تعدّ نهضة الإمام الحسين عليه السلام إحدى أهمّ حلقات الإصلاح التي استطاعت أن تغيّر مجريات الأحداث، وأن تضع بصماتها الخالدة على جبين التاريخ، فقد أحكمت وثبّتت المبادئ والقيم الدينيّة ـ بل الإنسانيّة ـ من دون أن تتأثّر بعاملي الزمان والمكان؛ ما أعطاها الشموليّة والبقاء، وجعل عطاءها دائماً ومستمراً.
تلك النهضة الأبيّة بقائدها العظيم حفظت أركان الدين الإسلامي، بعد أن عمل الشيطان على زعزعتها وزلزلتها بواسطة أجِنْدته الخبيثة، والذي يمثّل خطّ الشرّ اللئيم الذي كان ـ وما يزال ـ يتحيّن الفُرص لضرب خطّ الإسلام ونهج الحقّ، ذلك الدين الخاتم، والمشعل الأخير في طريق الهداية المنير.
هذه النهضة التي كانت في واقعها حرباً ضد المظاهر الشيطانيّة، والانحرافات الفكرية، والتردّيات الأخلاقيّة والسلوكيّة، التي كانت كفيلة بمحق الدين الإسلامي إذا ما انتشرت وتوسّعت، ولم تُردع من قِبَل رجال الله العظماء.
ولذا؛ فإنّ عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام إحدى أهمّ حلقات سلسلة الخير والإصلاح الممتدّة من آدم عليه السلام إلى يوم القيامة.
طلائع الانحرافات الفكريّة والسلوكيّة
مرّ العالم الإسلامي بمرحلة خطيرة جداً، ودخل في نفق مظلم مارست فيه الدولة الأُمويّة شتّى الوسائل للقضاء على الإسلام؛ من خلال تغيير مبادئه الأساسيّة أو تغييبها، ولم تقتصر هذه الممارسات على بعض الأعمال والأفعال المحرّمة في الشريعة ـ كشرب الخمر، وصرف الأموال في غير موضعها، وقتل النفس التي حرّم الله تعالى ـ بل شملت ترويج العقائد الباطلة، والانحرافات الفكريّة التي كان الهدف من تقنينها وترويجها ضرب الدين الإسلامي، واقتلاعه من الجذور.
ولم تكن الدولة الأُمويّة ـ التي أسسها معاوية ـ وليدة ساعتها، بل تُعتبر ثمرة الانحراف الذي حصل بعد وفاة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ، فهي الوليد الشرعي لسقيفة بني ساعدة، فمنذ ذلك الزمان بدأت الانحرافات الفكريّة بالظهور، وتبعتها ـ بطبيعة الحال ـ الانتهاكات العمليّة والسلوكيّة، فإنّه بعد أن حُرِّف مبدأ النصّ على الخليفة الشرعي، وأُهملت أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله ، بل وصدرت العقوبات ضد مَن يرويها أو يكتبها بأمر المستفيد الأول من هذه العمليّة، صاحب المقولة المشهورة والبدعة المشؤومة: «حسبنا كتاب الله»[1]، هذه المقولة التي انتهكت حرمة الدين، وحرمة الرسول الأمين صلى الله عليه وآله بشكل واضح، وأبعدت السنّة النبويّة في وقت كان المسلمون بأمسّ الحاجة إليها، وأهمّ ما فيها الأحاديث المعروفة والمشهورة عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ، كحديث الثقلين، والغدير، والمنزلة، وحديث عليّ مع الحقّ، وغيرها الكثير، هذه الأحاديث التي كانت تمثِّل رأي السماء فيما لا بدّ أن يحصل، وهي بمثابة خارطة طريق للواقع الإسلامي، وبهذا الإقصاء والتحريف دخل الحديث النبوي في نفق مظلم، ومُنع من التدوين والنشر، فأُقصي عن الساحة الإسلاميّة الشريان الثاني للتعاليم الإلهية التي تفوّه بها مَنْ لا ينطق عن الهوى، إن هو إلّا وحي يوحى.
فنتيجةً لتغييب السنّة من جهة، ولأنّ القرآن الكريم كان يهتمّ بالخطوط العريضة للدعوة الإسلاميّة ـ إلّا في بعض الموارد اليسيرة ـ من جهة أُخرى؛ وُجدت فسحة واسعة لأصحاب الرأي الانتهازيين؛ لكي يتحرّكوا في جزئيات المسائل.
وكان الهدف الأساس من وراء كلّ ذلك هو تغييب الولي الشرعي عن هذا الدين، ممّا يسهّل لبعض الانتفاعيين التلاعب بمقدرات الأُمّة، ورسم طريقها كما تشتهيه نفوسهم المريضة.
من هنا؛ واجه المسلمون إشكاليّات كبرى ومواقف حرجة، أثّرت على مسيرة الإسلام بكاملها، ومن هذه الإشكاليّات:
أولاً: تحديد المرجِع في بيان العقائد، سواء بعض العقائد الأصلية أم الفرعية، ومَن الذي يدافع عنها ويردّ الشبهات حولها؟ وتتأكّد أهمّية هذه الإشكالية إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أنّ الأُمّة حديثة عهد بهذا الدين، ولم تتأصّل مبادئه فيها بعد، هذا بالإضافة إلى دخول مختلف الأُمم في الإسلام، والتي كانت تحمل معها مختلف الأفكار والثقافات والرؤى.
ثانياً: تحديد المرجِع بعد الرسول صلى الله عليه وآله في بيان الأحكام الشرعيّة، سواء في تطبيقات الأحكام أم في مستحدثات المسائل، أو في شرح كلام الرسول صلى الله عليه وآله ، بتعميمه، أو تخصيصه، أو معرفة ناسخه ومنسوخه، وما إلى ذلك.
وبسبب بقاء هذه الإشكاليّات من جهة، ووجود الضرورة الملحّة لإعطاء الأجوبة في مختلف المجالات ـ وإلّا فسوف تتعطّل الحياة الإسلاميّة ـ من جهة أُخرى؛ راح كلٌّ يدلو بدلوه، وأصبح الإفتاء بيد كلّ مَن هبّ ودبّ، وأخذ كلّ شخص يُجيب حسب رغبته، ويعيّن ما يريده حسب ما تقتضيه مصلحته، وإذا أضفنا إلى ذلك الضغوطات السياسيّة والمصالح الحزبية والفئوية، والظروف العصيبة التي مرّت بها الدولة الإسلاميّة؛ تكون النتيجة ظهور مذاهب فقهيّة عديدة، واتجاهات عَقَديّة عجيبة وغريبة، تبتدئ من تجسيم الإله وتنتهي بتأليه الجسم.
هذا الفراغ الواسع الحاصل بسبب تغييب المرجعيّات الدينيّة السياسيّة والعقَديّة والفقهيّة، كان هو السبب الكبير في سيطرة الدولة الأُمويّة على زمام الأُمور؛ لأنّه بتغييب الحقّ يصبح للباطل متنفسٌ، ويجد له أعواناً ومكاناً.
وبعد الضربة القاصمة التي تعرَّض لها معسكر الحقّ باستشهاد أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وقبول الإمام الحسن عليه السلام بالصلح ـ تقديماً للمصلحة الإسلامية العليا ـ رجحت كفّة الباطل، وتسنّى لمعاوية الانفراد بقيادة الأُمّة الإسلاميّة التي أتعبتها الانحرافات والضلالات.
سياسة معاوية في هدم الدين
كانت السياسة التي اعتمدها معاوية تصبّ في صالح إقصاء الحقّ تماماً، وتثبيت دعائم الباطل لمحو الدين الإسلامي الخاتم، فإنّ المتتبع ـ بدقّة ـ يرى أنّ معاوية كان يمارس سياسة الشيطان، فهو الممثل الشرعي والناطق الرسمي باسم الشيطان في تلك الحقبة التي مرّت بها الأُمّة الإسلاميّة، وقد وصف الإمام الصادق عليه السلام ممارسات معاوية بالشيطانية؛ حيث قال: «تلك النكراء! تلك الشيطنة! وهي شبيهة بالعقل، وليست بالعقل»[2].
ولكن المشكلة الأساسية التي كانت تواجه هذا الخطّ الشيطاني، هي كيفيّة تغيير أحكام الشريعة وظواهرها؛ فإنّ كلّ عقيدة صحيحة، وكلّ حكم شرعي صرخة في وجه الانحراف والظلم والفساد، والتوحيد هو الحقّ الذي يدمغ الشيطان دائماً، والطاعة لله هي الأمر الذي يُنهكه، وبهذه الأُمور يضعف الخطّ الشيطاني، كما أقرّ ذلك القرآن الكريم: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾[3].
ثمّ أضف إلى ذلك، المفاهيم التي ترسّخت في أذهان المسلمين واعتادوا عليها، وصار من الصعب حذفها، كمفهوم: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾[4]؛ فإنّ التصدّي لتغييرها ـ بشكل مباشر ـ سيؤدّي إلى نتائج خطيرة، وهي معراج المؤمن[5]، والحجّ عبادة ووفاء[6]، والزكاة والخمس تمنع الطبقيّة والانحرافات الاقتصادية، والصوم تزكية وطهارة[7]، إلى غيرها من المبادئ الحقّة التي جاء بها الدين الإسلامي، كل هذه الأُمور ليس من السهل حذفها من الذهنيّة المسلمة؛ لأنّها ممارسات اعتاد عليها المسلمون؛ فيكون التصدّي لتغييرها بشكل مباشر مؤدّياً إلى نتائج عكسيّة في المعسكر الشيطاني.
من هنا؛ عمل معاوية ـ وبجديّة ـ مع إرشادات شيطانية[8] على تفريغ هذه المبادئ من روحها وحقيقتها، وجعلها ممارسات بلا هدف، بحيث تكون طقوساً خالية المعنى، ومجرَّد ممارسات فرديّة لا تصلح للوقوف بوجه الغايات والمشاريع المشؤومة، إلّا أنّ معاوية ـ من جهة أُخرى ـ لم يجرؤ على المساس بالمظاهر الإسلاميّة؛ حفاظاً على صورته من التشويه أمام الرأي العامّ بصفته أميراً للمؤمنين! لذلك نجده ينصح ابنه يزيد:
«انصب نهاراً في طلاب العُلى واصبر على هجر الحبيب القريب
حتى إذا الـليل أتـى بالدُجى واكتحلت بالغمض عينُ الرقيب
فــبـاشر الــليل بـما تشـتهي فـإنّـما الـلـيـل نـهــار الأريـــب
كــم فـاســقٍ تحسبـه ناسكاً قــد بـاشـر الليل بأمر عجيب»[9]
ممارسات معاوية في تحريف المبادئ الإسلاميّة
إنّ الانحراف الذي حصل بعد رحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ولّد فراغاً كبيراً في مجالي الفقه والعقائد؛ مما فسح المجال واسعاً لمعاوية لملء هذه الفراغات، وتقنين ما يخدم مصالحه وغاياته من عقائد وأحكام، مستعيناً في ذلك ببعض الشخصيات الخاملة التي كانت لها سمعة صحبة النبي صلى الله عليه وآله أو من التابعين، أمثال: أبي هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وعروة بن الزبير[10]، وغيرهم؛ فظهرت في هذه الحقبة انحرافات فكريّة خطيرة، كان لها التأثير البالغ على واقع الأُمّة الإسلاميّة، منها:
1ـ جعل منصب الدين والمسائل الفقهيّة بمعزل عن منصب الحكم والسياسة، فمَن يريد الدين فعليه الذهاب إلى المسجد، وأمّا السياسة، فهي للأمير في قصره، وليس من حقّ الدين أن يتدخّل في أُمور السياسة[11].
2- نشر عقيدة الجَبْر، والتثقيف عليها، وأنّ الإنسان مجبور على عمله، وعليه التسليم لذلك، وحتى الحاكم، فهو مجبور لأن يحكم المجتمع، ولا يحقّ لأحد الاعتراض عليه؛ لأنّه مجبور، فظهرت الفتاوى التي تأمر بالصلاة خلف الحاكم سواء كان برّاً أم فاجراً؛ تبعاً للأحاديث التي وضعها الجهاز الإعلامي الأُموي[12].
3ـ تشويه عقيدة التوحيد، التي هي أساس العقائد الإسلاميّة؛ من خلال روايات التجسيم، وجعل الله تعالى جسماً له وجه ويد ورجل[13].
4ـ تشويه صورة أعظم شخصيّة في الإسلام، وهي شخصية الرسول محمد صلى الله عليه وآله ؛ بجعله يُخطئ ويشتبه كثيراً[14]، بل وينسى أكثر حتى من المعتاد[15]، بل ويمكن أن يذنب في بعض الأحيان، ويتداخله الشيطان، حتى أنّه يُغويه[16]، وإظهار الرسول صلى الله عليه وآله متسامحاً في أمر الدين من الحلال والحرام، كأنْ يسمع الغناء ويحضر مجالس اللهو[17]، والغريب أنّ الرسول صلى الله عليه وآله يرتدع عن مثل هذه الممارسات إذا جاء عنده أحد الخلفاء! والأغرب من ذلك أنّ ضاربات الطبول يخجلن ويرتدعن عن عملهن هذا إذا حضر الخليفة الثاني الحريص على أُمور الدين، ولم يعبأْن بحضور الرسول صلى الله عليه وآله من قَبل! والأشدّ غرابة أنّ الشيطان يخاف من هذا الخليفة ويهرب، ولكنّه مع وجود الرسول صلى الله عليه وآله يلهو ويلعب!![18] إلى غيرها من الشواهد المبثوثة في صحاحهم، والتي كان الهدف الأساس منها هو المساس بشخص الرسول صلى الله عليه وآله ؛ لأنّ بضربه تُضرب الرسالة الإسلاميّة.
5ـ نفي العدل الإلهي من خلال نفي مسألة الحُسن والقبح العقليين، وما يترتّب على ذلك من نتائج خطيرة على مستوى الفكر والعقيدة.
6ـ تزييف عقيدة المعاد، وإفراغها من محتواها وفلسفتها الوجوديّة، والغاية المتوخاة منها، بجعل المعاد والثواب والعقاب ليس على أعمال البشر واختيارهم، بل هو أمر بيد الله تعالى، ويمكن أن يدخل المطيع النار ولو كان نبياً، ويدخل العاصي والكافر الجنّة ولو كان شيطانيّاً، إلى غيرها من الانحرافات التي أسس لها معاوية من خلال جهازه الإعلامي الأجير الذي بناه على شراء الذمم، أو ممَّن حمل الحقد الدفين على الدين الإسلامي وأهله.
وبذلك يكون معاوية خَطَا الخطوة الأُولى ـ في زمنه ـ في محقّ الدين، من خلال ضرب محتواه وأهمّ ركائزه؛ وحينئذٍ سوف يسهل التخلّص من المظاهر الإسلاميّة بالكامل.
ولا نريد أن ندّعي أنّ معاوية لم يكن يمارس الفسق والفجور، بل مارسه بشدّة، ولكن في نطاق محدود ومع مُقَرَّبِي البلاط، كما في شربه الخمر[19]، أو إضافته أُموراً للدين ليست منه[20]، أو تجويزه ارتكاب المحرّم[21]، وغيرها من الأُمور.
وبذلك يكون معاوية قد عبّد الطريق لخَلَفِهِ يزيد بأن يضرب ضربته القاضية؛ لينهي الدين الإسلامي الذي أنهكته الاختلافات والانحرافات الفكريّة والعقديّة، وأتعبته الطبقيّة الاجتماعيّة والاقتصاديّة، بحيث راح الفرد المسلم لا يتذوّق معنى أنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أو أنّها معراج المؤمن، ولا يُدرك أنّ الصوم تزكية وطهارة؛ لأنّ الشريعة فقدت روحها ومضمونها في دولة معاوية.
الإعلان السافر لانتهاك حرمة الإسلام
بعد أن أخذ معاوية البيعة ليزيد، مبتدعاً بذلك طريقة جديدة في الحكم، وهي طريقة التوريث، والتي سار عليها مَن جاء بعده، محيياً بذلك سنن الجاهلية وحكومة الشيطان، وبعد أن هلك الطاغية معاوية، أصبح الطريق سالكاً أمام يزيد؛ ليحقق غاية الشيطان المعهودة.
من هنا؛ راح يزيد يرتكب أبشع الجرائم، وينتهك حرمة أعظم المقدّسات الإسلاميّة، ويقمع الرموز الدينيّة، ويتجاهر ـ بشكل سافر ـ بالفسق والفجور، وارتكاب أنواع المحرّمات، وترك الواجبات؛ فصار معروفاً بشرب الخمر، وعَقدِ مجالس اللهو والطرب، واللعب مع القردة والخنازير، وأصبحت هذه الممارسات شعاراً له، وراح يُعرَف بها، وعندما أراد أن يصفه الإمام الحسين عليه السلام وصفه بهذه الكلمات: «ويزيد رجلٌ فاسق فاجر، شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، مُعلِنٌ بالفسق والفجور»[22].
وقد أكّد هذا المعنى جملة من المؤرِّخين بقولهم: وكان يزيد بن معاوية من المتّصفين بشرب الخمر واللهو والصيد[23]، بل إنّه فاسق مدمن الخمر[24].
وروى المسعودي أنّ يزيد «أقبل على ساقيه فقال:
اسقني شربةً تــروي مُشاشتي ثم مِلْ فاسقِ مثلها ابن زياد
صاحب السـرّ والأمانة عندي وللتسديد مغنمي وجهادي
ثمّ أمر المغنّين فغنّوا به»[25].
ولم تقف ممارسات يزيد المنحرفة عند هذا الحدّ، وإنّما راح يظهر ما كان يضمر من كفر وإلحاد وحقد على بيت الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ، فها هو يتمثّل بهذه الأبيات ـ بعد قتل الإمام الحسين عليه السلام ـ:
«ليت أشياخي ببدر شـهدوا جزع الخزرج من وقع الأسـل
لأهـلّـوا واسـتـهـلّـوا فرحاً ثـمّ قـالـوا يــا يـزيد لا تُشل
لستُ من خندف إن لم أنتقم مـن بني أحمـد ما كان فعل»[26]
وفي نقل آخر ـ في ضمن هذه الأبيات ـ قال:
«لعـبـت هـاشم بالمُلك فلا خبر جاء ولا وحي نزل»[27]
فلم يكن يعتقد بدين ولا شرع، بل كلّ ما عنده هو الحقد الدفين على أحمد وآله الطاهرين.
حالة المجتمع الإسلامي قَبل النهضة الحسينيّة
انطلاقاً من القول المعروف: الناس على دين ملوكهم؛ فإنّ الحالة التي كان يمرّ بها المجتمع الإسلامي حالة مزرية جداً، فقد كان المجتمع في تيه فكري، وضلال عقدي، وفراغ فقهي، صار الانحراف هو الأصل، والمؤمن غريب في الوسط الإسلامي، ذلك الإسلام الذي أفرغه معاوية من محتواه، وحرَّف مبادئه وقتل روحه، إلى أن جاء دور الابن الفاجر يزيد؛ ليُعلن النهاية العمليّة والظاهريّة لهذا الدين الخاتم، وبذلك تتحقق غاية الشيطان في الأرض: ﴿ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾[28]، منتقماً بذلك من جميع الأنبياء والأوصياء الذين يمثّلون خطّ الرحمن على هذه البسيطة.
وها هو المسعودي ـ المؤرِّخ المعروف ـ يصف حالة المجتمع في تلك الأيام المظلمة بقوله: «وغلب على أصحاب يزيد وعمّاله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستُعملت الملاهي، وأظهر الناس شرب الخمر، وكان له قرد ـ يُكنى بأبي قيس ـ يُحْضِرُه مجلس منادمته، ويطرح له متكأ...»[29].
وهذا يعكس الفجوة الكبيرة التي حصلت بين المجتمع الإسلامي ومبادئ الدين الحنيف.
رياح التغيير
وفي خِضَمِّ هذه الأحداث، وهذه الوقائع المؤلمة التي كان يمرّ بها المجتمع الإسلامي ـ آنذاك ـ أعلن الإمام الحسين عليه السلام ثورته الخالدة بوجه هذا الواقع المرير، وضد هذه الأحداث المؤلمة والانحرافات الخطيرة والكبيرة، التي لا تميّز بين الموافق والمخالف، ولا بين الموالي وغيره، بل هدفها الأصلي ضرب الدين ومحو رسالة ربّ العالمين.
ومن هنا؛ جاءت كربلاء الكرامة لتعلن للعالم ضرورة الحفاظ على المبادئ الإسلاميّة والقيم الدينيّة، والأحكام الشرعية؛ حفظاً لخاتم الأديان الذي هو آخر مشعل لهداية البشرية، وبذلك يتجلّى القول المشهور للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بأنّ الحسين عليه السلام : «مصباح هدًى وسفينة نجاة»[30]، فقد حذّر الإمام الحسين عليه السلام ـ من خلال شعارات ثورته المباركة، ومن خلال خطبه العديدة ـ من الخطر العظيم الذي كان يحوم حول الأُمّة وقِيَمها، فقال: «...وإنّي لم أخرُج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي...»[31]، ومبيّناً الممارسات المنحرفة والضالّة التي كان يمارسها يزيد بن معاوية، بقوله: «...ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله»[32]، ومشجعاً المسلمين على النهضة والانتفاضة بوجه هذه الانحرافات والضلالات.
الإصلاح الحسيني
إنّ الإصلاح الذي كانت تسعى إليه كربلاء على مستويين:
المستوى الأول: الإصلاح الداخلي في البيت الشيعي الذي يحمل المبادئ الصحيحة، والعقائد الحقّة القويمة؛ لتقديمها إلى المسلمين بشكلها الصحيح، فنرى الشيعة استطاعوا ـ ومن خلال الاستهداء بنور الإمام الحسين عليه السلام ـ أن يقدِّموا للعالم الإسلامي الوجه الحقيقي للإسلام وتعاليمه السمحاء المتمثّلة برفض الظلم والخنوع، وفي الوقت نفسه العمل على لَمّ شمل المسلمين وصيانة وحدتهم، وهذا ما ينطق به كلّ منبر حسيني، وتنادي به كلّ حُسينيّة شامخة، ويشهد بها كل خطيب ألمعي.
نعم، إن لم نقل: كلّ ما عندنا من الحسين عليه السلام ، فلا أقلّ جُلّ ما عندنا منه عليه السلام .
فاليوم، صوت المنبر الحسيني يعلو في كلّ بقاع العالم، والمعالم الحسينيّة منتشرة في أرجاء المعمورة، وهذا هو انتصار الدم على السيف، وانتصار الحقّ على الباطل، وما كلّ هذا إلّا ثمرة من ثمار تلك النهضة العظيمة.
المستوى الثاني: الإصلاح العامّ، والحفاظ على المظاهر الإسلاميّة في المجتمع الإسلامي بصورة عامّة، فإنّ النهضة الحسينيّة قد حافظت على تلك الظواهر ومنعتها من الاندراس، وهذا يعني أنّ عطاء هذه النهضة المباركة لم يقتصر على دائرة الخواصّ من الشيعة الموالين، بل إنّ عطاءها أثرى البيت الإسلامي ككلّ، ومنع المخطط الشيطاني الذي كان يسعى لمحو الدين.
فإن قال القائل: ما أهمية حفظ المظاهر والشعارات إذا كانت المبادئ محرَّفة، وروح القيم مغيّبة؟
فيمكن الجواب عن ذلك: بأنّ الحفاظ على هذه الأُمور له الأهمّية البالغة في موارد عديدة، لعلّ من أهمّها:
1ـ إنّ حفظ المظاهر والشعارات الدينيّة يُساهم في الحفاظ على الدين من الانحراف بالكامل عن قواعده وأساسياته ومبادئه؛ فإنّ تغيير روح تلك المبادئ والقوانين وتفريغها من محتواها وواقعها، وإن كان بدرجة من الخطورة والسلبية، إلّا أنّه لا يمكنه إزالة الدين من الأساس؛ لذلك نجد أنّ الخطّ الشيطاني يرى أنّ ما قام به معاوية لم يكن مكتملاً، فسعى جاهداً لتكميله من خلال موبقات يزيد ولهوه وانحرافاته، إلّا أنّ النهضة الحسينيّة كانت المانع الأكبر من تحقيق هذه الغايات الشيطانية المشؤومة.
2ـ مع الحفاظ على هذه المظاهر والشعارات سوف تكون الدائرة التي يمكن أن يتحرّك فيها المؤمنون أوسع، وإمكان الحفاظ عليهم ورعايتهم، وتسهيل أُمورهم وممارسة أعمالهم يكون أفضل ممّا لو لم تكن هذه المظاهر من الأساس؛ فإنّ المؤمنين تكون غربتهم أقلّ في مثل هذه الأوساط.
3ـ إنّ كلّ مظهر من تلك المظاهر الدينيّة يحمل في واقعه روحاً من الدين، ومعنى من معانيه وإن كان ضئيلاً، إلّا أنّه ـ بالنتيجة ـ يُعتبر صاحبه معتَنِقاً لذلك الدين، وهو يشكّل رقماً في قبال الديانات الأُخرى، وهذه نقطة إيجابيّة ومهمّة أيضاً.
4ـ إنّ مَن كانت عنده تلك المظاهر فهو للهداية أقرب من غيره؛ لأنّه ـ على كلّ حال ـ قد خطا الخطوة الأُولى على الطريق الصحيح، أو لا أقلّ لا يتطلّب منه الأمرـ عند إرادته الهداية ـ كثيراً من التغيير الظاهري، وهذه النقطة مهمّة جداً، خصوصاً عند ملاحظة حالات الاستبصار لمئات الآلاف من المعتنقين الجُدد لخط أهل البيت عليهم السلام الذي يمثِّل الإسلام الحقّ.
إلى غير ذلك من الفوائد المهمّة لهذه المسألة.
كسب الرأي العامّ
إنّ التغيير لا يمكن أن يتحقق إلّا من خلال كسب الرأي العامّ أو تغييبه، والأول: هو عادة المصلحين وقيادات طريق الخير؛ فإنّهم دائماً يسعون إلى كسب الرأي العامّ من خلال الإرشادات والمواعظ الحسنة، وبيان الأدلّة الخطابية أو البرهانيّة لعموم الناس.
والثاني: هو أُسلوب قيادات الشرّ، وأتباع الشيطان الذين طالما يؤكّدون ويحرصون على تغييب الرأي العامّ وتجهيله، أو ظلمه وإقصائه؛ حتى تتسنّى لهم الفرصة لتمرير مآربهم الشيطانيّة.
وعادة ما يكون كسب الرأي العامّ من أحد طريقين:
الأول: من خلال السيطرة الثقافية، وحرّية البيان، ونشر الحقائق وبيانها بوجهها الناصع، عِبْرَ عرض الأدلّة والبراهين، وكما هو واضح، فإنّ هذا الطريق لكسب الرأي العامّ لم يكن ميسوراً للإمام الحسين عليه السلام ؛ لأنّ السلطة ـ وقتئذٍ ـ كانت ظالمة حاقدة متهتّكة، ولا تسمح بالتنوير وهداية الآخرين بأي وجهٍ كان.
الثاني: من خلال المظلوميّة والمأساة، فإنّ مثل هذه الحالات لها التأثير البالغ في كسب الرأي العامّ؛ وذلك لأنّ المظلوميّة تُثير المشاعر والأحاسيس، وإذا هاجت المشاعر تحرّكت النفس بالسؤال عن الأسباب والدوافع، وإذا جاء السؤال أمكن للمعرفة أن تأتي، وأمكن للنور أن ينتشر، وللجاهل أن يتعلَّم، ومع العلم يتحرّك الرأي العام وسواد الأُمّة، نافضاً غبار سُباته، محاولاً الوقوف بوجه الانحراف والانحطاط، والحدّ من الوقوع في مستنقعات الضلال.
ومن هنا؛ نجد أنّ كربلاء حملت في كل لحظة منها مأساةً ومظلوميّةً، وفي كلّ موقف صورةً مفجعةً وحزينةً، وكلّما وقفنا على مقطع نجده هو الأعظم مظلوميّةً والأشدّ مأساةً، وكلّما تحوّلنا إلى صورة أُخرى في كربلاء نجدها الأعظم والأشدّ؛ فإنّ المظلومية في كربلاء، والمأساة في عاشوراء لم تقتصر على صنف معين من الناس، بل شملت جميع الطبقات، رجالاً ونساءً، وشيوخاً وأطفالاً، وسادةً وعبيداً، فكانت في خطاهم ومواقفهم أعظم صور التضحية والفداء، والوفاء والشجاعة، والغيرة والكرم، والمنافسة على الخير، والإخلاص في العبادة، وحُسن الطاعة.
فما أجمل صورة العباس عليه السلام وهو واقف في وسط ماء الفرات متذكِّراً عطش الإمام عليه السلام ! وما أجمل صورة علي الأكبرـ وهو شبيه المصطفى خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً ـ وهو يقاتل ويستشهَد بين يدي إمامه وأبيه! وكم هي رائعة صورة العريس الشاب، وهو مخضّب بدمه الطاهر! وما أروع صورة عبد الله الرضيع، ودمه النازف من نحره، يُرمى إلى السماء فلا يسقط إلى الأرض! وكم يحتار العقل ويتيه الفكر ويقف عاجزاً عندما يسمع صوت الإمام المظلوم: «إلهي خذ حتى ترضى»! وكم هي الصور جميلة، وكم هي كثيرة، وكم هي عظيمة زينب، وهي تقول: «ما رأيت إلّا جميلاً»[33]!
ثمار كربلاء
إنّ كربلاء بعد أن غيّرت الرأي العامّ، وكان لها الأثر البالغ على الساحة الإسلاميّة، قد تدلّت أغصانها وأينعت ثمارها وأتت أُكُلها، ومن تلك الثمار المباركة:
1ـ كسر حاجز الخوف وهاجسه، وسحق هيبة الدولة التي فرضها معاوية بالقوّة والعنف، وبالترهيب والترغيب والتزوير والخداع؛ لذلك تعالت الأصوات الرافضة لسياسة بني أُميّة، واشتدّت أكثر فأكثر، ونتج عن ذلك ثورات عديدة قوّضت حكم بني أُميّة، وزلزلت عروشهم، من قبيل: ثورة التوابين، وثورة المختار، وثورة زيد بن علي عليه السلام ، وغيرها من الثورات التي قادها نبلاء الأُمّة وأبطالها، والتي تعكس الوعي الذي خلّفته النهضة الحسينيّة في أوساط الأُمّة الإسلاميّة.
2ـ التغيير الثقافي الذي أحدثته كربلاء؛ فإنّ هذه النهضة المباركة فضحت الممارسات الخبيثة التي كان عليها يزيد اللعين، وبيّنت بأنّه قاتلٌ مجرمٌ، لم يراعِ حتى حرم رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهو نبي هذه الأُمّة، والرسول الذي جاء بهذا الدين الحنيف، ورسالة الإسلام الخالدة، وبتبع ذلك ـ ومن خلال الشعارات التي رفعتها هذه النهضة المباركة ـ وثِّقت ممارسات يزيد غير الأخلاقية؛ الأمر الذي أدّى بكثير من أبناء السنّة ومن متعصبيهم إلى ذمّ يزيد ولعنه، وتوثيق جرائمه وفسقه وفجوره، فها هو ابن الجوزي ـ وهو معدود من المتعصبين ـ قد ألّف كتاباً في ذمّ يزيد ولعنه، وأسماه: الردّ على المتعصب العنيد المانع من ذمّ يزيد، وكان الدليل الأبرز عنده في ذمّ يزيد ولعنه، هو ما ارتكبه هذا المجرم في يوم عاشوراء، من قتل سبط النبي المصطفى صلى الله عليه وآله ؛ حيث روى في كتابه هذا: «وُضِع رأس الحسين بين يدي يزيد وعنده أبو برزة، فجعل يزيد ينكت بالقضيب على فيه، ويقول: نفلقن هاماً... فقال أبو برزة: ارفع قضيبك؛ فوالله، لربما رأيت فاه رسول الله صلى الله عليه وآله على فيه يلثمه»[34].
وروى في موضع آخر: «جيء برأس الحسين بن علي، فوُضِع بين يدي يزيد بن معاوية، فتمثّل بهذين البيتين:
ليت أشيــاخي ببدر شـهدوا جـزع الخزرج مـن وقع الأسـل
لأهـلّـوا واسـتـهـلّـوا فرحاً ثـمّ قـالـوا يــا يـزيد لا تُشل»[35].
إلى غيرها من الشواهد التي يذكرها ابن الجوزي، الموجِبة لذمّ يزيد ولعنه، وهي وقائع وثّقها مؤرِّخو الأُمّة الإسلاميّة بمختلف اتجاهاتهم، أمثال: الطبري في تاريخه، وابن مسعود في تاريخه، وابن الأثير في الكامل، وابن كثير في البداية والنهاية، وغيرهم؛ الأمر الذي يعكس الفضيحة التي تعرّض لها يزيد بن معاوية، وكلّ مَن تبع أو يتبع سياساته، ولم يبقَ مجال لأتباع الخطّ الأُموي للدفاع عن قائدهم يزيد إلّا النفي والإنكار، ولم يمكنهم القبول؛ وذلك لأنّ دم الحسين عليه السلام لا يمكن أن يُباح، ولا يرضى أي فرد من المسلمين بإراقته وهتكه، مهما كان اتجاهه وعقيدته ومذهبه، فدم الحسين عليه السلام كان العقبة الكبرى التي لم يتمكّن الخطّ الأُموي والمدّ الشيطاني أن يتخطّاها ويَعبُرها، فما بقي لهم إلّا النفي والإنكار، وهو الأمر الذي برع فيه ابن تيمية كعادته في نفي الواضحات وإنكار الثابتات، فنفى مثل هذه الجرائم عن سيّده يزيد[36].
وبذلك كانت كربلاء الرافد الأعظم في دعم المسيرة الإسلاميّة، سواء في الوسط الشيعي الخاصّ أم على المستوى الإسلامي العامّ؛ فإنّ هذه النهضة المباركة دعمت مبادئ الإسلام وقِيَمه وثبتتها، وجعلت مشعل الهداية الإلهية متوهجاً ومُشِعّاً في الأرض، وعلى مدى الدهور والأعصار، وكذلك حافظت على مظاهر الدين الإسلامي وشعاراته ولافتاته، وكانت المانع القوي والدرع الحصين في وجه سياسة الشيطان، التي كان يؤدّيها بنو أُميّة لضرب المبادئ الإسلاميّة والمظاهر الدينيّة؛ للقضاء على آخر سبل الهداية الإلهية: ﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾[37].
فكان الإسلام محمديّ الوجود حسينيّ البقاء، وتجلّت ـ بوضوح ـ مقولة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله : «حسين مني وأنا من حسين»[38].
الكاتب: الشيخ رافد التميمي
مجلة الإصلاح الحسيني – العدد الرابع
مؤسسة وارث الأبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
________________________________________
[1] البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري: ج5، ص138.
[2] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج1، ص11.
[3] النساء: آية76.
[4] العنكبوت: آية45.
[5] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج79، ص303.
[6] ورد عن أبي عبد الله عليه السلام ، أنه قال: «إنّ الله تبارك وتعالى لماّ أخذ مواثيق العباد، أمر الحجر فالتقمها؛ ولذلك يقال: أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته؛ لتشهد لي بالموافاة». الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج4، ص184.
[7] إشارةً إلى أنّ الصوم مدعاة إلى صحّة البدن وتخليصه من الأمراض، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «صوموا تصحّوا». المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج59، ص267.
[8] مضافاً إلى مكر معاوية ودهائه، فقد اتّخذ له مستشارين يعينونه على حياكة المكائد، كسرجون بن منصور الرومي النصراني، وعمرو بن العاص. اُنظر: ابن خياط، خليفة، تاريخ خليفة بن خياط: ص173. والطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج4، ص243.
[9] ابن كثير، إسماعيل، البداية والنهاية: ج8، ص250.
[10] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج4، ص66، فصل في ذكر الأحاديث الموضوعة في ذمّ عليّ عليه السلام .
[11] وُضِعت أحاديث كثيرة لفصل الدين عن السياسة، روتها كتب العامّة، منها: ما اُدُّعي من أنّ حذيفة روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنّون بسنّتي، وسيقوم فيهم رجالٌ قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله، إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتُطيع للأمير، وإن ضرَبَ ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع». النيسابوري، مسلم بن الحجّاج، صحيح مسلم: ج6، ص20.
وروي عن معاوية بن أبي سفيان يوماً، أنّه قال: «إني ـ والله ـ ما قاتلتكم لتصلّوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجّوا، ولا لتزكّوا؛ إنّكم لتفعلون ذلك. وإنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون». أبو الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين، مقاتل الطالبيين: ص45.
[12] أخرج الدارقطني والبيهقي في سننيهما، عن أبي هريرة، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال: «صلّوا خلف كلّ برّ وفاجر». الدارقطني، علي بن عمر، سنن الدارقطني: ج2، ص44. البيهقي، أحمد بن الحسين، السنن الكبرى: ج4، ص19.
[13] وردت عدّة روايات في صحاح أهل السنّة، تُثبت بأنّ الله جسم، وله وجه ويد ورِجل، منها: ما أخرجه مسلم في صحيحه في حديث طويل جاء فيه، أنّ الله سبحانه يقول لعباده يوم القيامة: «أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله منك، لا نشرك بالله شيئاً. مرتين أو ثلاثاً؛ حتى أنّ بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية، فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم. فيكشف عن ساق، فلا يبقى مَن كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلّا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى مَن كان يسجد اتقاءً ورياءً إلّا جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلّما أراد أن يسجد خرّ على قفاه، ثمّ يرفعون رُؤسَهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرّة». النيسابوري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم: ج1، ص115ـ 116.
[14] روى مسلم في صحيحه: «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقوم يلقِّحون، فقال: لو لم تفعلوا لصلح. قال: فخرج شيصاً، فمرّ بهم، فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلتَ كذا وكذا. قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم». النيسابوري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم: ج7، ص95.
[15] ورد في نسيان النبي صلى الله عليه وآله ـ في كتب أهل السنة ـ ما روته عائشة، أنّها قالت: «سمع النبي رجلاً يقرأ في المسجد، فقال: رحمه الله؛ لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتهن من سورة كذا وكذا».البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري: ج3، ص152. واُنظر: النيسابوري، مسلم بن الحجّاج، صحيح مسلم: ج2، ص190.
[16] جاء في روايات أهل السنّة: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قرأ بمكة سورة النجم، فلما بلغ هذا الموضع: ﴿فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ﴾، ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العُلى، وأن شفاعتهن لترتجى. قالوا: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم. فسجد وسجدوا. ثمّ جاءه جبرئيل بعد ذلك، قال: أعرض عليَّ ما جئتك به. فلمّا بلغ: تلك الغرانيق العُلى وأن شفاعتهن لترتجى. قال له جبرئيل: لم آتك بهذا، هذا من الشيطان. فأنزل الله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ ... ﴾». السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، الدرّ المنثور: ج4، ص366.
[17] أخرج البخاري في صحيحه، بسنده عن عائشة، قالت: «دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وعندي جاريتان تغنّيان بغناء بُعاث، فاضطجع على الفراش، وحوَّل وجهه، فدخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: دعهما. فلمّا غفل غمزتهما فخرجتا». البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري: ج3، ص228.
[18] أخرج الترمذي في سننه، بسنده عن بريدة، قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، فلمّا انصرف جاءت جارية سوداء، فقالت: يا رسول الله، إنّي كنت نذرت ـ إن ردّك الله سالماً ـ أن أضرب بين يديك بالدفّ وأتغنّى. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنتِ نذرت فاضربي، وإلّا فلا. فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثمّ دخل عليٌّ وهي تضرب، ثمّ دخل عثمان وهي تضرب، ثمّ دخل عمر؛ فألقت الدفّ تحت استها، ثمّ قعدت عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الشيطان ليخاف منك يا عمر». الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي: ج5، ص284.
[19] اُنظر: ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد بن حنبل: ج5، ص347. وابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج27، ص127.
[20] الشافعي، محمد بن إدريس، كتاب الأُمّ: ج1، ص208.
[21] السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، الدرّ المنثور: ج2، ص137.
[22] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص325. واُنظر: ابن أعثم الكوفي، أحمد، كتاب الفتوح: ج5، ص14.
[23] اُنظر: الذهبي، أبو عبد الله شمس الدين، تاريخ الإسلام: ج5، ص5.
[24] الأتابكي، ابن تغري بردي الحنفي، النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة: ج1، ص163.
[25] المسعودي، علي بن الحسين، مروج الذهب ومعادن الجوهر: ج3، ص67.
[26] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص157.
[27] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج8، ص188.
[28] سورة ص: آية82ـ83
[29] المسعودي، علي بن الحسين، مروج الذهب ومعادن الجوهر: ج3، ص67.
[30] الصدوق، محمّد بن علي، عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج1، ص62.
[31] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص329.
[32] المصدر السابق: ج44، ص325.
[33] الحلي، ابن نما، مثير الأحزان: ص71. والمجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص116.
[34] ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، الردّ على المتعصب العنيد المانع من ذمّ يزيد: ص58.
[35] المصدر السابق: ص59.
[36] اُنظر: ابن تيمية، منهاج السُنّة: ج4، ص557.
[37] التوبة: آية32.
[38] الكوفي، ابن أبي شيبة، المصنّف: ج7، ص515. الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3، ص177.
اترك تعليق