ظاهرة النزاع في الحياة الزوجية

يعتبر البعض ظاهرة النزاع في الحياة الزوجية ظاهرة خطيرة تهدد الأسرة وتقود سفينة الزواج إلى الارتطام بالصخور، والغرق لا محالة.

إن الحب المتبادل بين الزوجين هو الأساس في ديمومة الحياة المشتركة واستمرارها، وهذا لا يعني أنه قادر على تذويب الاختلافات، فالناس مختلفون، هكذا خلقهم الله، ولا يمكن لهذا الرباط المقدس أن يلغي أو يوحد الأمزجة المختلفة. وفي هذه الحالة لا بد من حدوث الاصطدام بين الزوجين. والمهم في كل ذلك أن يشعر الزوجان بحاجتهما إلى الحياة المشتركة معا، وأنهما يفضلا استمرارها.

أما تلك المعارك الصغيرة التي تنشب بين فترة وأخرى فهي ملح الحياة كما يقولون، ولا بد للزوجين بعدها من تقديم التنازلات، ومن ثم اللقاء ولو في منتصف الطريق.

الحياة ليست قصة مترعة بالألم والعذاب كما يراها بعض المتشائمين، وهي ليست حكاية جميلة تطفح بالسعادة كما قد يتصورها بعض البسطاء.

الحياة يمكن أن تؤتي ثمارها المنشودة إذا ما نهضت على أساس من العقيدة والمبادئ ينطلق منها الإنسان لتحقيق الأهداف الكبرى التي آمن بها، وعندها سيشعر بقدر من السعادة.

المتشائمون ينظرون إلى الحياة فيرونها حسب تصوراتهم مختلة الموازين منعدمة الاتزان، وعندما يجدون أنفسهم عاجزين عن تعديل مسارها فإنهم يشعرون بالمرارة واليأس.

النزاع في الحياة الزوجية:

من المسائل التي تؤدي إلى نشوب النزاع في الحياة الزوجية، خاصة لدى الشباب هي الاختلاف في الرؤى والنظرة إلى الحياة، وهذه المسألة لا تتوقف عند الشباب بل إنها تنسحب أيضا لتشمل أعمارا أكبر.

يخوض الشباب مع الفتاة تجربة الزواج المثيرة ولدى كل منهما رؤاه وأحلامه وآماله العريضة، وعادة ما يغطي الخيال مساحة واسعة من معلومات كل منهما عن الطرف الآخر.

وعلى هذا الأساس يبدءان ببناء حياتهما المستقبلية في جهل بإمكاناتهما وقدرات كل منهما.

ولكن، بعد أن يقضيا شهرين أو عامين في هدوء تبدأ مرحلة من الحساب والتقييم ومراجعة الأمور، حيث تبدد الشمس ضباب الخيال والأوهام، وعندها تترسب في الأعماق تراكمات السلوك، ويسعى خلالها كل طرف التغاضي عنها والسكوت عليها، وفي لحظة اشتعال الشرارة ينفجر الموقف وتظهر إلى السطح جميع العقد الدفينة، ويبدأ فصل من النزاع والمواجهة.

وتؤكد البحوث بأن النزاع قد ينشب في بدايته حول بعض التفاصيل التافهة ثم سرعان ما يتصاعد ليهدد البناء الأسري برمته، فمن كلمة جارحة إلى العراك والضرب، إلى التفكير الجدي بالطلاق والانفصال النهائي.

بواعث النزاع:

للبحث في السبب أو الأسباب التي تكمن وراء النزاع بين الزوجين، يمكن الإشارة إلى ما يلي:

- المفاهيم الخاطئة عن الحياة، خاصة حياة الأسرة.

- جهل الطرفين ببعضهما قبيل خوض تجربة الزواج.

- عدم تفهم كل طرف لتقاليد وعادات وسلوك الطرف الآخر.

- سعي أحد الطرفين لإثبات قدرته وسيطرته على الطرف الآخر.

- إفراغ شحنات الغضب الناجمة عن عوامل خارجية في محيط الأسرة.

- غياب العقل والانقياد إلى العواطف.

- انعدام أو محدودية القابلية على تحمل الآلام والحرمان.

- إطلاق الأحكام جزافا دون روية وتعقل.

- الندم على الزواج والشعور بالغبن.

- الحسد وإساءة الظن بالطرف الآخر.

- غياب روح التسامح والإيثار.

- التعلق بشخص آخر على أمل أن يكون زوجا بديلا.

- وأخير انعدام التوافق الروحي بين الطرفين، الذي يبقى بحد ذاته، العامل المهم وراء تدهور الحياة الزوجية وانحطاط الأسرة.

النزاع لدى من؟

إضافة إلى ما ذكرنا آنفا، هناك أسباب وعلل تدفع إلى النزاع، ولكن السؤال هو لدى من يشتد الميل إلى المنازعة، والجواب:

- لدى الأشخاص الذين لا يتمتعون، وبسبب صغر أعمارهم، بالتجربة الكافية.

- لدى أولئك الذين يعانون من الشعور بالحقارة والنقص.

- لدى الذين يدلون بثروتهم أو منصبهم أو أقاربهم.

- لدى أولئك الذين لا يمكنهم، وبسبب نقص في تربيتهم، من السيطرة على أنفسهم.

- لدى بعض الذين يظنون أن بإمكانهم تحقيق جميع ما تصبو إليه أنفسهم.

- لدى الذين يعتبرون أزواجهم رقيقا يمكنهم توجيههم أينما يريدون.

- لدى الأثرياء من الذين يرون الحياة في إطار الرفاه والثراء.

- لدى الذي يتمتعون بالمراكز الاجتماعية ممن ينظرون إلى الناس على أنهم عبيد وأرقاء لهم.

- وأخيرا، لدى أولئك الذين يعيشون مرحلة الطفولة بالرغم من بلوغهم سن الثلاثين أو الأربعين، ويتوقعون من الآخرين أن يعاملوهم بالدلال.

نتائج النزاع:

ينتهي النزاع إلى إحدى نتيجتين لا ثالث لهما إيجابية أو سلبية. وإيجابية النتيجة بمعنى أن الطرف وبسبب أعماله الناجمة عن الغضب والعنف قد تمكن من حسم النزاع لصالحه ، حيث يتمكن من دفع زوجه إلى الاستسلام خوفا. والسؤال هنا: أية قيمة لهذه الحياة التي يسودها الخوف؟ إن تحويل المنزل إلى غابة وسيادة قانون الأقوى لا يبعث على الافتخار، وإن تحكيم قانون الأقوى وتسخير جميع الحيوانات في الغابة لا يمكن أن يكون باعثا على الاعتزاز.

وقد لا يؤدي إلى نتيجة إيجابية أي لا ينتهي لصالح أحد الطرفين، بل ينتهي بهزيمة الطرفين معا... صراع مستمر، عراك دائم، ضرب، وبالتالي، يتصاعد دخان النزاع ليحرق عيون الجميع خاصة الأطفال الأبرياء الذين يجدون أنفسهم في مهب العاصفة الهوجاء التي سوف تقذفهم بعيدا في عالم الضياع والانحراف.

أساس الحياة المشتركة:

تحتاج الحياة الزوجية المشتركة إلى مراعاة مجموعة من القواعد والضوابط التي لا يمكن بدونها الاستمرار في تلك الحياة، ذلك أن الحياة الزوجية إنما تقوم على المودة والحب لكي يمكن العيش في ظلال من الطمأنينة والسلام يمكن خلالها طي الطريق والوصول إلى الكمال المنشود.

فالحياة المشتركة الخالية من آثار الحب والتضحية والتسامح تافهة لا معنى لها، والحياة بدون المودة والاحترام المتبادل حياة مذلة لا قيمة لها بل لا يمكن أن نسميها حياة.

إن ما يبعث على الأسف أن يجعل الزوجان من البيت جبهة للقتال أو معسكرا حربيا أو سجنا رهيبا تطغى فيه صرخات الغضب والكراهية على رفرفات السلام، فالزوجان اللذان يخفقان في النفوذ إلى روح كل منهما لا يمكنهما أبدا تحقيق جو عائلي آمن وحياة مشتركة هادئة، ولذا فإن الإسلام قد عين حقوقا وضوابط في الحياة الزوجية ودعا الرجل والمرأة إلى الإلتزام بها وأن يخطو كل منهما ضمن المسافة المحددة له في مسار من شأنه أن يجنب الطرفين احتمالات التصادم ونشوب النزاع.

: الدكتور علي القائمي