كالأب الحزين.. يرفع المرجع الديني الأعلى كفيه أطراف الليل، ويدعو بانقطاع أن تمضي كل ليلة من ليالي الاعوام الثلاثة عشر بسلام، على أمل أن يأتي صباح جديد، ربما يكون على أبوابه ملامح الفرج، وعودة الأبناء إلى وعيهم!.
بينما تغفوا النخبة السياسية الحاكمة ورغم "الخراب" الذي لا يزال يتكرر انتاجه.. تصحوا لتتأمل أحلامها يوماً بعد آخر، تحلم بأنها هي من أوجد الأرض التي نعيش عليها، وهي أيضا من يمنح السماء التي نستظل بها فرصة التحليق والبقاء عالية، بل تعتقد أيضاً أنها هي من أوجد حتى أضلاع "المربع" و"المثلث" وباقي الاشكال الهندسية.. بهذه "العقلية الحالمة" يحكم ساسة العراق شعباً يشهد التاريخ بعلميته ونضوجه!.
أما العراقيون.. فراحوا يحكمون أنفسهم ذاتياً، ويوفرون كل وسائل العيش بمفردهم. المواطن العراقي هو من يوفر لنفسه ولعائلته الأمن، و الغذاء، والدواء والكهرباء.. وحتى تعبيد الطرق وغيرها من الامور الخدمية التي ينبغي أن توفرها الحكومات.. على الرغم من كل ذلك بقي الجميع ينظر للحكومات الحديثة المتعاقبة بصبر "اسطوري" لا حدود له على أمل أن تحدث المعجزة وينصت هؤلاء ولو مرة واحدة لأنين الجائعين وأنفاس الخائفين المتسارعة جراء الأمن المفقود. ولعل هذا الصبر جاء نتيجة وعي العراقيين بان أي تصدّع داخلي سيفتح الباب على مصارعيها امام الاطماع الخارجية، وخصوصا المجاميع الارهابية كـ "جيش النصرة و داعش وتنظيم القاعدة وغيرها" فضلا عن تحرك بعض الدول المجاورة لإعادة أمجادها السابقة بغزو العراق من جديد بعد انكسرت في بدايات القرن الماضي.
لا تزال المرجعية تبحث عن الحلول
في غضون ذلك لم تقف المرجعية عند حدود توجيه النصائح، بل طرحت عدداً من الحلول لكل ازمة مهلكة وقف أمامها حكام العراق الجدد مكتوفي الأيدي، فالمرجعية هي من أوجد طريق النجاة من طوفان الموت الذي فجره "داعش" ودعت قبل دخول الموصل إلى ضرورة توخي الحذر من ترك العصابات الإجرامية تصول بحرية في بغداد والمدن الشمالية والغربية من العراق، ولكنها لم تجد الأذن الصاغية لنصائحها، لتتوجه بعد ذلك إلى الجماهير، وتصدر فتوى "الجهاد الكفائي" فجاءت الاستجابة السريعة التي حققت نتائج تفوق التوقعات.
وعلى أبواب ازمة اقتصادية خانقة، حذرت أيضاً ولمرات عديدة من على منبر الجمعة، من أن اقتصاد البلد على حافة الهواية، ولابد من إيجاد سبل بديلة غير "النفط" لدرء الخطر القادم، ودعت إلى إلغاء الامتيازات التي يتنعم بها المسؤولين منذ توليهم المناصب وحتى اليوم، ولكنها لم تجد أيضاً تلك الأذن الصاغية.
ماذا بعد التوبيخ؟!
الأسبوع الماضي قررت المرجعية أن تنهي مرحلة "النصح" واكتفى ممثل المرجعية العليا في كربلاء السيد احمد الصافي بقراءة مقاطع من دعاء الثغور لمجاهدي الحشد الشعبي الذين يخوضون معارك شرسة مع "داعش" الأمر الذي دعا مراقبين إلى تبني رؤى مختلفة في تحليل موقف المرجعية الأخير، غير أن نسبة كبيرة من هذه الآراء اتفقت على أن المرجعية تخبئ خلف هذا الإجراء أموراً قد تنتهي إلى مواقف فعلية بحق السياسيين وربما تكون أكثر تصعيداً، وأكثر قساوة من التوبيخ.
لو صبرتم ساعات قليلة لفهمتم مغزى الخطبة!
في اليوم التالي، خرج ممثل المرجعية العليا في كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي بـ "عمامته" إلى شوارع كربلاء.. ليست المرة الأولى التي يجوب فيها الكربلائي تلك الشوارع، لكنه هذه المرة استبدل "عكازه" بمكنسة! وراح يكنس بنفسه ما خلفه الفشل الحكومي من "نفايات".. لقد بدى مشهد الكربلائي وهو يكنس الأوساخ "غامضاً" للكثيرين وأثار تساؤلاً جديداً "هل ستقوم المرجعية بعد اليوم بحل مشاكل البلاد بنفسها بعد أن أعلنت نهاية الوعظ والنصح؟".
ويرى محللون ومراقبون أن ما قام به الكربلائي يعتبر رسالة بليغة مفادها "نزول المرجعية إلى الشارع في خطوة تعبوية اجتماعية شعبية".
واعتبروا أن نزول الشيخ الكربلائي ليقود الناس عملياً وفي مفصل يحرك المجتمع ويأثر في تلاحمه ومعنوياته على حد قولهم.
إلى ذلك قال الكاتب والصحفي كريم بدر الحمداني للموقع الرسمي، إن "المرجعية هذه المرة نزلت لمكافحة التلوث البيئي بعد يوم واحد من إيقافها للخطب السياسية عبر منبر الجمعة".
وأضاف "كانت هذه المبادرة همسة بأذن أولئك الذي اتهموا المرجعية بالانسحاب من دورها.. كانت تريد أن تقول: لو كنتم صبرتم ساعات لفهمتم مغزى الخطبة".
واعتبر الحمداني أن المرجعية التي اطلقت فتوى الجهاد الكفائي قادرة على اجتراح مشاريع ومواقف تعيد تأكيد حضورها الفاعل في قيادة المجتمع نحو الامن والسلام والانتصار.
زبدة القول: ربما في نزول الكربلائي إلى الشارع بهذه القوة دلالات واضحة على بلوغ المرجعية مرحلة "اليأس" من جميع الاطراف السياسية المشاركة في الحكم، ودعوة الناس أيضا لمشاطرتها ذات اليأس، ليحملوا ما يمكن حمله من "ادوات" تنهي هذا الخراب.
حسين الخشيمي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق