ما أن مر عام على استيلاء يزيد بن معاوية لعنه الله على الحكم ، لتشهد حكومته تسجيلها لأبشع جريمة عرفتها البشرية وذلك بقتله الإمام الحسين عليه السلام وعياله وثلة من أصحابه ؛ وتحديداً في الثالث من ربيع الأول عام 64 للهجرة الشريفة ، أقدم يزيد على ضرب الكعبة بالمنجنيق وإحراقها وزعزعة أركانها بعد أن جّر إليها جيش الشام لقتال من فيها، إذ حدث ما حدث من إراقة للدماء ، حتى أنها سالت في قاع الكعبة الشريفة .
كان ذلك في السنة الثالثة والأخيرة من فترة حكمه ، والتي سبقها بجريمة استباحة المدينة المنورة بجيشه الذي قتل ما يزيد عن عشرة آلاف من المسلمين وسبعمائة من الصحابة ممن كانوا من حملة القرآن الكريم ، ليتهيأ بعد ذلك لحرق بيت الله الحرام .
يشير المسعودي في كتابه مروج الذهب إلى جملة من الجرائم التي أقدم عليها يزيد بن معاوية لعنهما الله ، والتي اعتبرها مثالبا كثيرة ، إذ يقول : " إن ليزيد وغيره أخبار عجيبة، ومَثَالبَ كثيرة ، من شرب الخمر وقتل ابن بنت الرسول ولَعْن الوصِيَ وهدم البيت وإحراقه وسفك الدماء والفسق والفجور وغير ذلك مما قد ورد فيه الوعيد باليأس من غفرانه ...." .
يزيد يأمر برجم الكعبة وإحراقها !
وينقل مؤرخون ، أن يزيد لعنه الله أمر جيش الشام بقيادة الحصين بن النمير بالمسير نحو مكة المكرمة ومحاصرتها ورمي الكعبة والمتحصنين فيها بـعشرة آلاف صخرة وإشعال النار فيها .
ويصف المسعودي ذلك المشهد بالقول : " تواردت أحجار المجانيق والعرادات على البيت ورمي مع الأحجار بالنار والنفط ومشتاقات الكتان وغير ذلك من المحرقات وانهدمت الكعبة واحترقت البنية ووقعت صاعقة فأحرقت من أصحاب المجانيق أحَدَ عشر رجلاً ، وقيل : أكثر من ذلك ..... " .
أما اليعقوبي" فقد أشار في تاريخه إلى أن الحصين بن نمير قائد جيش يزيد رمى الحرم بالنيران حتى أحرق الكعبة " ، كما اضاف " وكان قاضي ابن الزبير ينادي عند احتراق الكعبة ، "يا أهل الشام ! هذا حرم الله الذي كان مأمناً في الجاهلية يأمن فيه الطير والصيد، فاتقوا الله يا أهل الشام ! " ، غير أن جيش يزيد لم يأبه لذلك حتى التهمت النيران جدران الكعبة .
محاولة لتبرئة يزيد من الجريمة .
فيما حاولت جملة من الروايات تبرئة يزيد بن معاوية من جريمة إحراق الكعبة ومنها رواية محمد بن عمر التي أوردها الطبري في كتاب تاريخ الأمم والملوك ، إذ يقول : " قال محمد بن عمر: حدثنا رياح بن مسلم عن أبيه قال : كانوا يوقدون حول الكعبة ، فأقبلت شررة هبت بها الريح ، فاحترقت ثياب الكعبة ، واحترق خشب البيت يوم السبت لثلاث ليال خلون من ربيع الأول " .
وفي رواية أخرى ، قال محمد بن عمر : وحدثني عبد الله بن زيد ، قال : حدثني عروة بن أذينة ، قال: قدمت مكة مع أمي يوم احترقت الكعبة قد خلصت إليها النار، ورأيتها مجردة من الحرير، ورأيت الركن قد اسود وانصدع في ثلاثة أمكنة ، فقلت: ما أصاب الكعبة ؟ فأشاروا إلى رجل من أصحاب عبد الله بن الزبير، قالوا : هذا ... احترقت بسببه ، أخذ قبسًا في رأس رمح له فطيرت الريح به، فضربت أستار الكعبة ما بين الركن اليماني والأسود .
غير أن تصدع جدران الكعبة وتزعزع بعضها جراء رميها بـ "عشرة آلاف" صخرة ، ينفي مثل هذه الروايات التي يعتقد أنها وضعت من أجل تبرئة يزيد من تلك الحادثة ، خصوصاً أنه أقدم قبل ذلك على جرائم أكثر فجاعة وبشاعة ومنها قتل الإمام الحسين عليه السلام وواقعة الحرة التي استباح فيها المدينة ، إذ يذكر مؤرخون أن الجيش الأموي أباد أهل المدينة وأكثر القتل فيهم ثلاثة أيام حتى أباد منهم الآلاف .
حسين الخشيمي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق