جرعة قوية من الأمل.. هذا كل يحتاجه المسلمون أوائل دعوتهم مع النبي (صلى واله) إلى توحيد الله ونبذ الأصنام، حيث تعرضوا آنذاك إلى أبشع أنواع التعذيب والقتل والتنكيل من قبل المجتمع القرشي الغالب عليه طابع التوحش والتعطش إلى الدم، فكانت الهجرة من مكة إلى المدينة بمثابة جرعة الأمل التي أسهمت في حقن دمائهم أولاً، والتنفس ثانيا، للاستعداد إلى مواجهة مراحل صعبة قادمة لا محالة، وهي دولة "العدل" التي كانوا ينشدونها مع نبيهم، والتي كانت محفوفة بموجات من الرفض والمواجهة الشرسة.
وبعد قرار الوحي بضرورة شد الرحال ليلاً والانتقال من مكة إلى المدينة؛ يخرج النبي وسط حذر شديد ويرافقه من يرافقه! يخلّف وراءه علياً (ع) في فراشه لضرب المخطط الذي رسمه سادة وكبراء قريش، والرامي إلى اغتيال النبي (صلى واله) والتخلص منه بأي طريقة، لتخلوا لهم الساحة بعد ذلك، وينعمون بفرض سلطتهم وهيمنتهم الأولى التي هددها النبي الجديد.
كيف نجى النبي (صلى واله) من مؤامرة القتل؟!
وفي هذا الصدد ينقل المؤرخون أن، "نفرا من قريش اجتمعوا في دار قصي بن كلاب وتأمروا في أمر النبي (صلى واله) ".
وبعد تبادل الآراء فيما بينهم، والتي جوبهت جميعها بالرفض من قبل أبو جهل اقترح عليهم قائلاً: "اقتلوه"!
إذ اقترح عليهم بأن يجتمع عليه - أي النبي- من كل بطن رجل فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد… فيرضى بنو هاشم حينئذ بالدية, وكان أبليس حاضر بينهم بهيئة شيخ كبير، وقد صوب معهم هذا الرأي.
وينقل المؤرخون أيضاً أن جبرائيل (ع) اخبر النبي (صلى واله) بهذه المؤامرة فخرج إلى الغار وأمر علياً (ع) ليبات في فراشه فلما أصبحوا وفتشوا عن الفراش وجدوا علياً (ع) مكان النبي فبادروه بذهول: "أين محمد؟" فأجاب: "لا أدري" فراحوا بعد ذلك يقتصون أثره.
وكان النبي (صلى واله) قد خرج ليلاً من بين سادة قريش الذين أحاطوا بيته لمحاولة قتله في الوقت المحدد، غير أنه مرّ من بينهم وقد أخذ بيده قبضة من تراب فرمى بها على رؤوسهم، ولم يشعروا به حتى تجاوزهم ومضى، بعد أن قرأ قوله تعالى: {وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون}.
الهجرة.. بداية تاريخ المسلمين
وتشير مصادر إلى أن هجرة النبي (صلى واله) كانت من مكة الى المدينة في 1/ ربيع الاول في السنة الثالثة عشر للبعثة، ووصل الى "يثرب" التي سميت فيما بعد بـ "المدينة المنورة" في الثاني عشر من الشهر نفسه، عندها كتب إلى علي بن ابي طالب (ع) كتاباً أمره فيه بالمسير إليه.
وظهر الإسلام بعد الهجرة هذه كقوّة سياسية وعسكرية يحسب لها، للتحول بعد ذلك إلى حكومة قوية في الساحة العالمية، وضعت الأسس لحضارة عظمى غطت قسماً كبيراً من أرجاء المعمورة.
وينظر المسلمون في العالم إلى الهجرة النبوية على أنها حادثة مهمة اعتبروها بداية لتاريخهم منذ اليوم الأول لانطلاقها.
اول من وضع التاريخ الهجري
ويشتهر بين المؤرخين أنّ الخليفة الثاني هو الذي اعتبر الهجرة النبوية مبدأ للتاريخ الإسلامي باقتراح وتأييد من الإمام أمير المؤمنين علي (ع)، غير أن عدداً من الباحثين في الشأن التاريخي رأوا أن أول من أعتبر تاريخ الهجرة النبوية بداية لتاريخهم هو النبي (صلى واله) ، مستندين إلى ذلك بأن النبي (صلى واله) كان يؤرّخ رسائله وكتبه إلى أُمراء العرب وكبار الشخصيات وزعماء القبائل بالتاريخ الهجري.
ومنه ما نقله المحدثون الإسلاميون عن الزهري قوله: إنّ رسول اللّه (صلى واله) لمّا قدم المدينة مهاجراً أمر بالتاريخ، فكتب في ربيع الأوّل "أي شهر قدومه المدينة"، وأيضاً ما رواه "الحاكم" عن "ابن عباس" أنّ التاريخ الهجري بدأ من السنة التي قدم فيها النبي (صلى واله) المدينة.
وبذلك تحكي هذه النصوص بوضوح أن النبي (صلى واله) هو الذي حدّد التاريخ الإسلامي بهجرته المباركة.
هل محرم الحرام هو أول اشهر السنة الهجرية؟
ويُثار تساؤل حول ما اذا كان فعلا شهر محرم الحرام هو أول اشهر السنة الهجرية، في حين أن النبي (صلى واله) قد هاجر في الأول من شهر ربيع الأول، فكيف حدث ذلك؟
وفي معرض الإجابة يؤكد باحثون في الشأن التاريخي أن احتساب التقويم الهجري بدأ منذ عام هجرة الرسول (صلى واله) إلى المدينة وليس من الشهر الذي هاجر فيه، أي أن بداية العام لدى العرب قبل الإسلام وبعده كان الأول من محرم الحرام وذلك أمراً ثابتاً.
حسين الخشيمي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق