حديث الغدير وولاية علي بن ابي طالب عليه السلام

يُعتبر حديث الغدير من الأحاديث التاريخية المهمة، والمصيرية التي أدلى بها النبي صلى الله عليه واله وسلم في السنة الأخيرة من حياته المباركة، وهو من الأحاديث التي نص فيها النبي صلى الله عليه واله وسلم على إمامة الإمام امير المؤمنين عليه السلام ووجوب ولايته على جميع المسلمين بعد ولاية اللّه تعالى وولاية رسوله المصطفى صلى الله عليه واله وسلم بكل صراحة ووضوح.

وإن حديث الغدير من الأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم ورواه كبار الصحابة والتابعين على مدى القرون وبصيغٍ مختلفة، وروي في أغلب مصادر المسلمين من كتب الفريقين ولا خلاف على صدوره ووجود هذه الواقعة عن الجميع من المسلمين. 

السبب في تسميته بحديث الغدير

أما نسبة الحديث إلى الغدير فيعود سببه إلى أن النبي أدلى بهذا الحديث على أرض غدير خم في اجتماع حاشد يضم ما يربو على مائة ألف من المسلمين و ذلك بعد رجوعه من أداء مناسك الحج في آخر سنة من حياته المباركة وقد صرّح الكثير من المفسرين بأن نزول آية التبليغ كان في يوم الغدير لدى رجوع النبي صلى الله عليه واله وسلم من حجة الوداع في مكان يسمى بـ (غدير خم) منهم: أبو الفضل شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي عن ابن عباس، قال: نزلت الآية: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ...} ومنهم: ابو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، (ت468 هـ ) عن أبي سعيد الخدري، قال: ( نزلت هذه الآية :{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ... } يوم غدير خم في علي بن أبي طالب عليه السلام)، ومنهم:جلال الدين السيوطي، روى بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: ( نزلت هذه الآية : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} ... على رسول اللّه صلى الله عليه واله وسلم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب عليه السلام).

نص حديث الغدير في كتب المخالفين

ما رواه احمد بن حنبل ورواه عنه جملة من المحدثين كالخطيب البغدادي والحاكم النيسابوري ، وابن سعد في الطبقات وغيرهم عن البراء بن عازب قال: (كنا مع رسول اللّه صلى الله عليه واله وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم ، فنودي فينا الصلاة جامعة، وكُسح لرسول الله صلى الله عليه واله وسلمتحت شجرتين فصلى الظهر واخذ بيد علي عليه السلام فقال: (ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ 

قالوا: بلى 

قال :(ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه)؟ قالوا بلى.

فاخذ بيد علي فقال:( من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه، فلقيه عمر بعد ذلك فقال له: هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة).

عدد المسلمين الذين حضروا في غدير خم.

الجواب: اختلفت الأقوال في عدد الحاضرين في يوم الغدير عندما نصب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم علياً خليفة و إماماً بعده، فأقل الأقوال تقول بأن الحضور كانوا سبعين ألفاً من المسلمين والمسلمات ومن بلدان مختلفة .

وأكثرها تقول بأنه كان بصحبة الرسول المصطفى صلى الله عليه واله وسلم في يوم الغدير زهاء مائتي الف من المسلمين تقاطروا من كل حدب و صوب لنيل ثواب وشرف حجة الوداع العظيمة والاخيرة للرسول صلى الله عليه واله وسلم ولم يتخلَّف عن هذه الحجة احد من كبار صحابته فكان إجتماع يضم العدد الأكبر من المسلمين والفريد من نوعه منذ البعثة النبوية . 

أنظر التفصيل في السيرة الحلبية: 3 / 308 , امتاع الأسماع: 512 , تذكرة الخواص: 37.

دلالات حديث الغدير 

وهناك نقاط عدة يمكن إستخلاصها مما تقدم: 

أولاً: أن النبي إنما أدلى بهذا الحديث بأمر من اللّه تعالى وذلك بعد نزول آية التبليغ وهي: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، وهي تأمر النبي صلى الله عليه واله وسلم بتنصيب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلامخليفةً له وإماماً للناس والتدبر في الآية السابقة و لهجتها الصارمة بصورة عامة، مضافا إلى التدبر في دلالة {...وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ...} يكشف لنا عن حساسية القضية و خطورة المسالة المطروحة.

ثانياً :إن انتخاب (غدير خم) تلك الصحراء القاحلة التي يلفحها الهجير و تلتهب رمالها بوهج الظهيرة كمكان لإلقاء حديث الغدير، وانتخاب المقطع الأخير من حياة الرسول صلى الله عليه واله وسلمكزمان لإلقاء الحديث، وانتخاب الاجتماع التاريخي الحاشد الذي يشكله الحجاج العائدون من بيت الله الحرام كمستمعين لهذا الخطاب التاريخي الهام، إلى غيرها من الأمور إن عبرت عن شيء فإنما تعبّر عن أهمية ما أمر اللّه عز وجل النبي صلى الله عليه واله وسلم بإبلاغه، وهوتعيين المسار القيادي للامة الإسلامية دينيا وسياسيا.

ثالثاً: إن عدم تبيلغ الناسَ بولاية أمير المؤمنين عليه السلام من قبل النبي صلى الله عليه واله وسلم يُعدّ مساويا لعدم تبليغ الرسالة الإلهية ، ودل عليه قوله تعالى: { ... وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} وهذا يدل على أن مسالة التبليغ في الغدير مسألة مصيرية بحجم الرسالة المحمدية . 

رابعاً: إن نزول آية الإكمال في قوله:{ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ...} في يوم الغدير بعد إبلاغ النبي صلى الله عليه واله وسلم الناسَ بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فيها دليل واضح وجلي على اكتمال أهداف الرسالة المحمدية وضمان عدم والوقوع في الإنحراف أو في الفراغٍ التشريعي أوالقيادي أو السياسي بعد الرسول صلى الله عليه واله وسلم.

: الشيخ وسام البغدادي