الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السيرة الحسينية (تنوُّع الأساليب ووحدة الهدف)

توطئة

إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة إلهية كبرى، أوجبها الدين الإسلامي المقدّس على كل مسلم، بل يمكن القول: تُشكِّل هذه الفريضة أساساً ومرتكزاً لباقي الفرائض الدينيّة، ويمثل هذا العنصر الأصيل ـ بصفته وسيلة ناجعة لإصلاح الفرد والمجتمع ـ أفضل وأشمل وأكمل نظام للإصلاح على الإطلاق. وفي الحقيقة لنا أن نقول: إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أوسع من التكليف الشرعي، بمعنى أنّ عقل الإنسان يحكم بأهمية وضرورة دعوة الناس بعضهم البعض إلى الخير والصلاح.

وعلى هذا الأساس؛ كل فعل حسن أو قبيح ـ سواء كان من الواجبات أو المحرمات، أو المستحبات أو المكروهات الشرعية، أم لم يكن من تلك العناوين ـ لا بدّ من أن يكون مصداقاً لأحد عنوانيْ المعروف أو المنكر.

صحيح أنّ هناك عوامل عديدة وراء نهضة الإمام الحسين علیه السلام وثورة عاشوراء، لكنّ العامل الأهم هو إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا يعني أنّ الإمام علیه السلام كان مصمِّماً على تلك النهضة حتى لو لم يوجّه له أهل الكوفة دعوة للحضور ولم يصرّ عليه يزيد لمبايعته أيضاً.

وعليه؛ كان الهدف من ثورة الإمام الحسين علیه السلام تحقيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكانت ماهية نهضة عاشوراء إحياء الإسلام، وكان الوجود المقدس لسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين علیه السلام في هذه النهضة متمثلاً بأنّه الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر. ومن هنا، استفاد الإمام لتحقيق هذا العنصر الأصيل والفريضة الإلهية الهامة من أساليب عملية متعددة، ووظّف كل واحد من تلك الأساليب في موضع معين لكسب النتيجة المطلوبة وتحقيق هدفه المقدس، ألا وهو إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ونحن في هذه المقالة بصدد بحث الأساليب المتنوعة والعملية التي استفاد منها الإمام الحسين علیه السلام في سبيل العمل بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

بحوث تمهيدية

1ـ بحث المفاهيم والألفاظ

أ الأُسلوب: قال ابن منظور في معناه: «الأُسْلوبُ: الطريق والوجه والمذْهَبُ... ويُجمَعُ أَسالِيبَ»[3].

ولا يختلف المعنى الاصطلاحي عن اللغوي لهذه المفردة؛ إذ إنّه يعني الطريقة والقاعدة والعادة والمنهج وما إلى ذلك.

ب المعروف والمنكر: قال ابن منظور في هذا الصدد: «المعروف: اسم جامع لكل ما عُرف من طاعة الله والتقرّب إليه والإحسان إلى الناس، وكل ما ندَب إليه الشرعُ ونهى عنه من المحَسَّنات والمقَبَّحات، وهو من الصفات الغالبة، أَي: أَمْر مَعْروف بين الناس إذا رأَوْه لا يُنكرونه. والمعروف: النَّصَفةُ وحُسْن الصُّحْبةِ مع الأَهل وغيرهم من الناس، والمنكَر: ضدّ ذلك جميعه»[4].

 وقال الراغب في معناهما: «المعْرُوفُ: اسمٌ لكلّ فعل يُعْرَفُ بالعقل أو الشّرع حُسنه، والمنكر: ما يُنكر بهما... ولهذا قيل للاقتصاد في الجود: مَعْرُوفٌ؛ لما كان ذلك مستحسناً في العقول وبالشّرع»[5].

ج السيرة: اسم مصدر من المادة سير، وتعني على ما أفاد اللغويون: الطريقة والهيئة والحالة[6]، هذا لغةً.

أما اصطلاحاً، فقد قال الراغب الأصفهاني في معنى السيرة: «الحالة التي يكون عليها الإنسان وغيره، غريزيّاً كان أو مكتسباً»[7].

 

2ـ أهمية فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

تعدّ فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهمّ الفرائض الدينيّة، فورد التأكيد الكبير عليها في الآيات القرآنية المباركة والسيرة العطرة للأئمة الأطهار عليهم السلام، بل اعتُبرت من ضروريات الدين. وسنُشير إلى نماذج من الآيات القرآنية والروايات الكثيرة في هذا المجال:

أ الآيات القرآنية

قال تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ﴾[8].

دأب القرآن الكريم على تقديم الأمر بالمعروف على النهي عن المنكر؛ ذلك أنّ زيادة المعروف في المجتمع وشيوع الأمر به يؤدي في نهاية المطاف إلى التقليل من المنكرات. وبعبارة أُخرى: بفتح أبواب المعروف تُغلق أبواب المنكر.

وقال أيضاً: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا. . .  وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا﴾[9].

وبهذا يتبيّن أنّ القرآن يؤكد على أنّ التفاهم والوحدة والاتفاق بين المسلمين مبدأ لجميع أنواع المعروف، وأنّ الاختلاف والتفرقة أقبح المنكرات.

ب الروايات

هناك أحاديث كثيرة وردت عن الأئمة الميامين عليهم السلام في خصوص فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنها على سبيل المثال: أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله قال: «مَن أمرَ بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه، وخليفة رسول الله، وخليفة كتابه»[10].

وقال الإمام الباقر علیه السلام حول أهمية هذه الفريضة الإلهية وآثارها الإيجابية في المجتمع: «إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تُقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحلّ المكاسب، وتُردّ المظالم، وتُعمَّر الأرض، ويُنتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر»[11].

فنرى أنّ الإمام أبا جعفر الباقر علیه السلام أشار في هذا الحديث إلى الأبعاد المختلفة والآثار العديدة المترتبة على العمل بهذه الفريضة، على المستوى العقدي والثقافي والأخلاقي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي؛ وهذا يعكس مدى أهمية مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودوره في إصلاح المجتمع الإسلامي.

 

3ـ أهمية الأساليب المختلفة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

لا شك في ضرورة اتخاذ أساليب صحيحة وطرق مناسبة لأداء هذه الفريضة الإلهية؛ لأنّه أمر بديهي، وكفى لإثبات أهمية تعلُّم أساليب مختلفة لهذا العنصر الأصيل وتنوع صوره وأشكاله أنّ القرآن الكريم حدّثنا عن أساليب متنوعة قام بها الأنبياء عليهم السلام للتبليغ ودعوة الناس إلى الفضائل وإبعادهم عن الرذائل، وأوضح أنّ منهجية دعوة الأنبياء قائمة على هذا التنوع، ومن هذه الأساليب أنّه خاطب نبي الإسلام صلى الله عليه وآله قائلاً: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾[12]، وكذلك قال: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾[13].

وعلى هذا الأساس؛ اختار الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ـ وبتوجيه إلهي ـ أفضل الأساليب وأكثرها تأثيراً عند التعاطي مع الظروف المختلفة للمخاطبين، وميّز عن طريق الأساليب العامة والجزئية بين المناهج الدائمة والمؤقتة وبين الحلول التكتيكات والاستراتيجيات[14].

ومن الشواهد على أنّ النبي صلى الله عليه وآله استفاد من أساليب مختلفة في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، دعوة الناس آحاداً وجماعات وفي أشق لحظات الدعوة، باللين والمرونة تارةً والشدة والغلظة أُخرى؛ ومن هنا، يتحتم لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر الاطّلاع على الأساليب المختلفة في هذا الصدد والاستفادة منها في الوقت المناسب؛ لأنّ احتمالات نجاح الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر تختلف باختلاف الطرق والأساليب حتى في المجال الواحد أيضاً، فيمكن إحراز النجاح التام عند استعمال أُسلوب معيّن والإخفاق عند استخدام أُسلوب آخر في الموضوع ذاته. ومن هذا المنطلق، قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: «مَن أمرَ بمعروفٍ فليكنْ أمرُه ذلك بمعروفٍ»[15].

وبهذا يتبين أنّ اتخاذ الأُسلوب المناسب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُعدّ أحد عوامل النجاح في هذا المجال، ومن شأنه أن يُضاعف من قيمة الفرص الموجودة أمام الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، ويحقق له النتيجة المنشودة بأقل مشقة ممكنة. وحيث إنّ الإمام الحسين علیه السلام كان من أكبر المبلغين للدين الإسلامي، ومن خيرة دعاة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد استفاد لإحياء هذه الفريضة الإلهية الكبرى من أساليب صائبة ومتنوعة، كلٌّ في موضعه ووقته المناسب، فكانت هذه الأساليب ـ حقاً ـ من أروع أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

4ـ أسباب القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السيرة الحسينية

عندما نبحث الأسباب الداعية إلى نهضة الإمام الحسين علیه السلام بخصوص عنصر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا بدّ لنا من بحث العوامل والأسباب التي دفعت الإمام إلى الثورة من أجل إحياء هذا العنصر الأصيل؟

إنّ لهذا الموضوع وضرورة معرفته أهميةً كبيرةً جعلت قائد الثورة الإسلاميّة يقول: «ينبغي معرفة العوامل التي مهدت لحادثة عاشوراء وقيام الإمام الحسين علیه السلام؛ لمنع إصابة مجتمعنا الإسلامي بما أُصيب المجتمع آنذاك، فلم تمضِ إلّا سنوات معدودة على تأسيس النبي صلى الله عليه وآله لمجتمع صدر الإسلام حتى ابتُلي بذلك الوضع المزري؛ ولذا يتوجب على شعبنا أن يحذر بشدة لئلا يُصاب بذلك الداء. يجب أن نُشخّص الداء المذكور ونعتبره خطراً عظيماً ونحرص على اجتنابه»[16].

وبغية إدراكٍ أفضل لهدف الإمام علیه السلام من إحياء هذا العنصر المهم، لا بدّ من الإشارة إلى الأوضاع والأحوال السائدة في ذلك الزمان؛ لتتضح العوامل التي أسهمت في بلورة هذه النهضة الخالدة.

وعند مراجعة الوصية التي كتبها الإمام الحسين علیه السلام لأخيه محمد بن الحنفية[17]، يتبين أنّ المجتمع الإسلامي كان في تلك البرهة بمنأى عن الإسلام الأصيل، بحيث لم يبقَ من الإسلام إلّا اسمه ومن القرآن إلّا رسمه، وكان يزيد يحرّم حلال الله ويحلّل حرامه جهاراً، ويخالف الإسلام في جميع أفعاله وسلوكه علناً، حتى أضحى تعاطي الخمر ومنادمة القرود والكلاب وما إلى ذلك من عاداته الدائمة وسيرته الثابتة. وترتَّبت على تلك السلوكيات القبيحة والأعمال المنافية للإسلام ـ التي صارت جزءاً من شخصيته ـ نتائج مريرة انعكست على الدين الإسلامي، حتى طوى النسيان سيرة النبي صلى الله عليه وآله وابتعد الناس عن الإسلام تماماً.

وقد حوّل يزيد المجتمع الإسلامي آنذاك إلى مستنقع حلّت فيه الرذائل بدل الفضائل والأهواء بدل القيم، من خلال الأعمال غير الشرعية والمناهضة للدين الإسلامي، من قبيل: الانحراف في أصل الدين تحريف الإسلام، الانحراف في أصل الولاية، وترك فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبديل الخلافة والإمامة إلى سلطنة، وبسط الظلم والجور في المجتمع الإسلامي، وعدم الاكتراث للانحرافات الثقافية والموبقات الأخلاقية، وإضعاف القيم الدينيّة و... ومن الطبيعي أنّ الخروج من المستنقع المذكور يتطلب تغييراً كبيراً وتحولاً عظيماً تستعيد فيه القيم مكانتها الأساسية، وتعود فيه الأصالة الواقعية إلى سابق عهدها في ظل سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله.

ففي مثل هذه الظروف، نادى الإمام الحسين علیه السلام [بلسان حاله]: إن كان دين محمد صلى الله عليه وآله لا يستقيم إلّا بقتلي فيا سيوف خذيني. ويمكن القول بضرس قاطع: إنّ هذه العوامل تُشكِّل البُنية التحتية والعمود الفقري لقيام الإمام ونهضة عاشوراء. على أنّ كل واحد من تلك العوامل بحاجة إلى بحث وتحليل مفصل[18]، وهو خارج عن دائرة هذه الدراسة.

 

5ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عنصر أصيل في النهضة الحسينية

من الجليّ أنّ هناك عوامل عديدة أسهمت في حدوث ثورة الإمام الحسين علیه السلام ونهضة عاشوراء، أهمها: إقامة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذ يمكن استكشاف تلك الأهمية عِبر مواقف الإمام في الأوقات المختلفة، ومكاتباته، ووصاياه وخُطبه، وكذلك البحوث الروائية والتاريخية، بل ونصوص الزيارات أيضاً؛ فيُستفاد منها جميعاً أنّ أهمّ عامل من العوامل التي فجّرت ثورة عاشوراء هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل إنّ هذه الميزة هي التي رفعت قيمة النهضة الحسينية وأكسبتها مزيداً من التقدير والاحترام؛ ولذا ثار الإمام الحسين علیه السلام لأجل إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فجاء ذلك على لسانه حينما قال: «إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمة جدّي، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب»[19].

فاتضح بذلك أنّ الإمام الحسين علیه السلام جعل الهدف الأساس من قيامه هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنّ هذا المبدأ ضمان لبقاء الإسلام، ينعدم الإسلام بانعدامه؛ لذا عُرف مَن بقي من عائلة الإمام الحسين علیه السلام بعد واقعة كربلاء بأهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعملوا بعد يوم عاشوراء على إقامة هذه الفريضة المهمة أينما حلّوا.

 

أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السيرة الحسينية

سبق وأن أشرنا إلى أنّ معرفة أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ وتوظيف الأدوات اللازمة والمفيدة للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ـ أمر ضروري ولا مناص منه؛ فالتعرض إلى هذا العنصر، من دون التسلح بالمعلومات اللازمة واستخدام السبل الضرورية وتوفير الآليات المناسبة، قد لا يقف عند حدّ الإخفاق في الحصول على النتيجة المطلوبة، بل من المحتمل أن يؤدي عدم الاهتمام بذلك إلى نتائج عكسية وتنجم عنه أضرار كبيرة جداً على معتقدات المخاطبين أيضاً. فلا طائل ممن يتصدى لموضوع الإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن لم يكن على دراية تامة بالعوامل والخلفيات والمعوّقات والإشكاليات والظروف الزمانية والمكانية وكل جوانب الموضوع الأُخرى.

ومن هنا؛ إنّما يُكتب النجاح والتأثير للإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يقترن ببرنامج مدروس وخطة محسوبة، ولو استطعنا استمداد هذه الأساليب من أقوال الأئمة من أهل البيت عليهم السلام واستقائها من أفعال الأولياء الإلهيين فلا ريب في أنّها ستكون أكثر تأثيراً.

وإذا ما راجعنا سيرة الإمام الحسين علیه السلام فسوف نجد أنّه كان على الدوام وفي جميع مراحل حياته بصدد إرشاد الأُمة وتطبيق فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسنُدرك أنّ ذلك لم يكن مقتصراً على واقعة عاشوراء. فالرجوع إلى السيرة العملية لأبي الأحرار علیه السلام وتحليل خطاباته ومواقفه المختلفة وكتبه السياسيّة، أثناء صلح الإمام الحسن علیه السلام، ومواجهته لأُمراء المدينة الذين انغمسوا بالملذات والأهواء، ثمّ موقفه بعد شهادة أخيه من حكومة معاوية وتهميش العلويين، وتصدّيه للولاة الفاسدين، وتعامله مع الناس الساكتين عنهم، كل ذلك يدلّ على أنّه كان يسعى جاهداً لترسيخ فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المراحل والجوانب كافة.

وعليه؛ فسعي الإمام الحسين علیه السلام لإحياء هذا العنصر الأصيل لم يكن مختصّاً بنهضة عاشوراء، وإنّما بلغ في تلك الفترة قمّة التجلّي. وبعد تلك النهضة أضحت مواقف هذا البطل المضحّي وحركة هذا الثائر الفدائي مثالاً رائعاً للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر. ومن المصاديق الواضحة على ذلك: رفض البيعة ليزيد وموقفه الحادّ تجاه والي المدينة، والخروج منها إلى مكة محتجاً على ذلك، وتقديم النصائح إلى الأعداء في مواطن عدّة، وخطاباته في مكة الرامية إلى فضح السياسات الهوجاء لحكومة يزيد و...

والنقطة المهمة هنا هي: ما الأساليب التي اتبعها الإمام الحسين علیه السلام في سبيل إحياء هذه الفريضة الإلهية الكبرى لإيقاظ الأُمة من نوم الغفلة ودعوتها إلى المعروف ونهيها عن المنكر، والتي مكّنته من إشعال شمعة الأمل في ذلك المجتمع الذي كان يتخبَّط في ظلمات الجهل والضلال، التي لم يرَ التاريخ مثلها قطّ، وهي تزداد وهجاً وضياءً في كل يوم وفي كل عام وفي كل قرن؟

 

1ـ الأُسلوب الكلامي الخطابات والأقوال

يُعتبر الأُسلوب الكلامي أحد أهمّ أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السيرة الحسينية؛ فلطالما نصح الإمام الحسين علیه السلام وحذَّر العدو والصديق، الحاكم والمحكوم، ودعاهم إلى الخير والمعروف، ونهاهم عن الشر والمنكر. واتّسم الأُسلوب الكلامي باختلاف الأزمنة والأمكنة وتغيّر المصاديق:

أ الخُطب

اتخذت الخطابة طابعاً خاصاً ومتميزاً في منهج الإمام الحسين علیه السلام بهدف إرشاد الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والشاهد على ذلك: خطاباته المتعددة في أوقات مختلفة ولأشخاص مختلفين، في مكة والمدينة، والأماكن التي نزلها بين مكة والكوفة، والتي ألقاها على مسامع الجيش الكوفي وفي معسكره في موضع يقال له: البيضة، وفي يوم عاشوراء عند اشتداد المعارك، وسنُشير إلى أمثلة في هذا المجال[20]:

خطبته في الحُجّاج

في عام 57 أو 58 من الهجرة، أي: قبل موت معاوية بسنتين، وذلك لما اشتد البلاء والظلم على أهل البيت عليهم السلام خصوصاً والشيعة عموماً، حجّ الحسين بن علي÷، فجمع بني هاشم، رجالهم ونساءهم ومواليهم وشيعتهم، مَن حجّ منهم ومَن لم يحجّ، ومن الأنصار مَن يعرفه الإمام علیه السلام وأهل بيته، ثم لم يترك أحداً حجّ ذلك العام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن التابعين من الأنصار المعروفين بالصلاح والنسك إلّا جمعهم، واجتمع إليه بمِنى أكثر من سبعمائة رجل، ونحو مائتي رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله.

كان الإمام علیه السلام يهدف من ذلك إلى إيصال رسالة بواسطة هذه الشخصيات البارزة إلى المسلمين كافة؛ ولذا قام فيهم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد، فإنّ هذا الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما علمتم ورأيتم وشهدتم وبلغكم، وإنّي أُريد أن أسألكم عن شيء، فإن صدقت فأصدقوني، وإن كذبت فأكذبوني، واسمعوا مقالتي، واكتبوا قولي، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم ومَن ائتمنتموه من الناس ووثقتم به، فادعوه إلى ما تعلمون من حقّنا؛ فإنّا نخاف أن يُدرس هذا الحق ويذهب، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون». وما ترك شيئاً مما أنزل الله في القرآن فيهم إلّا قاله وفسّره، ولا شيئاً قاله رسول الله صلى الله عليه وآله في أبيه وأخيه وأُمه وفي نفسه وأهل بيته إلّا رواه، وكل ذلك يقول أصحابه: اللهمّ نعم، قد سمعنا وشهدنا. ويقول التابعون: اللهمّ نعم، قد حدّثنا مَن نصدّقه ونأتمنه. حتى لم يترك شيئاً إلّا قاله، فقال: «أُنشدكم بالله إلّا حدّثتم به مَن تثقون به»[21].

ولا ريب في أن إلقاء هذه الخطبة المثيرة بين الصحابة والتابعين، في ذروة اقتدار الحكومة الأُموية التي كمّمت جميع الأصوات وحبست جميع الأنفاس، يدلّ على العظمة الفكرية والاقتدار الروحي للإمام الحسين علیه السلام، ويكشف النقاب عن شجاعته الفائقة وإحساسه بالمسؤولية أيضاً، فلم يتوانَ عن الصدح بكلمة الحق وإحياء القيم الإسلاميّة في كل زمان ومكان ومهما اشتدّت سطوة الظالمين.

خطبته في جيش الحرّ الرياحي

من الخطب الأُخرى للإمام الحسين علیه السلام التي بيّنت أهداف الثورة وأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خطبته في أصحابه وأصحاب الحرّ بن يزيد الرياحي بعد لقائهم في منطقة البيضة، حيث حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أيها الناسّ، إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: مَن رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على الله أن يُدخله مُدخله. ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ من غيري...»[22].

والمستفاد من هذه الخطبة أنّ الإمام الحسين علیه السلام كان عازماً على القيام علناً في سبيل إثبات الحكومة الدينيّة وإحقاق الحق وإحياء الأركان الإلهية والسنّة النبوية، وتبديل المجتمع المليء بالفتن والمشاكل إلى مجتمع ديني بواسطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ولذا قال: «أنا أحقّ من غيري». وتتجلى أهمية هذا الموضوع أكثر فأكثر حينما نرى أنّ الإمام توجّه بهذا الكلام إلى أفراد جيش الحرّ الرياحي الذين قطعوا الطريق عليه، ليدعوهم إلى هذا الأمر، أي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

خطبته في أهل الكوفة

تفيد القرائن التاريخية المتوافرة بأنّ الإمام الحسين علیه السلام خطب في الكوفيين غير مرة يوم عاشوراء، أمرهم فيها بالمعروف ونهاهم عن المنكر، فأتمّ عليهم الحجة بذلك. لكنّنا ـ رعايةً للاختصار ـ سنتطرَّق إلى بعض الفقرات فقط مما له صلة بموضوعنا من تلك الخطب المتعددة.

من الخطب التي ألقاها الإمام علیه السلام على مسامع أهل الكوفة قبل نشوب الحرب واحتدام القتال، والتي أشار فيها إلى أهداف قيامه، وأكد على إرساء دعائم الحق في ظل نهضته، أنّه قال لهم: «ألا ترون أنّ الحقّ لا يُعمل به، وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلّا برماً. إنّ الناس عبيد الدنيا والدين لَعِقٌ على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الديّانون»[23].

ففي هذه الجمل القصيرة نسبياً، قدّم الإمام علیه السلام وصفاً دقيقاً ومناسباً للمجتمع الموبوء آنذاك، مشدّداً على أنّه لا أثر للعمل بالحق ولا طائل من فعل المعروف. وبعبارة أُخرى: ليس ثمَّة وجود في المجتمع الإسلامي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ولذا سآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر لإقامة الحق وإحياء الخير، ولئن قُتلت فهو خير لي من البقاء في مثل ذلك المجتمع.

كذلك لما التقى الجيشان، وأقدم جيش عمر بن سعد على محاصرة جيش الحسين علیه السلام من جميع الجوانب، توجّه الإمام إلى صفوف جيش العدو وتحدَّث فيهم بكلام حماسي، مليء بالدروس والعبر، وموقظ للضمائر، فقال: «ألا إنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين: السِلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وجدود طابت، وحجور طهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبيّة، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام»[24].

وباختصار يتضح من كلام الإمام علیه السلام أنّه يبحث عن هدف أسمى من تشكيل الحكومة، فما الحكومة برأيه إلّا وسيلة لتحقيق العنصر الأصيل المتمثّل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ب الوصايا الخاصة

من أبلغ أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السيرة الحسينية، الوصايا الخاصة التي قدّمها الإمام الحسين علیه السلام أثناء لقاءاته المباشرة مع بعض الشخصيات، وهي من السُّبل التي اعتمدها الإمام لغرض تحقيق هدفه الرفيع، ساعياً إلى الابتعاد عما يُثير غضب الطرف المقابل، وترجيح جانب اللين والدفع بالتي هي أحسن على جانب الأخذ بالشدّة، وتقديم عوامل المحبّة على عوامل البغض، حتى في التعاطي مع الخصوم. ونُشير أدناه إلى نماذج في هذا المجال:

لقاؤه بعبيد الله بن الحرّ الجعفي

إنّ ذهاب الإمام الحسين علیه السلام إلى عبيد الله بن الحرّ الجعفي كان من أعظم الدروس والعِبر في كربلاء، ومن المصاديق المهمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كان عبيد الله من وجهاء الكوفة، بعدما عُرف في شبابه بأنّه من قُطّاع الطرق، ولمّا تهيّأ أهل الكوفة لقتال الإمام الحسين علیه السلام تركها وخرج منها خوفاً من أن يبوء بإثم محاربته. لكنّ الإمام حينما نزل قصر بني مقاتل، بين مكة والكوفة، فإذا هو بفسطاط مضروب ورمح منصوب وسيف معلّق وفرس واقف على مذوده، فقال: لمن هذا الفسطاط؟ فقيل: لعبيد الله بن الحرّ الجعفي. فبعث إليه رسولاً يدعوه، غير أنّه رفض اللقاء بالإمام، فقام الحسين علیه السلام ثم صار إليه في جماعة من إخوانه، فسلّم وجلس عنده، وقال له: «وأنت يا بن الحر، فاعلم أنّ الله عزّ وجلّ مؤاخذك بما كسبت وأسلفت من الذنوب في الأيام الخالية، وأنا أدعوك في وقتي هذا إلى توبة تغسل بها ما عليك من الذنوب، وأدعوك إلى نصرتنا أهل البيت».

لكنّه أبى الاستجابة لتلك الدعوة ولم يستطع الاستفادة من الفرصة الذهبية التي فُسِحت له لتجاوز الماضي، ثم إنّه أظهر الندم لاحقاً على تركه نصرة الحسين علیه السلام[25].

لقاؤه بعمر بن سعد

على الرغم من عزم أهل الكوفة الجادّ على قتال الإمام الحسين علیه السلام، وكون ذلك من الأُمور المسلّمة عندهم، لم يفوّت الإمام أيَّ فرصة لهدايتهم وإنقاذهم من النار وهم أعداؤه. وعلى هذا الأساس؛ أرسل إلى عمر بن سعد أنّي أُريد أن أُكلّمك فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك. فوافق ابن سعد، والتقيا، فحذّره الإمام من مغبَّة عمله، ودعاه إلى ما فيه خيره وصلاحه، ونهاه عن ارتكاب المنكر، لكنّ ابن سعد تعلَّل بأُمور واهية وامتنع عن قبول دعوة الإمام[26].

نعم، نصح الإمام علیه السلام في لقاء مباشر وخاص مع عمر بن سعد هذا الأخير ودلّه على طريق السعادة، فأثبت لأعدائه بتصرّفه هذا حُسن نيّته ومقاصده الإصلاحية المتمثّلة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

2ـ الأُسلوب الكتابي الكتب والوصية

ومن الأساليب الأُخرى التي اتّبعها سيد الشهداء علیه السلام لإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأُسلوب الكتابي الذي تجسَّد بمصاديق مختلفة منها:

أ الرسائل والكتب

تُعدّ المكاتبات وإرسال الكتب الرسمية من وسائل الدعوة والإعلام على مرّ التاريخ البشري، وقد استفاد الإمام الحسين علیه السلام من هذا الأُسلوب المهم في أوقات مختلفة بهدف إيقاظ الأُمة وحثّها على فعل الخيرات وصدّها عن اقتراف المنكرات. ولا يخفى أنّه يتعذَّر نقل جميع الكتب في هذا المقال؛ ولذا سنتعرّض إلى أهمها؛ مما يكشف عن الهدف الأساسي لهذه الدراسة:

كتابه إلى معاوية

ما إن اطّلع الإمام الحسين علیه السلام على مقتل حجر بن عدي على يد جلاوزة معاوية حتى آثر عدم السكوت، ورفع صوته بوجه معاوية، فكتب له كتاباً شديد اللهجة، أشار فيه إلى سياساته المناوئة للإسلام، وأماط اللثام عن جرائمه المتعددة، فقال ـ بعد ما حمد الله وأثنى عليه ـ: «... ألستَ القاتل حجراً، أخا كندة، والمصلّين العابدين الذين كانوا يُنكرون الظلم ويستعظمون البدع، ولا يخافون في الله لومة لائم، ثم قتلتهم ظلماً وعدواناً، من بعد ما كنتََ أعطيتهم الأيمان المغلَّظة، والمواثيق المؤكَّدة، ولا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم، ولا بإحنة تجدها في نفسك...؟! فأبشر ـ يا معاوية ـ بالقصاص، واستيقن بالحساب، واعلم أنّ لله تعالى كتاباً لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها»[27].

ولما وصل هذا الكتاب إلى معاوية وقرأه، فقَدَ صوابه وتحيّر في الردّ عليه وكأنّما أُلقم حجراً. ولا شك في أنّ هذا الكتاب مصداق بارز لإحياء عنصر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنّه أعلن فيه ـ بصراحة وبمنتهى الحزم ـ مخالفته لمعاوية وأتباعه، وانتقد جميع أفعاله الشنيعة، وأشار في أكثر من موضع إلى أنّه شخص قاتل وظالم وناكث للعهود والمواثيق، وقد جلس على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله ليُصدر الأوامر بقتل السائرين على السنّة النبوية.

كتابه إلى أشراف البصرة

أشار أبو عبد الله الحسين علیه السلام إلى هدفه في كتاب إلى أشراف أهل البصرة، طالبهم فيه بالعمل بكتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله، وعدم الغفلة عن واقع المجتمع، فقال: «أنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنَّة نبيّه صلى الله عليه وآله؛ فإنّ السنّة قد أُميتت، وإنّ البدعة قد أُحييت، وأن تسمعوا قولي وتُطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد»[28].

وكما هو واضح، فإنّ مراد الإمام علیه السلام من إماتة السنّة إنّما هو بسبب سياسات بني أُمية؛ ولذا أخذ علیه السلام على عاتقه القيام ضدهم واستنهاض هِمَم سائر المسلمين للثورة عليهم.

ب  وصيته إلى محمد بن الحنفية

من الأمثلة الأُخرى على الأُسلوب الكتابي الذي اتّبعه الإمام الحسين علیه السلام في منهجه لإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الوصية التي كتبها لأخيه محمد بن الحنفية، فلما عزم على الرحيل من المدينة إلى مكة، كتب له وصية وختمها بخاتمه، ورد فيها: «... وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت أطلب الإصلاح في أُمّة جدّي محمّد صلى الله عليه وآله، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي محمد صلى الله عليه وآله وسيرة أبي علي بن أبي طالب علیه السلام»[29].

ووفقاً لهذه الوصية، ما كان ليهدأ للإمام بالٌ حتى لو لم يطالبه أحد بالبيعة ليزيد؛ ذلك أنّ خلافه مع الحكومة الأُموية لا يدور حول سكوتهم عن أخذ البيعة وفي مقابل ذلك سكوته عنهم، بل إنّ وجود هذه الحكومة ملازم للظلم والفساد وتغيير أحكام الله تعالى، فلا بدّ من الثورة لاستئصال الشرّ المتمثل ببني أُمية من جذوره.

 

3 ـ الأُسلوب الفنّي

المقصود بالأُسلوب الفنّي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو: إمكانية الاستفادة من الفنّ لتبليغ القيم الإلهية، وبيان سُبل نفوذ المنكر إلى الحياة العامة ورسوخه في المجتمع. فيمكن التعرُّف على المعروف والمنكر، والتذكير بمخاطر  التلوّث بالمفاسد وسلوك طريق الفساد، وبيان طرق مكافحته، من خلال المشاهد والعروض والأشعار والأناشيد والقصص وغيرها. ولهذا الأُسلوب مصاديق متعددة، أهمها ما يلي:

أ المشاهد والعروض

تُمثِّل صلاة الظهر يوم عاشوراء أجمل عرض وأبهى مشهد رآه التاريخ على الإطلاق. ففي خِضَمّ المعركة القائمة بين الفريقين آنذاك، انبرى أحد العاشورائيين، وهو أبو ثمامة عمرو بن عبد الله الصائدي، فقال للحسين علیه السلام: «يا أبا عبد الله، نفسي لك الفداء! إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا والله، لا تُقتل حتى أُقتل دونك إن شاء الله، وأُحبّ أن ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها. فرفع الحسين علیه السلام رأسه ثم قال: ذكرتَ الصلاة، جعلك الله من المصلّين الذاكرين. نعم، هذا أوّل وقتها. سَلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نُصلّي»[30].

ألم يكن بمقدور الإمام علیه السلام الصلاة داخل الخيمة؟! لِمَ ضحّى بشخصين من أنصاره لإقامة الصلاة في ساحة الوغى؟! حقاً إنّ إقامة صلاة الجماعة في ساحة المعركة والجهاد، على وقع القتال الشديد واشتباك الأسنّة، وإلى جانب أجساد الأحبة المضرّجة بالدماء، وأمام أعين آلاف الجنود المحتشدين لقتل الحسين علیه السلام وأصحابه، لهي من أروع المشاهد التاريخية وأعظمها. ولقد كان الإمام علیه السلام على دراية تامة بالآثار الهائلة لهذا المشهد الفريد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان عالماً بأنّ الصلاة في ساحة الحرب وإلى جانب أجساد الشهداء أبلغ من آلاف الخطب والكتب والمقالات وأمثالها، فعرض هو وصحبه الميامين أبهى صورة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في سياق الصلاة في يوم عاشوراء.

ب الشعر

عمد الإمام الحسين علیه السلام إلى الاستفادة من جميع مصاديق الأُسلوب الفنّي لإحياء الدين وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكانت الأشعار والأراجيز من العناصر المهمة جداً في نهضة عاشوراء؛ لأنّها ـ فضلاً عن بيان عُمق مشاعر قائلها، وهو الإمام الحسين علیه السلام ـ تشتمل على أسمى المعارف التي لا يُدركها سوى بيت الرسالة. ونُشير هنا إلى بعض الأمثلة في هذا المجال:

أبيات الإمام عندما نزل الشقوق

ورد أنّ الإمام الحسين علیه السلام لقي الفرزدق في موضع يُقال له: الشقوق، وتحدّثا حول شهادة مسلم بن عقيل، ثم أنشأ في ذلك يقول:

فإن تكن الدنيا تُعدّ نفيسة                   فدار ثواب الله أعلى وأنبل

وإن تكن الأموال للترك جمعها            فما بالُ متروك به الحرّ يبخل

وإن تكن الأرزاق قسماً مقدّراً              فقلّة حرص المرء في الكسب أجمل

وإن تكن الأبدان للموت أُنشئت            فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل

 

 

  عـلــيـكـم سـلام  الله يــا آل أحمــد              فإنّي أراني عنكم سوف أرحل[31]

فنرى أنّ الإمام علیه السلام تحدّث في هذه الأبيات عن فناء هذه الدنيا وقيمة الحياة الآخرة؛ ولذا ينبغي التفاني في سبيل الله وإثبات صواب الدين وإحياء سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله، كل ذلك إحياءً لدين الله ودفاعاً عن الحق، وحيث إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جملة مصاديق إحياء السنّة النبوية، يمكن القول: إنّ القتل في سبيل تحقيق هذه الفريضة الإلهية أمر حسن وممدوح جداً.

بعض أراجيزه

أنشد الإمام الحسين علیه السلام بعض الأراجيز في ساحة القتال يوم عاشوراء، منها على سبيل المثال:

                القتل أوْلى من ركوب العار                 والعار أوْلى من دخول النار[32]

ومنها أيضاً:

                          أنا الحسين بن علي                آلـيــت أن لا أنـثـنـي

                          أحمي عيـالات أبي                أمضي على دين النبي[33]

وتكشف هذه الأبيات الحماسية عن أهمية هدف الإمام الحسين علیه السلام، ألا وهو الحفاظ على دين جدّه الكريم، إلى درجة التضحية بنفسه الشريفة في سبيله، وهذا من أعظم درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لجميع الأحرار ودعاة الحرية بأن لا ينصاعوا للذل والهوان تحت أيِّ ظرفٍ، وأن يدافعوا عن الإسلام بكل ما أُوتوا من قوة، وحتى آخر قطرة دم في عروقهم.

ج التمثيل

التمثيل من المصاديق والأساليب الفنّية الأُخرى التي لها استعمال كبير في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو عبارة عن بيان الأمر المعقول بمظاهر محسوسة، وتقريب المعنى إلى ذهن المخاطب، ويعدّ من أهمّ مصاديق الفنّ في دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا يخفى أنّ هناك حضوراً واضحاً لهذا المنهج القرآني الفاعل في ملحمة عاشوراء، حيث استفاد الإمام الحسين علیه السلام من أُسلوب التمثيل للتأثير على المخاطبين وإعدادهم إعداداً روحياً لقبول الحق ورفض الأفكار الباطلة، فقال ـ في شرح أهداف قيامه وبيان شوقه للشهادة في طريق إعلاء كلمة الحق حينما عزم على الخروج إلى العراق ـ: «خُطّ الموت على وُلد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف»[34].

فقد صوّر الإمام علیه السلام الموت بصورة جميلة جداً، واعتبره زينةً لبني آدم، لا سيما الموت في سبيل الله والعقيدة.

 

4ـ الأُسلوب السلوكي المواقف والأفعال

لا ريب في أنّ السلوك العملي من أهمّ أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بمعنى أنّه يتعين على الإنسان الذي يدعو الآخرين إلى فعل الفضائل أن يُبادر بنفسه إلى فعلها قبلهم ويسبقهم إليها في ميدان السلوك العملي؛ إذ من الطبيعي أنّ أقوال الإنسان الذي لا يلتزم بما يقول ليس لها وقع أو تأثير يُذكر على الناس، أفليس كل ما يخرج من القلب يدخل إلى القلب؟ ولذا قال أبو عبد الله الصادق علیه السلام: «كونوا دعاةً للنّاس بغير ألسنتكم»[35].

ومن الملاحظ أنّ سيرة سيد الشهداء علیه السلام في مجال إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اتّسمت بالانسجام بين الأقوال والأفعال، وسنُشير هنا إلى أهمّ المصاديق في هذا المجال:

أ التواضع

يعدّ التواضع من أهمّ خصال الأنبياء ودعاة التوحيد والمقربين إلى الباري جل وعلا، وهو من السجايا الحسنة التي تسمو بصاحبها وتقوده إلى الرفعة وتجعله يكتسب مكانة مرموقة في قلوب المخاطبين. فالأنبياء يؤمنون بأنّه حتى لو أحجم الناس عن اتّباعهم ينبغي لهم أن يُبادروا بكل تواضع إلى مدّ جسور التواصل مع النُّخبة في المجتمع، ودعوتهم إلى المعروف ونهيهم عن المنكر.

وانطلاقاً من ذلك، نرى أنّ الإمام الحسين علیه السلام قد جسّد منتهى التواضع في مختلف المجالات قولاً وفعلاً؛ فلم ينتظر من الآخرين الالتحاق به والانضواء تحت رايته، وإنّما بادر بنفسه لاستقطاب بعض الشخصيات لتحقيق أهدافه المقدسة، ودعاهم بتواضع إلى مقاصده العليا، أو بعث لهم كتاباً أو أوفد لهم رسولاً لهذا الغرض.

وفي هذا السياق، لما انتهى الإمام علیه السلام وأصحابه إلى قصر بني مقاتل، نزلوا جميعاً هناك، فنظر إلى فسطاط مضروب، فسأل عنه، فأُخبر أنّه لعبيد الله بن الحرّ الجعفي، وكان من أشراف أهل الكوفة وفرسانهم. فأرسل الحسين علیه السلام إليه الحجاج بن مسروق الجعفي يأمره بالمصير إليه، لكنّه رفض الحضور، فانتعل الحسين علیه السلام حتى مشى، ودخل عليه قبّته، ودعاه إلى نصرته ومحاربة الطواغيت، فامتنع أيضاً، فقال له: «فإلّا تنصرنا فاتّقِ الله أن تكون ممن يقاتلنا»[36]. كذلك فعل مع زهير بن القين في موضع يُقال له: زرود، فاستجاب له والتحق بركبه[37].

ب العفو والصفح

من الأساليب العملية الأُخرى التي انتهجها الإمام الحسين علیه السلام في سبيل تحقيق أهدافه المقدسة، وخاصة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي العفو والصفح اللذين يعبّران عن كرامته وعظمته. ومن أمثلة ذلك تعاطيه الكريم يوم عاشوراء مع الحرّ بن يزيد الرياحي؛ لأنّ هذا النحو من التعامل الذي قلّما شهده التاريخ مما يخلَّد إلى الأبد.

كان الحرّ الرياحي في البداية مكلفاً بقيادة مجموعة من جيش العدو، وقد ضيّق على الإمام علیه السلام ومنعه من التوجه إلى الكوفة، حتى قال له الحسين علیه السلام موبّخاً له: «ثكلتك أُمّك». لكنه عاد إلى صوابه يوم عاشوراء وأدرك أنّ الحرب مع الحسين علیه السلام واقعة لا محالة، وأيقن أنّ ابن سعد عازم على القتال، قتال شديد أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح الأيدي، هذا من جهة. ومن جهة أُخرى، سمع واعية الحسين علیه السلام واستغاثته حينما قال: «أما من مُغيث يغيثنا لوجه الله». فعندئذ، شعر بالندم وقرّر أن يعتذر من الإمام الحسين علیه السلام، فأتاه فقال: يا بن رسول الله، كنت أوّل خارج عليك، فائذن لي لأكون أوّل قتيل بين يديك، وأوّل مَن يُصافح جدّك غداً. فعفا عنه وسامحه[38]. وهذا درس كبير يُعلّمنا أن نقبل اعتذار مَن يطلب العفو منّا، ولا نزجره عنّا. وعلى العموم، فهذا من أروع الأساليب التي اتّبعها الإمام في الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ج العطف والنصيحة

إنّ الإعراب عن حُسن النصيحة أحد العناصر المهمة في زيادة تأثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا مما شددت عليه الثقافة الإسلاميّة. ومن المسلّم به أنّ للنصح لوازم عديدة، منها الإرشاد إلى الخير والنهي عن الشرّ، والتنبيه، والترغيب، والصيانة من المخاطر وما إلى ذلك.

وبناءً على ذلك؛ يجب أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من جهة ناصحاً للمخاطب، بل ويسعى إلى تعزيز هذا الشعور في داخله، ومن جهة أُخرى أن يقوم بنقله إلى المخاطب.

وعند مراجعة سيرة الإمام الحسين علیه السلام نجد أنّه كان يتعامل مع الناس من منطلق الهداية والعطف والنصيحة، ويرى أنّ إصلاح المجتمع الإسلامي هو السبيل الوحيد لنشر التعاليم الدينيّة وهدم الثقافة الأُموية؛ ولذا روي عنه التعامل بشفقة طيلة فترة حركته من المدينة إلى كربلاء، وذلك خلافاً للنهج الذي اتبعته الحكومات الظالمة والأُمراء والولاة الفاسدون. ومن أمثلة ذلك:

دعوة عبيد الله بن الحرّ الجعفي

عندما نزل الإمام علیه السلام في عذيب الهاجانات، بعث رسوله لدعوة عبيد الله بن الحرّ الجعفي، ولما رفض الحضور، سار إليه بنفسه، فسلم عليه وجلس عنده ودعاه لنصرته، فأبى ذلك، ولم يصرّ عليه الإمام[39].

استقبال جيش الحرّ

وفي منزل ذي حُسم، جاء زهاء ألف فارس من جيش الأعداء يتقدّمهم الحرّ بن يزيد حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين علیه السلام في حرّ الظهيرة، فقال لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم من الماء، ورشّفوا الخيل ترشيفاً، ففعلوا حتى سقوها عن آخرها[40].

فعلى الرغم من أنّ الحرّ الرياحي ضيّق على الإمام علیه السلام، ومنعه من مواصلة سيره، فقد أبدى الإمام غاية الشهامة والكرامة الإنسانية، وصنع مشهداً رائعاً من مشاهد كربلاء، ولم يعاملهم بالمِثل، بل عاملهم من منطلق الرأفة والرحمة الإسلاميّة.

لقاؤه بعمر بن سعد

كانت الآمال قائمة بأن يَثُوب أهل الكوفة إلى رشدهم قبل وصول الإمام الحسين علیه السلام إلى كربلاء، ومن ثم يلتحقوا به، ولكن لما توقّف ركب الإمام في كربلاء بدا واضحاً عزم الكوفيين على القتال. وفي مثل هذه الظروف أيضاً، لم يفوّت الإمام الفرصة لهداية مَن يهتدي من جيش العدو، فدعا عمر بن سعد ليلتقي به ويكلمه، ولما التقى به نصحه إلى ما ينفعه ودلّه على سبيل السعادة، معبّراً بهذا السلوك عن حُسن نيّته وسموّ مقاصده الإسلاميّة، وإن فرّط ابن سعد في آخر اللحظات الحاسمة بالفرصة التي سنحت له، ولم يوافق على دعوة الإمام[41].

على أنّ هذه الأحداث تدلّ على اهتمام الإمام علیه السلام بهداية الأشخاص إلى سبيل الرشاد، والحرص على دعوتهم إلى السعادة بواسطة التعامل معهم برأفة ومودة.

د الصبر والتحمّل

يُعتبر الصبر الهائل والبطولي للإمام الحسين علیه السلام إزاء أشدّ اختبار دنيوي، والعمل الرائع الذي قام به، من أهمّ الأساليب والعناصر السلوكية للإمام في طريق تحقيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولم يكن لوحده صابراً محتسباً، بل كان يدعو الآخرين إلى الصبر والثبات في جميع المراحل أيضاً؛ ولهذا السبب ورد في إحدى زياراته: «وقد عجبتْ من صبرك ملائكة السماوات»[42]

لقد كان الإمام علیه السلام كالجبل الأشمّ وكالطود الشامخ في الثبات على الحق حتى حينما سقط في رمضاء كربلاء مضرّجاً بدمه، ولم يبقَ في بدنه موضعاً سالماً من الجروح، وبعدما فُلقت هامته ووطئ جسده الشريف، فلم يشتكِ من الألم ولم يتأوّه قطّ، ولم يذرف دمعة واحدة نتيجة الضعف أمام الأعداء، وإنّما كان يردّد بصوت ضعيف: «إلهي! إنّني صابر على حكمك». ولاريب في أنّ هذا السلوك الرفيع يعكس عظمة وجوده وسموّ روحه، وأنّه لن يرضخ للذل مطلقاً، معبّراً عن هذا الرفض بشعار: «هيهات منّا الذلّة»، وهادياً إلى هذا المعروف الكبير بأفعاله وأقواله.

هـ الشهادة والتضحية

إنّ الشهادة والتضيحة تُمثلان أجلى مصداق للسلوك العملي للإمام الحسين علیه السلام لإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحقيق ذلك الهدف المقدس. فقد قام بمختلف أنواع الأمر بالمعروف، باللسان والكتابة والعمل؛ للحفاظ على راية الإسلام خفاقة عالية، وختم مسيرته لإصلاح المجتمع الإسلامي بنهضته في عاشوراء والتضحية بنفسه الغالية؛ لأنّه كان يرى كيف انقلبت الموازين وتبدلت القيم واختلط الصالح بالطالح في ذلك المجتمع. وعلى هذا الأساس؛ أعدّ الإمام نفسه للشهادة لتحقيق هذا الهدف السامي والتكاملي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعليه، كانت الشهادة والتضحية آخر تلك الأساليب، بل وأهمها وأفضلها أيضاً.

جدير بالذكر أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجلّى في سيرة الإمام الحسين علیه السلام برمّتها، فالمصاديق العملية لتلك السيرة أوسع من حصرها في مثل هذا المقال، كما تقدّم؛ ولذا اقتصرنا على التعرض إلى أهمّ المصاديق السلوكية والعملية في هذا المجال رعايةً للاختصار، عسى أن يوفقنا الله تعالى لد

المرفقات