وردت نصوص عدة تحث الفرد المؤمن والمنتظر الحقيقي على تحصيل العلم النافع، والتفقه في الدين والارتقاء إلى مستوى عال في التعلم سواء على مستوى الفقه أو العقيدة أو معالم الفكر الإسلامي الصحيح لأن العامل عن غير معرفة لا قيمة له في الواقع.
فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه وصف المتقين في خطبته الشريفة، وقال إن من صفاتهم انهم: (وقفوا اسماعهم على العلم النافع)[1]، وقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لوددت ان أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا في الدين)[2] وعن المفضل بن عمر قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: عليكم بالتفقه في دين الله ولا تكونوا اعرابا فانه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله له يوم القيامة ولم يزك له عملاً[3].
قال عليّ عليه السلام: (الملوك حكّام على الناس، والعلم حاكم عليهم، وحسبك من العلم أن تخشى الله، وحسبك من الجهل أن تعجب بعلمك)[4].
وهذه من الصفات المهمة التي ينبغي الالتفات اليها من قبل المؤمنين، والمنتظرين لدولة العدل الالهي وخصوصاً مع تطور وسائل الاعلام في واقعنا المعاصر فهنالك في الواقع الإعلامي الكثير من المنصات التي تنشر العلم، والمعلومات ليلاً ونهاراً، وبطرق مختلفة، ومتعددة كتابية ومرئية بل حتى طرق درامية تمثيلية وكل من هذه المنصات تدعوا إلى هدف معين، فمنها ما يدعو إلى الانحلال والتحرر من القيم الفطرية والأخلاقية ومنها ما يدعو إلى الإلحاد، وعدم الاعتراف بوجود الله تعالى، ومنها ما يدعوا إلى علمنة المجتمعات الإسلامية ومنها ما يدعو إلى الاستغراب والحداثة والعولمة، ومنها من يلبس الحق بالباطل في مجال الأديان والمذاهب والعقائد وغيرها، ولامجال لمواجهة هذه الفتن والانتشار الواسع للمعلومات المختلفة في جميع المجالات الثقافية، والفكرية والعقائدية والاخلاقية، إلا من خلال التسلح بالعلم، والتفقه في الدين، فلا ينبغي أن يكون الفرد المنتظر جليس البيت من دون أن يطور نفسه في جانب العلم والتفقه في الدين، بل يجب أن يسعى المنتظر دائماً إلى تحصيل العلم وملاقاة الإخوان والتباحث معهم والتعلم منهم حتى يضمن فهم المشروع الإلهي من جهة، والنجاة من الفتن والضلالات من جهة أخرى.
وقد ورد هذا المعنى في روايات اهل البيت عليهم السلام فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال له رجل: (جعلت فداك رجل عرف هذا الأمر لزم بيته ولم يتعرف إلى أحد من إخوانه؟ قال: فقال: كيف يتفقه هذا في دينه)[5].
هذه الرواية الشريفة فيها دلالة واضحة على أهمية السعي في تحصيل العلم والتواصل المستمر مع العلماء والفضلاء والباحثين من خط أهل البيت عليهم السلام ، ولا ينبغي له العزلة وعدم تحمل المسؤوليات خصوصا في خضم الصراع والفتن التي تعصف بالأمة والمجتمع المسلم، فإن مسألة التفقه في الدين والمعرفة والمطالعة المستمرة بعلوم أهل البيت عليهم السلام لها من الأهمية البالغة في عملية التمييز بين الحق والباطل.
من هو الفقيه الذي نتعلم منه علوم اهل البيت عليهم السلام
من المهم جدا ان نعرف من اين نأخذ علوم اهل البيت عليهم السلام وماهي صفات العالم الذي نضع ثقتنا به في تعلم العلم الحقيقي وقد وردت روايات عدة توضح للمؤمنين صفات العلماء الثقات والامناء من علماء مدرسة اهل البيت عليهم السلام ومن أهمها:
اولا: الصفات الكمالية والاخلاقية
قال الإمام علي عليه السلام: قال عليّ عليه السلام:( ألا أخبركم بالفقيه حقّاً؟ قالوا: بلى، يا أمير المؤمنين، قال عليه السلام من لم يقنّط الناس من رحمة الله، ولم يؤمنهم من عذاب الله، ولم يرخّص لهم في معاصي الله، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره. ألا لا خير في علم ليس فيه تفهّم، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقّه)[6].
قال الإمام الباقر عليه السلام:( إن الفقيه حق الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة، المتمسك بسنة النبي صلى الله عليه واله وسلم)[7].
قال الصادق عليه السلام: (الخشية ميراث العلم، والعلم شعاع المعرفة وقلب الإيمان، ومن حرم الخشية لا يكون عالماً، وإن شقّ الشعر في متشابهات العلم، قال الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّمَا يَخشَى اللَّهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاء﴾، وآفة العلماء ثمانية أشياء: الطمع، والبخل، والرياء، والعصبيّة، وحبّ المدح، والخوض فيما لم يصلوا إلى حقيقته، والتكلّف في تزيين الكلام بزوائد الألفاظ، وقلّة الحياء من الله، والافتخار، وترك العمل بما علموا)[8].
ثانيا: الصفات العلمية ودرايته بالمعارف الالهية
ان كلمة الفقيه ليس امرا سهلا ولا يتيسر للجميع وانما ورد في الروايات ان العالم هو الذي له معرفة ودراية بالنصوص الشرعية، وقد عبرت الروايات عن ذلك بشكل واضح وصريح فعن الإمام الصادق عليه السلام: قال: «اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يُحسنون من رواياتهم عنّا، فإنّا لانعدّ الفقيه منهم فقيهاً حتى يكون مُحَدَّثا، فقيل له: أوَ يكون المؤمن مُحَدَّثاً؟ قال: يكون مفهَّماً، والمُفَهَّمُ المُحَدَّث»، وعن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله عليه السلام «خبر تدريه خير من عشرة ترويه. إنَّ لكل حق حقيقة ولكل صواب نوراً، ثم قال: إنا والله لانعدّ الرجل من شيعتنا فقيهاً حتى يُلْحَن له فيعرف اللحن»
وقال عليه السلام: «حديث تدريه خير من ألف ترويه، ولا يكون الرجل منكم فقيهاً حتى يعرف معاريض كلامنا، وإنَّ الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجهاً، لنا من جميعها المخرج»، وروي عنه (عليه السلام) انه قال لأبي عبيدة الحذاء: «إنّا لانعدّ الرجل فقيهاً عالماً حتى يعرف لحن القول وهو قول الله عزّ وجل: (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)».
ثالثا: الغيرة على الدين والدفاع عن المستضعفين من الشيعة
ان من اهم صفات الفقيه العالم هو غيرته على الدين والمذهب ودفاع عن العقيدة الامامية وعن المستضعفين من شيعة اهل البيت عليهم السلام لئلا يقوا في فخاخ وشباك اعوان الشيطان من النواصب الذي يردون عليهم الشبهات لإبعادهم عن الدين وهذا ما نراه اليوم في علمائنا الاعلام الذين رابطوا على ثغور العلم منذ عصر الائمة والى واقعنا المعاصر واوضحوا جميع معالم الدين وردوا الشبهات والفوا المصنفات كله من اجل الدفاع عن المذهب الحق وهذه هي الصفة البارزة في علماء مدرسة اهل البيت عليهم السلام كل في اختصاصه ومجاله وقد اشارت الروايات الشريفة الى هذا المعنى فعن الإمام الهادي عليه السلام: (لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه الصلاة والسلام من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها أولئك هم الافضلون عند الله عز وجل)[9].
الهوامش:--------
[1] بحار الانوار ج75 ص 73.
[2] الكافي ج1 ص 31.
[3] نفس المصدر
[4] حار الأنوار: ج٢ ص٤٨
[5] نفس المصدر
[6] بحار الأنوار: ج٢ص٤٨-٤٩
[7] الكافي : 1 / 70 / 8 .
[8] بحار الأنوار: ج٢ص٥٢
[9] الإحتجاج ج 1 ص 18,

اترك تعليق