أشار ممثل المرجعية الدينية الشيخ عبد المهدي الكربلائي، إلى ما تضمنه جواب المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني، بشأن استفتاء حول كتاب نهج البلاغة، فيما أكد أن هناك غرض ومقصد من وراء التذكير والإعادة بما تضمنه هذا الجواب، جاء ذلك خلال كلمته التي القاها خلال انطلاق فعاليات المؤتمر العلمي الدولي الرابع الذي تقيمه مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة.
وقال ممثل المرجعية الدينية العليا، إنه "أود أن أذكر بما تضمنه جواب سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني، بشأن استفتاء حول كتاب نهج البلاغة"، مبينا أن "هناك غرض ومقصد من وراء التذكير والإعادة بما تضمنه هذا الجواب، وفيه إنارة للطريق وضياء للمسلك في كيفية الاعتناء بنهج البلاغة".
وأضاف، أن "الجواب تضمن عدة محاو، الأول بيان منزلة ومرتبة ما ورد من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة، وفيه عدة نقاط، الأولى اعتبر المرجع الديني الأعلى أن كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة يعد في ذروة الكلام بعد كلام (الله تعالى) وكلام نبيه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم ذكر خصائص نهج البلاغة التي جعلته في ذروة الكلام، ولماذا جعلت هذه الخصائص على شكل نقاط متسلسلة في الواقع هو للتذكير والتنبيه، ما هو الغرض الذي يجعلنا نعيد التذكير بهذه الأمور"، لافتا إلى، أن "هذا الكلام العظيم لأمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة ربما لا تتسع السنين حتى نستوعبه بحثا وتأليفا وموعظة وغير ذلك من هذه الأمور، لذلك ينبغي أن نضع الأولويات في تحديد العناوين العلمية والمعرفية التي ينبغي تأليفها وفي كتابة البحوث وتوجيه رسالات الماجستير والدكتوراه، وما هي تلك الخطب والكلمات لأمير المؤمنين (عليه السلام) التي ينبغي أن تقدم على غيرها في البحث والتأليف والتأمل والتدبر وتوجيهها نحو المجتمع خاصة للطبقات المهمة، وهذه العناوين التي ينبغي توجيه الأخوة ممن يكتب مؤلفا في هذا الكتاب العظيم، ومن يكتب البحوث والمقالات، بل حتى نحن ينبغي أن نقدمه في القراءة والتأمل والتدبر والاعتناء بتطبيقه في مناهج حياتنا المختلفة".
وأوضح، أن "بيان نهج البلاغة للمنهج الفطري للتفكر والتأمل في الكون وحقائقه، وليس كل ورقة تفكير الإنسان تقود إلى بيان ومعرفة حقائق ما ورده في هذا الكتاب العظيم، أمير المؤمنين (عليه السلام) يوضح لنا ما هي تلك السبل من التفكر والتأمل والتدبر التي تقود إلى النتائج الصحيحة وقد بينها أمير المؤمنين (عليه السلام) في الكثير من كلماته وخطبه، أنه بيان للمنهج الفطري للتفكر والتأمل في الكون وحقائقه بيان واضح وتفصيلي لأصول الإسلام ومعارفه".
وزاد، أن "نهج البلاغة إيضاح لسنن الحياة التي تجري عليها الأمم والشعوب بصورة عامة ففيها يستنطق التأريخ ليكشف عن هذه السنن لينتفع منها في الأسس الصحيحة للحياة بصورة عامة لنا ولغيرنا حاضرا ومستقبلا، وتبيان لسبل تزكية النفس وترويضها، ولعل أوضح مصادق لذلك خطبة المتقين من رسالة الإمام (عليه السلام) لولده الإمام الحسن (عليه السلام)، التي تذكر باداب الحكم وشروطه واستحقاقاته وحقوق الراعي والرعية وغيرها، ومرآة صادقة للتأريخ الإسلامي، اذ تعلمون كم زور وحرف التأريخ عن حقائقه، فجاء نهج البلاغ ليكون مرآة صادقة للتأريخ الإسلامي وما وقع فيه من حوادث مهمة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة فترة خلافته".
وتابع قائلا: "يشمل ذلك جانبا مهما من سيرته، وصفاته، وأخلاقه، وعلمه، وفقهه، وطريقة حكمه، لذلك، أود من الإخوة في هذه المؤسسة الكريمة، وكذلك بقية المؤسسات والمراكز، أن تكون هذه العناوين هي المحاور الأساسية التي ينبغي أن تدور حولها جهود التأليف، والبحث، والتأمل، والتفكر، والكتابة، وتوجيهها نحو المجتمع".
وأشار إلى، أن "المحور الثاني الذي ورد في جواب الاستفتاء، هو ما هي وظيفتنا تجاه هذا الكتاب العظيم حيث تختلف الوظائف بحسب مقام الشخص ومنزلته العلمية والاجتماعية ومكانته الأخرى، اذا ما هي وظيفتنا تجاه هذا الكتاب العظيم، أولا ورد فيه توجيهات ونصاح سماحة المرجع الديني الأعلى، للشباب الجامعي، أن ينبغي للمرء أن يأنسه، وهنا لابد أن نتوقف عند هذه العبارة، اذ لم يذكر أن يقرأ، أن يتأمل، أن يكتب، أن يؤلف، قال ينبغي أن يأنس، هذا الأنس يعتمد على عوامل عديدة منها ما يتعلق بالعقل والفكر ومنها ما يتعلق بالروح والنفس، كيف نصل إلى تلك المرتبة التي من خلالها يدخل حب وعشق هذه المعارف التي وردت في نهج البلاغة إلى أعماق قلوبنا ودقائق عقولنا، حتى نشتاق دائما ونتأمل ونتفكر ونعمل وننشر ما ورد من هذه العلوم والمعارف في نهج البلاغة، وذكر أيضا بالمناسبة الصحيفة السجادية وما أعظم هذه الصحيفة التي غفلنا كثيرا عما فيها من معارف وما فيها من معالجات معرفية تربوية أخلاقية وروحية وأهميتها لنعطيها حقها، ولذلك ذكر المرجع الديني الأعلى أن هذه الكتب الثلاثة التي ينبغي أن تكون مورد الاهتمام وهي القرآن الكريم، ونهج البلاغة ثم الصحيفة السجادية، التي ينبغي لكل واحد منا سواء ما كان الكتاب نهج البلاغة أو الصحيفة السجادية، أن تكون معه في المكتب وفي البيت أو في صالة الجلوس بل حتى في غرفة النوم، ينبغي أن تلازمنا هذه الكتب، دائما معنا في حلنا وترحالنا بل حتى في سفرنا أيضا، وفي كل مكان نحط فيه رحالنا، لأهمية هذه الكتب في حياتنا التي نعيشها".
ولفت "فذكر في توجيهاته، ينبغي للمرء أن يأنس بكتب ثلاثة يتزود منها بالتأمل والتفكر، القرآن الكريم والصحيفة السجادية، ونهج البلاغة وهو ما يعنينا هنا حيث ذكر المرجع الديني الأعلى، أن نهج البلاغة تبيين لمضامين القرآن الكريم وإشاراته بأسلوب يحفز في المرء روح التأمل والتفكير والإتعاض والحكمة، فلا ينبغي للمرء أن يترك مطالعته كلما وجد فراغا أو فرص، وما أكثر هذا الفراغ وما أوسع هذه الفرص في حياتنا، لذلك ينبغي أن نملأها بالتأمل في القرآن الكريم وفي نهج البلاغة وفي الصحيفة السجادية، وليشعر نفسه ينبغي أن نعيش هذه المشاعر كما لو أننا كنا في عصر أمير المؤمنين (عليه السلام)، كل واحد منا إذا كان صادقا في حياته ومحبته لأمير المؤمنين (عليه السلام) ويعرف قدر هذا الرجل العظيم، فهو يتمنى أن يكون في عصر الإمام (عليه السلام) حاضرا في عصره يستمع إليه، فكيف سيكون استماعه، تأمله، تدبره بما يريد من أمير المؤمنين (عليه السلام)، وليشعر نفسه أنه ممن يخطب فيهم الإمام (عليه السلام) كما يتمنى في عصره (عليه السلام)، نستمع إلى كلماته ونكون حاضرين بين يديه وليهتم برسالته إلى ابنه الإمام الحسن (عليه السلام) فإنما جاءت لمثل هذه الغاية، الكتاب الثالث الذي هو الصحيفة السجادية بما فيها من أدعية ومناجاة، لأنه كلنا يؤمن بالتجربة في أن يعرف نتائج بعض الأمور في حياته وأنا أقول جرب أن تقرأ في كل يوم وفي كل أسبوع مقطعا من أدعية الإمام السجاد (عليه السلام) ومقطعا من المناجاة، وربما على الإنسان أن يصل في مرتبة اعتنائه بالصحيفة السجادية أن يكون له نسخة من هذا الكتاب بجميع أحجامه يصل الحد أن يحمل حتى النسخة الصغيرة في جيبه، فإذا كان في صلاة نافلة يمكن أن يدعو بمقطع صغير من أدعية هذه الصحيفة، قطعا إذا تفاعل مع هذه الصحيفة لا يكاد يستطيع أن يفارقها يوما واحدا بما فيها من أدعية ومناجاة ترتقي بالنفس إلى الطهر والعفاف والصفاء والتخلي عن الدنيا".
وبين أنه: "وورد في هذه النصائح للمرجعية الدينية العليا، كيف بالمسلمين عامة، هنا نتوقف عند هذه الكلمة المسلمين عامة لنكتشف منها لفت النظر إلى جميع المذاهب، وإلى المنزلة العظيمة لهذا الكتاب، وهذا يتطلب الانفتاح على أهل العلم والأدب والأساتذة في الجامعات في البلدان الإسلامية الأخرى، حتى نعرّفهم بالمنزلة العظيمة لهذا الإمام، ونطلعهم على هذه العلوم، بل ونشاركهم في التأليف والكتابة والبحث والمقالات في علوم نهج البلاغة والبناء في مختلف الاختصاصات، علينا البدء بالتطبيق على أنفسنا، فكل علم أو معرفة أو فكر أو توجيه أو نصيحة أو تربية أو أخلاق، كلما كان المتكلم أكثر تطبيقًا لما يدعو إليه ويقوله، كان ذلك أنفذ في القلوب وأكثر تأثيرا في العقول والأرواح، وكلما ازدادت مرتبة المعرفة والتطبيق من قبل المتكلم في أي مجال من مجالات هذه العلوم، كان أكثر تأثيرا وقبولا من المستمعين".
واستطرد قائلا: "نعود إلى المحور الثاني؛ على المسلمين عامة أن يستنيروا في أمور دينهم تعليما وتزكية، نعم، علينا أن نكتب ونؤلف ونبحث ونتعلم كثيرا من العلوم والمعارف، لكن الركن الثاني الذي تتوقف عليه هذه الأمور، وهو الأمر المهم الذي يمثل الهدف والغاية الأسمى والنهائية، هو التعلم والتزكية، ننصح الشباب بمطالعته والتدبر فيه وحفظ طرف منه، كما يجدر بمن يدّعون محبة الإمام (عليه السلام) ويتمنون أنهم لو كانوا في عصره - كما نتمنى نحن في زيارة سيد الشهداء (عليه السلام) أن نكون معهم في نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) والتضحية بأنفسنا في سبيله - أن يكونوا كأنهم في عصر الإمام (عليه السلام)، يستمعون إلى مواعظه، يهتدون بهديه، ويسيرون على نهجه، وينبغي أن يفعلوا ذلك في ضوء ما ورد في هذا الكتاب".
اترك تعليق