إن من أبرز ما ورد في الروايات الشريفة أن الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف هو الذي سيأخذ بثأر أبي عبد الله عليه السلام وقد ورد ذلك في نصوص كثيرة منها: ما روي عن أبي جعفر عليه السلام في تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جعلنا لِوَلِيِّهِ سلطاناً).
قال الإمام الحسين عليه السلام: (فَلاٰ يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ إِنَّهُ كان مَنْصُوراً قال: سمي المهدي منصورا كَمَا سَمَّى أَحْمَدَ وَمحمد مَحْمُوداً وَكَمَا سَمَّى عِيسَى اَلْمَسِيحَ عَلَيْهِمُ اَلصَّلاَةُ واَلسَّلاَمُ واَلتَّحِيَّةُ واَلْإِكْرَامُ ورَحْمَةُ اَللَّهِ وبَرَكَاتُهُ)[1].
وروي عَنْ أبي جَعْفَرٍ عليه السلام: أيضاً فِي قَوْلِه ِ: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جعلنا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً فَلاٰ يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ إِنَّهُ كٰانَ مَنْصُوراً).
قَالَ هُوَ اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام قُتِلَ مَظْلُوماً وَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُهُ وَاَلْقَائِمُ مِنَّا إذا قَامَ طَلَبَ بِثَأْرِ اَلْحُسَيْنِ فَيَقْتُلُ حَتَّى يُقَالَ قَدْ أَسْرَفَ فِي اَلْقَتْلِ وَ قَالَ اَلْمَقْتُولُ اَلْحُسَيْنُ وَ وَلِيُّهُ اَلْقَائِمُ وَاَلْإِسْرَافُ فِي اَلْقَتْلِ أَنْ يَقْتُلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ - إِنَّهُ كٰانَ مَنْصُوراً فَإِنَّهُ لاَ يَذْهَبُ مِنَ اَلدُّنْيَا حَتَّى يُنْتَصَرَ بِرَجُلٍ مِنْ آلِ رَسُولِ اَللَّهِ عَلَيْهِمُ اَلصَّلاَةُ وَاَلسَّلاَمُ يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً)[2].
وورد عن الإمام الحسين عليه السلام: (والله لا يسكن دمي، حتى يبعث الله المهدي، فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفاً)[3] .
وفي دعاء النّدبة، في مناشدة الإمام المهدي عليه السلام: (أين الطّالب بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء أين الطّالب بدم المقتول بكربلاء)[4].
وفي زيارة الإمام الحسين عليه السلام في عاشوراء: (أسأل الله الذي أكرم مقامك وأكرمني بك، أن يرزقني طلب ثأرك، مع إمامٍ منصورٍ من أهل بيت محمد صلى الله عليه واله وسلم، فأسأل الله الذي أكرمني بمعرفتكم ومعرفة أوليائكم، ورزقني البراءة من أعدائكم، أن يرزقني طلب ثأري مع أمامٍ هدىً، ظاهر ناطق بالحق منكم).
قيام الإمام المهدي يوم العاشر من المحرم
إن من الثابت في الروايات الشريفة أن قيام الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف عند ظهوره سيكون في العاشر من المحرم أي هو نفس اليوم الذي قتل فيه الإمام الحسين عليه السلام.
روى أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (يخرج القائم يوم السبت يوم عاشوراء، يوم الذي قتل فيه الحسين وروى علي بن مهزيار عن الإمام أبي جعفر الباقر أنه قال: (كأني بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت، قائما بين الركن والمقام بين يديه جبرائيل ينادي: البيعة لله فيملؤها عدلا كما ملئت ظلما وجوراً)[5].
وروى أبو بصير، عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن القائم صلوات الله عليه ينادي اسمه ليلة ثلاث وعشرين ويقوم يوم عاشوراء يوم قتل فيه الحسين بين علي عليهما السلام)[6].
من المعلوم لديكم أن يوم العاشر من المحرم هو يوم عزاء ومصاب الحسين عليه السلام، وفيه يجتمع جميع شيعة أهل البيت في العالم لإحياء ذكرى الحسين عليه السلام فإذا خرج الإمام المهدي في مثل هذا اليوم طالباً بثأر جده الحسين من سيلبي ندائه آنذاك؟ وخصوصاً، وقد ورد أن شعار أنصاره (يالثارات الحسين) وهذا منبه واضح للمنتظرين بأن شعائر الإمام الحسين عليه السلام لها من الأهمية الكبرى في إعداد المنتظرين، والأنصار الذين يكونون مؤهلين لنصرته وقادرين ومعتقدين بمشروعه، وذلك لأن الواقع واضح في أن الذي يتفاعل يوم العاشر مع الحسين ومع شعار الأنصار هم الذين يحيون ذكر الحسين عليه السلام ويقيمون عزائه، ويبكون عليه، وينوحون، ويصنعون الطعام للمعزين فهؤلاء هم أنصار الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف.
شعار أنصار المهدي: (يالثارات الحسين)
ورد في بعض الروايات الشريفة أن الذي سيقوم مع الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف من الأنصار سيكون شعارهم حسيني تحت عنوان (يالثارات الحسين) عن أبي عبد الله عليه السلام وهو يذكر صفات أنصار الإمام المهدي عجّل الله فرجه قال: (هم أطوع له من الأُمة لسيّدها، كالمصابيح كأنَّ قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مُشفقون يدعون بالشهادة ويتمنّون أن يُقتلوا في سبيل الله، شعارهم: يا لثارات الحسين)[7].
وورد في زيارة عاشوراء: (اللهم ارزقني طلب ثأرك مع امام منصور من اهل بيت نبيك)
إن هذا الشعار هو أيضاً شعار الإمام صاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف فقد ورد في زيارته: (السلام على الإمام العالم الغائب عن الابصار الحاضر في الامصار والغائب عن العيون والحاضر في الأفكار بقية الاخيار الوارث ذا الفقار الذي يظهر في بيت الله ذي الاستار وينادي بشعار يالثارات الحسين)[8].
لذا يكرر المؤمنين في دعاء الندبة هذه العبارة: (أين الطالب بدم المقتول بكربلاء).
وورد أن هذا الشعار هو شعار الملائكة أيضاً عن علي بن موسى الرضا عليه السلام: (يا بن شبيب إنْ كنتَ باكياً لشيء فأبكِ للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام فإنَّه ذُبِحَ كما يُذبح الكبش وقُتِلَ معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيهون، ولقد بكتْ السماوات السبع والأرضون لقتله ولقد نزلَ إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره، فلم يُؤذن لهم، فهم عند قبره شُعث غُبر إلى أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره، وشعارهم: يا لثارات الحسين)[9].
دولة العدل الإلهي المرحلة الأخيرة من أهداف النهضة الحسينية
إن نهضة الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء لها أهداف عدة كما هو واضح من خلال دراسة خطابات الإمام عليه السلام، وبعض الروايات الشريفة الواردة عن الأئمة عليهم السلام ويمكن تقسيم أهداف النهضة الحسينية إلى ثلاثة مراحل:
المرحلة الأولى: الأهداف القريبة من قتل الإمام الحسين عليه السلام:
هنالك مجموعة من الأهداف التي تحققت بمجرد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ويمكن تلخيصها بما يلي:
أ – تمزيق حالة القدسية في الحكم الاموي:
والذي كان يصور نفسه للناس، والمجتمع الإسلامي على أنه امتداد لخلافة النبي صلى الله عليه واله وسلم، فقد فُضح الحكم الاموي يوم عشوراء، وعرف الناس زيف الأمويين، وخلافتهم، ومدى وحشيتهم، وحقدهم على الإسلام حتى أصبحوا لعنة إلى أبد الدهر وصار ذلك شعاراً يردده المجتمع الإسلامي الذي استلهم الدروس من النهضة الحسينية، وعلى مر العصور، والأزمان نقرأ هذه العبارات حينما نقف أمام قبر الإمام الحسين عليه السلام ونقول: (اللهم العن بني أمية قاطبة).
ونقرأ أيضاً: (اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد وال محمد وآخر تابع لهم على ذلك اللهم العن العصابة التي جاهدت الحسين وشايعت وبايعت وتابعت على قتله)[10].
ب: كسر الطوق أمام فكرة عدم الخروج على السلطان الجائر:
والتي أسس لها الأمويون، والسلطات المنقلبة على الأعقاب قبل ذلك فأن نهضة الإمام الحسين عليه السلام، قد ألغت هذه الفكرة الكاذبة وفتحت الطريق أمام الناس للتعبير عن رأيهم أمام الحكام الطغاة وقد صرح الإمام الحسين عليه السلام في أحد خطاباته بذلك وقال: (من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهده مخالفاً لسنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يعمل في عباده بالإثم والعدوان ثم لم يغير بقول ولا فعل كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن واظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء واحلوا حرام الله وحرموا حلاله واني احق بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم)[11].
بهذا الشعار الحسيني توالت الثورات بعد استشهاده عليه السلام حتى انتهت بسقوط دولة الأمويين، وأصبحت النهضة الحسينية أحد اهم روافد الجهاد ومواجهة الظلمة، والطغاة في كل عصر وإلى يوم القيامة.
المرحلة الثانية: الأهداف المتوسطة للنهضة الحسينية:
وهذه المرحلة بدأت مباشرة بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، وذلك على يد الإمام زين العابدين، والباقر، والصادق والأئمة من بعدهم عليهم السلام الذين قاموا بأمور عدة:
الأول: قام الأئمة عليهم السلام بإعادة تراث النبوة والإمامة:
والمتمثل بالسنة الشريفة التي عمد الأمويون، والمنقلبون على الأعقاب على تحريفها، وحرقها والمنع من تدوينها والتحدث بها، وكان ذلك عن طريق تربية جيل من الشيعة الإمامية على منهج القرآن الكريم والعترة الطاهرة حتى تخرج على أيديهم آلاف المحدثين، والرواة وانتشرت أحاديث النبوة والإمامة في جميع أصنافها حتى صارت بعد ذلك المصدر الأساس للشيعة الإمامية والرافد الحقيقي لمدرسة اهل البيت عليهم السلام.
الثاني: إحياء مظلومية الإمام الحسين عليه السلام:
وذلك عن طريق عقد مجالس العزاء، والرثاء، وإحياء زيارته، وحث المؤمنين على البكاء، والجزع عليه لكي تبقى هذه النهضة في نفوس وقلوب الشيعة الإمامية على طوال المسيرة، فهي تمثل عاملاً اساسياً للهيجان العاطفي، والجهادي في نفوس الأمة، فان هذه المراسيم التي كان يقيمها أهل البيت عليهم السلام تمثل جانب الإستنكار، وإبراز المظلومية، وإعلان الولاء لطريق النبوة والإمامة، والبراءة من خط الانحراف والضلال بطريقة هادئة وسلمية ومعبرة وهادفة، وبقيت هذه المراسيم حاضرة في نفوس الشيعة الإمامية إلى وقتنا المعاصر، فأنها اليوم تمثل العصب الأساس لحركة الشيعة الإمامية في مواجهة الطغاة وإعلان الولاء، والبراءة من أعدائه، وتوطين النفس على انتظار اليوم الموعود.
المرحلة الثالثة: الأهداف البعيدة للنهضة الحسينية:
وهذه المرحلة هي المرحلة الأخيرة من حركة الأئمة عليهم السلام وهي مرحلة الهداية العامة، وإقامة دولة العدل الإلهي على يد التاسع من ذرية أبي عبدالله عليه السلام الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، فإن الهدف النهائي الذي يرمي اليه الإمام الحسين عليه السلام هو عينه الهدف الذي يرمي اليه صاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف، وهو نفسه الهدف الذي يرمي اليه النبي صلى الله عليه واله وسلم وعلي والحسن، والأئمة من ذرية الحسين عليهم السلام، وذلك يتمثل بتحرير الأرض من الطغاة، والظلمة وهداية الناس على منهج القرآن الكريم، والعترة الطاهرة، ومن هنا جاءت الروايات الشريفة التي أوضحت العلاقة بين الإمام الحسين عليه السلام، والإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف كما تقدم.
الهوامش:-----
[1] نور الثقلين ج3 ص143.
[2] بحار الانوار ج44 ص 218.
[3] بحار الانوار ج45 ص 298.
[4] مفاتيح الجنان ص 598.
[5] الغيبة للطوسي ص473.
[6] الغيبة للطوسي ص472
[7] بحار الأنوار ج٥٢، ص٣٠٧ و٣٠٨.
[8] بحار الانوار ج99 ص 133.
[9] الأمالي للشيخ الصدوق: ص١٠٢، مجلس٢٧.
[10] بحار الانوار ج98 ص 293.
[11] بحار الانوار ج44 ص 382.
اترك تعليق