنالك نصوص تاريخية وروائية كثيرة جدّاً، يمكن رصدها وتتبّعها لفهم معالم وآفاق هذه النهضة العلوية الرائدة، وتفصيل الكلام في هذه النقطة قد يخرجنا عن هدف هذا المقال، ولكننا نحاول التأشير على بعض مشاهد وصور تلك النهضة إجمالاً، فمن ذلك على سبيل المثال:

1ـ ما رواه الخصيبي في كتابه الهداية الكبرى، بسنده عن الإمام الحسن عليه السلام، حينما عاتبوه على صلحه مع معاوية، وتركه الخلافة له كما سيأتي، فأجابهم قائلاً: «لو أني في ألف رجل، لا والله إلّا مائتي رجل، لا والله إلّا في سبع نفر لما وسعني تركه، ولقد علمتم أن أمير المؤمنين دخل عليه ثقاته حين بايع أبا بكر، فقالوا له مثلما قلتم لي، فقال لهم مثلما قلت لكم، فقام سلمان والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة بن اليمان وخزيمة بن ثابت وأبو الهيثم مالك بن التيهان، فقالوا: نحن لك شيعة ومن ورائنا شيعة لك، مصدقون الله في طاعتك. فقال لهم: حسبي بكم. قالوا: وما تأمرنا؟ قال: إذا كان غداً فاحلقوا رؤوسكم واشهروا سيوفكم وضعوها على عواتقكم وبكّروا إليّ؛ فإني أقوم بأمر الله ولا يسعني القعود عنه. فلمّا كان من الغد بكّر إليه سلمان والمقداد وأبو ذر وقد حلقوا رؤوسهم وأشهروا سيوفهم وجعلوها على عواتقهم، ومعهم عمار بن ياسر... فلما قعدوا بين يديه عليه السلام نظر إليهم... فقال: اغمدوا سيوفكم، فو الله، لو تمّ عددكم سبعة رجال لما وسعني القعود عنكم»([6]).

فهذا النص صريح في أن من الوظائف المصيريّة والأوامر الإلهيّة التي كان يرى الإمام علي عليه السلام ضرورة القيام بها ـ بعد رحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ـ هو النهوض والتحرّك المسلّح لإسقاط الخلافة المنتحلة، والتصدّي لإقامة أمر الله وحكمه في الأرض بإمامته وقيادته عليه السلام، وقد أعطى الأوامر والتوجيهات اللازمة في هذا المجال، وكان يكفيه للخروج وتحقيق الأهداف في ذلك الحين سبعة من الرجال المخلصين، المضحّين لدينهم ومبادئهم. لكنه عليه السلام لم يجتمع لديه حتى هذا العدد القليل من الأعوان والأنصار، وهو ما اضطرّه للبيعة واستبعاد الخيار العسكري.

2ـ خطبته عليه السلام المشهورة في مسجد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، حينما تخاذلت الأُمّة في الدفاع عن حقّه بالإمامة والخلافة، يقول فيها عليه السلام، بعد تقديم الحمد والثناء لله تعالى، والصلاة على الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: «أيها الأُمة التي خُدعت فانخدعت، وعرفت خديعة من خدعها فأصرّت على ما عرفت، واتّبعت أهواءها، وضربت في عشواء غوايتها، وقد استبان لها الحق فصدّت عنه»، في إشارة واضحة منه عليه السلام إلى أن خلافة السقيفة كانت خدعة مفضوحة بفكرتها ورجالاتها وتشكيلتها، وأن الخدعة انكشفت للأُمّة بالجهود السلميّة التي بذلها عليه السلام، فظهرت بذلك معالم الحقّ والحقيقة، ولكن الأُمّة تخاذلت، واتّبعت أهواءها، وصدّت عن الحق، ونامت على وسائد الخديعة والذلّ.

ثم يواصل عليه السلام كلامه في تعنيف الأُمة وتوبيخها على تضييعها هذا الحق الإلهي، الذي فيه صلاح البلاد والعباد والسعادة في الدارين، إلى أن يقول عليه السلام: «أما والله، لو كان لي عدّة أصحاب طالوت أو عدة أهل بدر ـ وهم أعداؤكم ـ لضربتكم بالسيف حتى تؤولوا إلى الحق وتنيبوا للصدق، فكان أرتق للفتق، وآخذ بالرفق، اللهم فاحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين»، فكان الإمام عليه السلام على استعداد تامّ لخوض حرب شاملة، هدفها إسقاط الحكم الفاسد وإرجاع الحقّ لأهله، ويؤكّد بشكل واضح وصريح على أن المصلحة في ذلك، وأنه لا مصلحة في المهادنة والسكوت. ولكن لا حرب بلا جيش، ولا صولة بيدٍ جذّاء!!

ثم خرج عليه السلام من المسجد، فمرّ بحظيرة فيها نحو من ثلاثين شاة، فقال: «والله، لو أن لي رجالاً ينصحون لله عز وجل ولرسوله بعدد هذه الشياه لأزلت ابن آكلة الذبان عن ملكه. فلما أمسى بايعه ثلاثمائة وستون رجلاً على الموت، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: اغدوا بنا إلى أحجار الزيت محلّقين، وحلّق أمير المؤمنين عليه السلام، فما وافى من القوم محلقاً إلا أبو ذر والمقداد وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر وجاء سلمان في آخر القوم، فرفع يده إلى السماء، فقال: اللهم إن القوم استضعفوني كما استضعفت بنو إسرائيل هارون»([7]). ومضمون النصّ واضح لا يفتقر إلى التعليق. ويظهر منه أنه عليه السلام كان يجلس لاستقبال المبايعين على التضحية والقتال في سبيل الحقّ، وقد أقنع ـ بكلامه وخُطبه وتحركاته الواسعة ـ مجموعة كبيرة من الصحابة، قادرة على التغيير وصناعة المستقبل بما يتوافق مع الإرادة الإلهيّة، لولا الخيانة والخذلان.

3ـ ما يروى عن سليم بن قيس، أنه قال: «سمعت علياً يوم الجمل ويوم صفين يقول: إني نظرت فلم أجد إلا الكفر بالله، والجحود بما أنزل الله، بمعالجة الأغلال في نار جهنم، أو قتال هؤلاء، ولم أجد أعواناً على ذلك. وإني لم أزل مظلوماً منذ قُبض رسول الله صلى الله عليه وآله، ولو وجدت قبلُ الناس أعواناً على إحياء الكتاب والسنّة كما وجدت اليوم لنا لم يسعني القعود»([8]).

فكان البحث جارياً عن الأعوان والأنصار منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله، وما كان يسع عليّاً عليه السلام القعود عن حقّه، لولا اليد الجذّاء وتخاذل الشعب وفقدان الناصر. والنصّ يُشير بوضوح إلى أن هناك نهضة علوية تستهدف إحياء الكتاب والسنّة، والتغيير الثوري المسلّح، ولكنها نهضة لم ترَ النور بسبب تخاذل الأُمّة وتقاعسها عن الحقّ. كما أن النصّ واضح أيضاً، في كون الجلوس عن الحق، ومهادنة الطغاة، مع وجود الأعوان والأنصار، من الأُمور التي تستلزم لصاحبها الكفر بالله، والجحود بكتابه، واستحقاق الدخول إلى نار جهنّم، فهي من الكبائر بامتياز.

4ـ يواجه الإمام عليه السلام في هذا النصّ قيادات الحزب الحاكم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، ويُصارحهم بأبعاد حركته السياسية الثورية التي كانت تؤرّقهم آنذاك، ويخاطبهم عليه السلام بالقول: «ولو كنت في أربعين رجلاً، لفرقت جماعتكم، فلعن الله قوماً بايعوني ثم خذلوني»([9]).

فكان هناك تخطيط عسكري من قِبله عليه السلام، وبيعة له على التحرّك المسلّح لإسقاط النظام، وكاد أن ينجح الأمر لولا الخذلان، ولعلّ نظام الحكم الانقلابي قد بلغ من القوّة والاستحكام ما احتاج فيه الإمام عليه السلام لزيادة سقف الأعوان والمؤيدين من سبعة رجال إلى الأربعين رجلاً.

5ـ في مضمون آخر ذي صلة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام، بعد أن كشف له طموحات القوم ومخططاتهم ورغبتهم الجامحة في تولّي السلطة والحكم: «إن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم ونابذهم، وإن أنت لم تجد أعواناً، فبايع واحقن دمك». فقال علي عليه السلام مخاطباً مجلس الشيوخ!!: «أما والله، لو أن أُولئك الأربعين رجلاً الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله» ([10]).

فلم تكن وصية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام هي السكوت والقعود عن حقّه بشكل مطلق وفي جميع الأحوال، وإنما جعل ذلك ظرفاً اضطراريّاً ومشروطاً بعدم وجود المؤيدين والأعوان، وأن عليه أن يسعى لتكوين قوّة فدائية ضاربة؛ يستعين بها لتقويم الانحراف الذي ظهرت معالمه في الأُمّة، ويظهر من كلامه عليه السلام أنه قد عمل فعلاً بالفرض الأول من الوصية، فاستنصر الناس وتهيّأ للجهاد وجمع الأعوان، وأن هناك أربعين رجلاً من الأصحاب ـ في أقلّ التقادير ـ قد بايعوه بالفعل على الجهاد لإسقاط نظام الحكم، ولكنهم خذلوه، فاضطر للسكوت والمهادنة.

6ـ وهناك نصّ روائي يُبيّن طبيعة التحرك والتخطيط العلوي لجمع الأعوان، وكسب الأنصار، والتأكيد على ضرورة التحشيد البشري والعسكري؛ للخروج على الخلافة غير الشرعية، وهو ما شاهده سلمان، ورواه توصيفاً وتوثيقاً لتلك المرحلة الحسّاسة، إذ يقول: «فلما كان الليل حمل عليّ فاطمة على حمار، وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين، فلم يدع أحداً من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتى منزله وذكر حقّه ودعاه إلى نصرته، فما استجاب له من جميعهم إلا أربعة وأربعون رجلاً، فأمرهم أن يُصبحوا بكرة محلّقين رؤوسهم، معهم سلاحهم، وقد بايعوه على الموت، فأصبح ولم يوافه منهم أحد غير أربعة»([11]).

لقد احتشدت في هذا النص معان ومضامين بالغة الخطورة والأهمية، تحكي آفاق وأُسلوب وآليات النهضة العلوية للتغيير، تلك النهضة التي أقعدها خذلان الأُمة وضعف إرادتها، حيث حمل عليه السلام ثقل النبوة وحرم الله ورسوله وأهل بيته الطاهرين، وخرج بهم في هيئة وكيفية خاصّة، وبشيء من السريّة والخفاء والكتمان؛ وذلك بغية إقناع الأُمّة بحقّه، ودعوة الناس لنصرته، ومبايعته على الموت والجهاد في سبيل الله؛ لتصحيح المسار الذي لا زال في بدايات الانحراف والضلال، وقد اختار للتغيير والتصحيح الأُسلوب العسكري المسلّح؛ لخطورة الموقف، وضرورة الإصلاح.

نكتفي بهذا القدر من النصوص والإيضاحات، ويمكننا أن نجمل مفاصل هذه النهضة العلوية المباركة بعد وفاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في النقاط التالية:

1ـ كان الإمام علي عليه السلام يعلم بواقع المؤامرة؛ حيث أخبره النبي صلى الله عليه وآله بذلك، وأطلعه على ما يُضمره القوم من مطامع وشهوات تجاه الزعامة والحكم.

2ـ إن النبي صلى الله عليه وآله قد أوصى عليّاً عليه السلام، في حال تفاقمت الأُمور، وانقلب القوم على الشرعيّة السماويّة، بأن يسعى لتشكيل قوّة عسكريّة مسلّحة لوأد الفتنة وإفشال المؤامرة، وإكمال مسيرة بناء الدولة الإسلاميّة العادلة؛ فكان الخروج المسلّح للتغيير من الوظائف الإلهيّة، بأمر مباشر من النبي صلى الله عليه وآله.

3ـ كذلك أوصى النبي صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام بالجلوس والسكوت واستبعاد الخيار العسكري إن لم يجد ما يكفي من الأتباع والمؤيدين، ويُفهم من النصوص الواردة في هذا المجال أن خيار السكوت كان خياراً اضطراريّاً، وعلاجاً طوارئيّاً في أسفل قائمة الحلول، ولم يكن هو الأصل في التأسيس لكيفية مواجهة السلطات والحكومات الفاسدة والمنحرفة.

4ـ ابتدأت الحركة العلوية بشكل سلمي؛ لكشف خيوط المؤامرة والخديعة والشعارات المزيّفة، متمثّلة في بداية الأمر بالمقاطعة والاستنكار والمطالبة بالحقّ ورفض البيعة والعمل على كشف الأوراق، وقد نجحت هذه الحركة السلميّة في فضح المؤامرة ورجالاتها أمام الرأي العام، وأضحى المسلمون على بيّنة من أمرهم، يعلمون أن الحقّ مع علي عليه السلام، لا مع غيره. واستشعاراً بخطورة هذه الحركة، اتخذت الحكومة القائمة تدابير أمنيّة صارمة لإسكات هذا الصوت المعارض، والمطالب بحقوقه المشروعة.

5ـ كانت الحركة والنهضة العلوية المباركة تحمل شعارات التغيير والإصلاح، وإحقاق الحق، والدفاع عن الدستور الإسلامي (الكتاب والسنّة النبويّة)، وإقامة حكم الله في الأرض.

6ـ بعد أن جُوبه الخيار السلمي بالعنف الحكومي، وارتسمت الصورة الواضحة للخلافة غير المشروعة، وعملاً بالوصيّة النبوية الشريفة، سعى الإمام عليه السلام بشكل جادّ ومتكرّر لاستنهاض الأُمّة وتحشيد المسلمين وإقناعهم بضرورة تبنّي الخيار العسكري لاسترجاع الحقوق وردع البغاة والطامعين والمتسلّقين على أكتاف المسلمين، وأن الخروج المسلّح لتحقيق الإرادة الإلهيّة أصلح للأُمّة من المهادنة والسكوت على الباطل، بل يُعدّ هذا الأمر من الكبائر مع إمكانيّة التغيير.

ويظهر من بعض النصوص أنه عليه السلام قد تحرك بهذا الاتجاه مراراً وتكراراً، وحاول استنهاض الأُمة في ظروف ومناسبات مختلفة. كل ذلك بتدبير خاص ومدروس ومُتقن، مُحاطاً بدرجة عالية من السرية والخفاء والكتمان، وفي وفد مفاوض إلهي رفيع المستوى، ضمّ أهل الكساء والمباهلة وآية التطهير.

7ـ أصابت تلك الجهود المباركة أهدافها، وأسفرت عن تشكيل جيش متكامل، وقوّة عسكريّة كبيرة قادرة على التغيير، وقد بايعوا الإمام عليه السلام على الجهاد في سبيل الله والموت بين يديه. وصرّح عليه السلام في أكثر من موقف بأنه مستعدّ لخوض حرب عامّة وشاملة ضدّ كل مَن يقف بوجه الإصلاح والتغيير، واسترجاع الحقوق المسلوبة، وإقامة حكم الله في الأرض، وليس ذلك إلا لخطورة الموقف وحساسيّة المرحلة.

8ـ أصدر الإمام عليه السلام لأتباعه مجموعة من التوجيهات والأوامر والتدابير السياسيّة والأمنيّة، كان من جملتها المحافظة على سريّة الحركة إلى حين مجيء ساعة الحرب، وأن يكونوا على استعداد كامل للمواجهة، وأن يحلقوا رؤوسهم؛ ليتميّزوا بالهيئة والشكل عن غيرهم، ويُوحوا لأعدائهم بأنهم مستميتون في سبيل مبادئهم، ويُدخلوا في قلوبهم الرعب، وقد أمرهم عليه السلام بالإبكار مصبحين واضعين سيوفهم على أكتافهم، إما التغيير أو الموت.

9ـ لكن المؤسف في الأمر هو أن الأُمة قد تخاذلت في أداء وظائفها، وتخاذل المؤيّدون وتراجعوا تدريجيّاً عن بيعتهم، اتباعاً للهوى، وطلباً للسلامة الدنيويّة على حساب الدين ومصلحة الإسلام.

10ـ اضطر الإمام عليه السلام بعد الخذلان للبيعة والمهادنة، وحينما استدعاه الحزب الحاكم للبيعة تحت طائلة العنف والتهديد، صارحهم بحركته السياسية وتخطيطه العسكري، الذي كان كثيراً ما يؤرّقهم ويُخيفهم، وقد أطلعهم بشكل واضح على أنه كان عازماً على استئصالهم وإقصائهم عن سدّة الحكم، لولا تقاعس وخذلان الناس والأعوان.

وحاصل ما ذكرناه في هذه النقطة وسابقتها: أن هناك نهضة إصلاحية وتصحيحية منظّمة، قادها الإمام علي عليه السلام، حملت شعارات: التغيير، وإحياء الكتاب والسنّة، والدفاع عن الشرعيّة الإلهية، وإسقاط الخلافة المبتدعة والخارجة عن القانون، وإقامة حكومة الإسلام بقيادة علويّة ربّانيّة. ولكن النجاح لم يُكتب لهذه النهضة المباركة بسبب سوء اختيار الأُمّة المتخاذلة، وفقدان الأنصار المؤمنين بالنهضة وقائدها.

الشاهد الثالث: التصدّي الفعلي لتسلّم مقاليد الحكم والسلطة

تسنّم أمير المؤمنين عليه السلام وبشكل مباشر ورسمي كرسي الخلافة، وإدارة شؤون الدولة الإسلامية، بعد مقتل عثمان وإقدام أغلب الصحابة والمسلمين على مبايعته، وقد رسم للسياسة صورة رائعة، وأعطى رؤية متكاملة حول نظام الحكومة الإسلاميّة، فكان ولازال علي بن أبي طالب عليه السلام الحاكم الأبرز والأمثل والأعدل في تاريخ الحكومات الإسلامية والعالمية، وقد صُنّفت حول شخصيّته السياسية المحنّكة وحكومته الرائدة الكتب والبحوث والدراسات، وانتُخبت أقواله ومواقفه وسيرته مع الرعية والولاة والحكومات والأنظمة غير الإسلامية مصدراً ومنهاجاً عالمياً في الأُمم المتحدة، ولازال المفكّرون من القرّاء والدارسين لهذه الشخصية العظيمة على أعتاب سلّم المجد العلوي، ولازالت جميع الدول والحكومات مدعوّة لدراسة أبعاد الحكومة والقيادة العلوية والاقتداء بها للخروج من أزماتها الدوليّة والمحلّيّة.

وقد حملت هذه الحكومة الإلهية في جنباتها كلّ خير للأُمّة الإسلامية وللإنسانيّة جمعاء، وتضمّنت من الأقوال والنصوص والمواقف والشواهد ما يكرّس وبشكل واضح وجلي كلّ ما ادّعيناه في هذه الإجابة الأُولى، من أن سيرة المعصومين عليهم السلام قائمة على التخطيط لبناء دولة الحق واستلام مقاليد الحكم.

وكم يُعجبني أن أستعرض هنا بعض الفصول السياسية الضخمة في حياة علي عليه السلام، من قبيل ما يرتبط بإعلان الدستور (الكتاب والسنّة)، وتحديد الرؤية الإسلاميّة السياسية تجاه الحكم ومبادئه وعلاقته بالدين والسماء، وتشكيل حقائب الحكومة الصالحة وتعيين وظائفها التنفيذيّة، وبناء الدولة الكريمة، واختيار الولاة والقضاة والموظفين والعمّال، وتنظيم الموازنة الماليّة والاقتصاديّة، وإنشاء منظومة الحقوق ودوائر ودور الرعاية الاجتماعية، ورفع راية الإصلاح والتغيير والتطوير، والاهتمام بالتنمية البشريّة، ومحاربة الفساد بكل أشكاله، ودعم التسليح العسكري، وتعبئة الجبهات ضد الأعداء على كافة الأصعدة، وغير ذلك من روائع الموسوعة السياسيّة العلوية. ولكنه يطول بذلك المقام وتتسع دائرة المقال بما يخرجنا عن نقطة البحث؛ ولذا نكتفي بأصل الفكرة في هذا الشاهد، وهي مسألة التصدّي الفعلي لاستلام الحكم والتأسيس لمعالم الحكم الإسلامي؛ فإنه خير شاهد على أن قيادة الأُمة بالحقّ دينيّاً وسياسياً من الأُمور المتيسّرة والممكنة حتى بعد انحرافها في الحُقب الماضية، وأن ذلك من الوظائف الموكلة للإمام المعصوم عليه السلام، إذا أحسنت الأُمة اختيارها، ووقفت إلى جانبه، وقدّمت الدعم البشري لحكومته الإلهية.

وأما قصّة رفض الإمام علي عليه السلام للخلافة وامتناعه عن استلام الحكم والسلطة بعد مقتل عثمان، لمّا انهال عليه الناس للبيعة، فليست أسبابها عدم أهلية الأُمّة لقيادة المعصوم في بناء الدولة وتشكيل الحكم الإسلامي، وإلا كان من المفترض رفض الخلافة على أيّة حال، فقبوله عليه السلام يكشف عن أهليّة الأُمة لذلك لو أحسنت اختياراتها([12])، وإنما أراد عليه السلام بذلك الرفض والامتناع عن قبول الخلافة في بداية الأمر أن يسجّل استنكاراً واعتراضاً على الذين توجّهوا لغيره بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله، وأقرّوا بخلافته بسوء اختيارهم، من دون أن يتحلّى ذلك الغير بأي صفة من مواصفات العلم والحلم والحكمة والقدرة على قيادة المجتمع، فمنعوه عليه السلام حقّه الطبيعي والمشروع في تولّي الخلافة ظلماً وعدواناً. وينضاف إلى ذلك أيضاً الظرف الحرج والحساس جدّاً الذي كانت تمرّ به الأُمّة بعد مقتل الخليفة عثمان؛ حيث كان سيُتّهم بدمه كل مَن يجلس في مكانه لتولّي الخلافة، وسيتحمّل المتصدّي أيضاً أعباء الإرث الثقيل للفساد المستشري الذي تورّطت به الحكومة السابقة، على كافّة الأصعدة وفي جميع المستويات، وهذا ما حصل بالفعل.

ومن مجموع ما بيّناه إجمالاً يتضح: أن سيرة أمير المؤمنين عليه السلام ومواقفه وأقواله وتحركاته عموماً كانت قائمة على تبنّي الرؤية السياسية، والتدخّل العسكري، والتصدّي للإصلاح والتغيير، وإقامة حكم الله في الأرض، ولكن سكوته عليه السلام عن ذلك في فترة معيّنة من حياته المباركة كان سببه الأساس هو الاضطراب والتردد والتخاذل من قِبل الأُمّة والمجتمع الإسلامي بصورة عامّة. وهذا ما اختلفت ظروفه وشرائطه في زمن الإمام الحسين عليه السلام، فاختلفت في ضوئه الصورة والنتائج، كما سيتبيّن.

2ـ المبادئ السياسية للنهضة الحسنية

أيضاً نعتقد بأن الإمام الحسن عليه السلام قد تصدّى بشكل واضح وصريح لإكمال صروح المسيرة الربانيّة والنهضة الإصلاحية بعد شهادة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، وقد باشر في التأسيس لإقامة دولة إلهية إسلامية عادلة بإمامته وقيادته عليه السلام، في إطار نهضة تغييرية إصلاحية واسعة الأبعاد، والحديث في هذه النقطة يطول أيضاً، وشواهده الروائية والتاريخية كثيرة جدّاً ومستفيضة، وجديرة بالدراسة والبحث والتدقيق، ولكن سنقتصر على اقتطاف بعضها؛ للتدليل على ما نقول:

الشاهد الأول: الخطابات السياسيّة والقيادية

والأبرز في هذا المجال خطبته عليه السلام صبيحة الليلة التي دفن فيها أمير المؤمنين عليه السلام، حيث استعرض أثناء مراسم العزاء والتأبين المسيرة الدينية والإيمانيّة والاجتماعيّة والسياسية والجهاديّة والقياديّة التي حفلت وتميّزت بها حياة أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم انتقل بعد ذلك مباشرة للتعريف بشخصيته المباركة، وأنه الامتداد الطبيعي للبيت النبوي والعلوي، وأنه الكفوء والأهل والأحقّ باستلام زمام الأُمور وتولّي قيادة الأُمة، قال عليه السلام: «أيها الناس، مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن النبي، وأنا ابن الوصي، وأنا ابن البشير، وأنا ابن النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل ينزل إلينا ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأنا من أهل البيت الذي افترض الله مودّتهم على كل مسلم... »([13]). «ولقد حدّثني حبيبي جدي رسول الله صلى الله عليه وآله أن الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته، ما منا إلا مقتول أو مسموم»([14]).

فانتسب الحسن عليه السلام إلى جدّه وأبيه، وعرّف نفسه بمواريث النبوة والوصاية والمُلك والإمامة وهداية الأُمة والدعوة إلى الله عزّ وجلّ، وأكّد على أن مودّة أهل البيت عليهم السلام فرض واجب على كافة المسلمين، وأن المعصومين من أهل البيت عليهم السلام هم أئمة الخلق وساداتهم بالحقّ.

وقد فهم الحاضرون من هذه النُّبذة التعريفيّة أنه عليه السلام قد عرض نفسه الكريمة لتولّي الخلافة والحكم وقيادة الدولة الإسلامية خلفاً لأبيه أمير المؤمنين عليه السلام؛ ولذا نهض عبد الله بن عباس مباشرة يدعو الحاضرين لمبايعة الحسن عليه السلام، قائلاً: «معاشر الناس، هذا ابن نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه. فاستجاب له الناس، وقالوا: ما أحبه إلينا! وأوجب حقّه علينا! وتبادروا إلى البيعة له بالخلافة... فرتب عليه السلام العمال وأمّر الأُمراء، وأنفذ عبد الله بن العباس (رضي الله عنه) إلى البصرة، ونظر في الأُمور» ([15]).

ثم إنه عليه السلام خطب الناس بعد البيعة قائلاً: «نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسوله الأقربون، وأهل بيته الطيبون الطاهرون، وأحد الثقلين اللذين خلّفهما رسول الله صلى الله عليه وآله في أُمته، والتالي كتاب الله، فيه تفصيل كل شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالمعول علينا في تفسيره، لا نتظنّى تأويله، بل نتيقن حقائقه، فأطيعونا، فإن طاعتنا مفروضة؛ إذ كانت بطاعة الله عز وجل ورسوله مقرونة» ([16]). ويُمثّل هذا الخطاب التاريخي إعلاناً رسميّاً رئاسيّاً لثالث حكومة إلهيّة في الإسلام بقيادة المعصوم من حزب واحد، هو حزب الله الغالب، ويجب على الأُمّة السمع والطاعة لأوامر وتوجيهات هذا الحزب الإلهي المبارك.

وكان الحسن عليه السلام يؤكّد دائماً على حقّه الشرعي وأحقيّته بالخلافة والحكم، ويُطالب باسترجاع هذا الحق في مواضع كثيرة، ومناسبات مختلفة، حتى قال له معاوية ـ بعد واحدة من خطبه عليه السلام البليغة التي ألهبت مشاعر المجتمع الشامي ـ: «أما إنك ـ يا حسن ـ قد كنت ترجو أن تكون خليفة ولست هناك. فقال الحسن عليه السلام: أما الخليفة فمَن سار بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وعمل بطاعة الله عز وجل، ليس الخليفة مَن سار بالجور وعطّل السُّنن واتخذ الدنيا أمّاً وأباً» ([17]). وفي خطبة أُخرى أيضاً في مجلس معاوية يقول عليه السلام: «أصبحت قريش تفتخر على العرب بأن محمداً منها، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمداً منها، وأصبحت العجم تعرف حق العرب بأن محمداً منها، يطلبون حقنا، ولا يردون إلينا حقّنا»([18]). هو المنطق ذاته وذات الشعارات التي حملتها النهضة الحسينية المباركة، ولكن الدور والقرار والمشهد السياسي قد يختلف باختلاف ظروف الواقع الإسلامي المتقلّب والمتردّي.

الشاهد الثاني: التصدّي لمباشرة شؤون الخلافة والحكم

حيث تولّى عليه السلام وبشكل مباشر إدارة شؤون الحكومة والدولة الإسلاميّة، ففي ضوء النص السابق لما بويع الحسن عليه السلام وأعلن تولّيه الأمر وقيادته للأُمة، بادر مباشرة لتشكيل الحكومة وتعيين الحقائب الوزاريّة وتخصيص وتشخيص سائر الأُمور التنفيذية والمالية ذات العلاقة، فرتّب العمال وأمّر الأُمراء ونظر في الأُمور. وكتب لمعاوية يأمره بطاعته والانقياد لأوامره، ويقول له: «إن علياً لما توفّاه الله ولّاني المسلمون الأمر بعده، فاتق الله يا معاوية، واُنظر لأُمّة محمد صلى الله عليه وآله، ما تحقن به دماءها وتصلح به أمرها» ([19]). وفي نص آخر مماثل يقول فيه عليه السلام: «فاليوم فليتعجّب المتعجّب من توثّبك ـ يا معاوية ـ على أمر لست من أهله... إن علياً لما مضى لسبيله... ولّاني المسلمون الأمر بعده... فدع التمادي في الباطل، وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي؛ فإنك تعلم أني أحق بهذا الأمر منك عند الله وعند كل أوّاب حفيظ، ومَن له قلب منيب. واتق الله ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، فو الله، ما لك خير في أن تلقى الله من دمائهم بأكثر مما أنت لاقيه به، وادخُل في السلم والطاعة، ولا تُنازع الأمر أهله ومَن هو أحق به منك، ليطفئ الله النائرة بذلك، ويجمع الكلمة، ويُصلح ذات البين، وإن أنت أبيت إلا التمادي في غيّك سرت إليك بالمسلمين فحاكمتك، حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين» ([20]).

وقد تضمّنت هذه النصوص والمكاتبات التاريخيّة المهمّة معالم الرؤية السياسيّة الثاقبة والمتميّزة للإمام الحسن عليه السلام إزاء التأسيس للدولة العادلة، والتصدّي لمحاربة البغاة والمفسدين والإرهابيين القتلة، الطامحين في إقامة دولة داعشية أُمويّة تكفيرية، بقيادة معاوية بن أبي سفيان، تُبنى هياكلها على جماجم المسلمين، تُكفّرهم وتقتات من دمائهم. ولا بأس بالتنصيص على أهم ما جاء فيها؛ لارتباطها بواقعنا المعاش:

1ـ معاوية الذي انخرط في حزب (بيعة المسلمين) المزعومة لأشياخه، وبنى مجده على أنقاض ورفات خلفاء تلك البيعة، يبدأ الإمام الحسن عليه السلام بإلزامه بما ألزم به نفسه، فها هي بيعة المسلمين قد تمّت له عليه السلام بما لا ينقص عن مبايعة السابقين، وعلى معاوية أن يُذعن ويخضع وينقاد لولايته وخلافته الإسلامية الشرعية، وأن يلتزم الجانب السلمي في التعاطي مع هذا الأمر.

2ـ يواصل الإمام عليه السلام التأكيد على حقّه في قيادة الأُمّة، وأنه من الحقوق المعلومة والثابتة، التي لا تفتقر إلى بيعة مَن بايع أو طاعة مَن يطيع، وإنما البيعة والطاعة من آليات وسبل تفعيل ذلك الحقّ الإلهي، يُشير إلى هذا المعنى قوله عليه السلام: «فإنك تعلم أني أحق بهذا الأمر منك عند الله، وعند كل أوّاب حفيظ، ومَن له قلب منيب... ولا تنازع الأمر أهله ومَن هو أحق به منك». ويؤكّد عليه السلام على أن خير الأُمّة صلاحها في إرجاع الحقّ لأهله، حيث يقول: «ليطفئ الله النائرة بذلك، ويجمع الكلمة، ويصلح ذات البين».

3ـ التأكيد على عدم أهلية معاوية للمنصب الحساس الذي يشغله، وعليه أن يتنحّى عن منصبه، وأنه ينبغي أن تكون الأهلية والكفاءة هي المعيار الأساس في تولّي المناصب السيادية والحكومية.

4ـ الدعوة إلى السلم، والطاعة، وتقوى الله، والانقياد للشرعية، وتوحيد الكلمة، وإطفاء الإرث العدواني الثقيل، وتوخّي الإصلاح وصلاح الأمّة، وترك البغي والتمادي في الغيّ والباطل، وعدم منازعة أهل الحقّ في حقّهم، وحقن دماء المسلمين، والتزام مبدأ التداول السلمي للسلطة.

5ـ وقد ختم الإمام عليه السلام كتابه لمعاوية بالتهديد ولغة السلاح والقتال إن أبى معاوية التعامل بالطرق السلمية والدبلوماسية، قائلاً: «وإن أنت أبيت إلا التمادي في غيّك، سرت إليك بالمسلمين فحاكمتك، حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين».

ثم إنه عليه السلام قام بتجييش الجيوش وتحشيدها والرفع من معنوياتهم، وخرج الجيش الإسلامي بقيادته لقتال البغاة ـ معاوية وأتباعه بعد أن رفضوا دعوته للطاعة والسلم ـ وقد زاد في عطاء الجيوش وتجهيزهم وتسليحهم([21]). والحديث في هذه النقطة بالخصوص يتّسع ويطول، ونحن اليوم بأمسّ الحاجة لدراسة معالم وأبعاد السياسة الحسنية المباركة، ومعرفة دورها في التعامل مع الأزمات الاجتماعيّة والسياسية والأمنية والعسكرية، التي واجهها المجتمع الإسلامي، قبل الالتجاء إلى الموافقة على عقد الهدنة مع معاوية. وسوف نتجنّب الولوج في هذه النقطة أيضاً رعاية للإيجاز والاختصار.

الشاهد الثالث: فقدان الناصر وخذلان الأُمة

هناك مجموعة كبيرة جدّاً من الأحاديث والنصوص التاريخية، الواضحة والصريحة في أن الخروج المسلّح ضد معاوية وإسقاط حكمه وإقامة حكم الله في الأرض، كان هو الحل الأمثل والأفضل، بل هو المتعيّن مع وجود الأنصار المؤمنين بنهضة الإصلاح والتغيير، كما أشرنا آنفاً إلى بعض تلك النصوص. وقد سار الإمام الحسن عليه السلام بشكل عملي لإنجاز هذه المهمّة العسكريّة المصيريّة والحسّاسة، فخرج بالجيوش ليختبر نيّاتهم وطاعتهم، ففشلوا في الاختبار فشلاً ذريعاً([22]).

وكان الحسن عليه السلام كثيراً ما يُهدّد معاوية بالجيش الإسلامي، ويضع الخيار العسكري دائماً على طاولة المداولة والمفاوضات، برجاء أن ينهض الجيش بهذه المهمّة والمسؤوليّة الحسّاسة، كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك في نص سابق، وهو ما جاء أيضاً بشكل صريح في كتاب بعثه لمعاوية بعد أن نفّذ عليه السلام عقوبة الإعدام بحق شخصين منافقين من جواسيس معاوية، يقول فيه: «أما بعد، فإنك دسست إليّ الرجال كأنك تحب اللقاء، وما أشك في ذلك، فتوقّعه إن شاء الله» ([23]).

ولكن التاريخ يرسم صورة مختلفة للجيش الإسلامي آنذاك، فكان وللأسف جيشاً متداعياً، خائر القوى، منهزماً ومكسوراً من الناحية الإيمانيّة والنفسية والإعلاميّة، خائفاً مهزوزاً متململاً من كثرة الحروب وطول أمدها وامتداد تاريخ المسيرة الجهاديّة، قد وضع الدنيا وزينتها أمام طموحاته وأمانيه، وجعل التضحية في سبيل الدين والمبادئ آخر ما يفكّر فيه ويهتمّ به، وسجّل انهزامات متتالية في شتّى الميادين، حتى كاد هذا الجيش الضعيف المخترق والمكشوف أن يُسلّم الحسن عليه السلام أسيراً بيد معاوية، وهذا ما صرّح به الإمام عليه السلام في محضر معاوية، حينما خطب الناس قائلاً: «أيها الناس، إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلاً، ولم أرَ نفسي لها أهلاً، وكذب معاوية، أنا أوْلى الناس بالناس في كتاب الله، وعلى لسان نبي الله، فأقسم بالله، لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتها، ولما طمعتَ فيها يا معاوية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما ولّت أُمة أمرها رجلاً قط وفيهم مَن هو أعلم منه إلّا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً، حتى يرجعوا إلى ملّة عبدة العجل... وقد تركت الأُمة علياً عليه السلام وقد سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير النبوة، فلا نبي بعدي. وقد هرب رسول الله صلى الله عليه وآله من قومه، وهو يدعوهم إلى الله، حتى فرّ إلى الغار، ولو وجد عليهم أعواناً ما هرب منهم، ولو وجدت أنا أعواناً ما بايعتك يا معاوية. قد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه، ولم يجد عليهم أعواناً، وقد جعل الله النبي صلى الله عليه وآله في سعة حين فرّ من قومه، لمّا لم يجد أعواناً عليهم، وكذلك أنا وأبي في سعة من الله، حين تركتنا الأُمة وبايعت غيرنا ولم نجد أعواناً. وإنما هي السُّنن والأمثال يتبع بعضها بعضاً» ([24]).

وأما أنصاره والمحيطون به، فقد تحدّث هو عليه السلام عنهم قائلاً: «يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي، وانتهبوا ثقلي، وأخذوا مالي... والله، لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلماً. فو الله، لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسيره أو يمنّ عليّ، فتكون سُبّةً على بني هاشم إلى آخر الدهر» ([25]).

وفي نص آخر يقول عليه السلام: «أما والله، ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة، ولكن كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشيب السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم، وكنا لكم وكنتم لنا، وقد صرتم اليوم علينا... وإن معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عِزٌّ ولا نصفة، فإن أردتم الحياة قبلناه منه، وأغضضنا على القذى، وإن أردتم الموت، بذلناه في ذات الله، وحاكمناه إلى الله. فنادى القوم بأجمعهم: بل البقية والحياة» ([26]).

وفي نص ثالث يؤنِّب أنصاره على الاختراقات الخطيرة والخيانات العسكريّة التي انتشرت في جيشه ومعسكره، حيث يقول عليه السلام: «ويلكم! والله، إنّ معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي، وإنّي أظن أنّي إن وضعت يدي في يده فأسالمه لم يتركني أدين لدين جدّي صلى الله عليه وآله وإنّي أقدر أن أعبد الله عزّ وجلّ وحدي، ولكنّي كأنّي أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم يستسقونهم ويستطعمونهم بما جعله الله لهم، فلا يسقون ولا يطعمون، فبُعداً وسحقاً لما كسبته أيديكم (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ). فجعلوا يعتذرون بما لا عذر لهم فيه» ([27]).

ويقول أيضاً عليه السلام في مقام بيان سبب تسليمه الخلافة لمعاوية: «والله، ما سلّمت الأمر إليه، إلّا أني لم أجد أنصاراً، ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري، حتى يحكم الله بيني وبينه» ([28]).

وبهذا الكلام كان الحسن عليه السلام يستقبل مَن يعاتبه من أصحابه في مسألة الصلح والهدنة، فمن ذلك ما تقدمّت الإشارة إليه في ملامح النهضة العلوية، حيث أجاب عليه السلام حجر بن عدي الطائي بالقول: «والله، يا حجر! لو أني في ألف رجل، لا والله إلّا مائتي رجل، لا والله إلّا في سبع نفر لما وسعني تركه... وتالله، يا حجر! إني لعلى ما كان عليه أبي أمير المؤمنين لو أطعتموني» ([29]).

وبنفس المضمون ما روي عن علي بن محمد بن بشير الهمداني، قال: «خرجت أنا وسفيان بن ليلى، حتى قدمنا على الحسن المدينة، فدخلنا عليه، وعنده المسيب بن نجبة وعبد الله بن الوداك التميمي، وسراج بن مالك الخثعمي، فقلت: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين! قال: وعليك السلام، اجلس، لستُ مذلَّ المؤمنين، ولكني معزّهم، ما أردت بمصالحتي معاوية إلّا أن أدفع عنكم القتل، عندما رأيت من تباطؤ أصحابي عن الحرب، ونكولهم عن القتال» ([30]).

ويُعقّب السيد المرتضى على مثل هذه النصوص قائلاً: «لأن المجتمعين له من الأصحاب وإن كانوا كثيري العدد، فقد كانت قلوب أكثرهم دغلة غير صافية، وقد كانوا صبوا إلى دنيا معاوية... فأظهروا لهعليه السلام النصرة، وحملوه على المحاربة والاستعداد لها طمعاً في أن يورّطوه ويسلموه، فأحسّ بهذا منهم قبل التولّج والتلبّس، فتخلّى من الأمر، وتحرّز من المكيدة» (

المرفقات